توقّع الكثيرون أن تؤدّي جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 14 حزيران الجاري الى فتح الباب أمام التوافق والحوار على مرشّح توافقي بين الفريقين المتنازعين. غير أنّ ما بدا سريعاً بعد الجلسة فهو أنّ باب إطالة الشغور الرئاسي، واستمرار الإنهيار في البلد هو الذي فُتح على مصراعيه، وذلك من خلال اكتفاء كلّ من الفريقين السياسيين بتحديد الأرقام في الجلسة المذكورة، من دون وجود أي نيّة فعلية، أو حماس حقيقي لانتخاب الرئيس.
تقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّه لو أراد النوّاب فعلاً انتخاب رئيس جمهورية «صُنع في لبنان»، لكانوا ذهبوا الى دورة ثانية في جلسة الأربعاء الفائت، وكانت أصوات «الفئة المتردّدة» التي بلغت 18 نائباً ساهمت في إيصال أحد المرشَحين الجديين أي رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية، أو الوزير السابق جهاد أزعور الى قصر بعبدا.. فالنوّاب الثمانية الذين صوّتوا بعبارة «لبنان الجديد»، وهم من تكتّل «الإعتدال الوطني»، أعلنوا عشية الجلسة أنّ الأرجحية في الدورة الأولى للورقة البيضاء أي ليس لأي من المرشحين، لكنّهم كانوا ذهبوا لانتخاب فرنجية، بحسب المعلومات، في حال حصلت الدورة الثانية. في حين أنّ الأصوات الـ 10 الأخرى كانت اختارت بين فرنجية وأزعور لو جرى التوجّه الى دورة ثانية أو ثالثة بهدف انتخاب الرئيس. وهذا الأمر كان أدّى الى فوز أحد المرشَحين بأكثر من 65 صوتاً في الدورة الثانية.
ولكن وصول فرنجية أو أزعور الى قصر بعبدا، مع تعذّر التوافق بين الفريقين وبقاء الإنقسام على حاله، أي في ظلّ استمرار المواجهة والتحدّي بينهما، على ما أضافت، لن يؤدّي لاحقاً الى سير البلاد على الطريق الصحيح للإنقاذ والإصلاح. من هنا، جاء مقترح نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب الذي استكمل جولة «مدّ الجسور» الجمعة على المسؤولين وبدأها بلقاء رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، مقترحاً ذهاب الحكومة الى «انتخابات نيابية مُبكرة»، في ظلّ بقاء كلّ فريق على موقفه، وعدم الموافقة على الذهاب الى الحوار. ولقي هذا المقترح إستحساناً أوّلياً لدى برّي سيكون له تبعات.
ويطرح هذا المقترح الذي يبدو أنّه يتخذ منحى خارجي أيضاً، ســؤالاً حول كيفية إستــطاعة حكومة تصريف الأعمال الحالية إجراء «إنتخــابات نيابية مُبكرة»، في الوقت الذي قامت فيه بتأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية المهمّة والضرورية في المرحلة الراهنة لتسيير أمور المواطنين، بحجّة عدم تأمين التمويل، الموجود أساساً؟! غير أنّ المصادر نفسها تُجيب بأنّه إذا كان حلّاً ياتي من الخارج فإنّ التمويل لا يعود مشكلة ويؤمّن سريعاً. إلّا أنّ الإنتخابات النيابية الجديدة تتطلّب قانوناً جديداً، وهنا المشكلة الأساسية التي تترافق مع هذا الطرح لأنّ القانون النسبي وفق 15 دائرة الذي جُرّب خلال الدورتين السابقتين من الإنتخابات النيابية أظهر أنّه يحتاج الى تعديل لكي يأتي بالممثلين الفعليين عن الشعب الى الندوة البرلمانية.
أمّا الهدف من هذا المقترح، فهو إلغاء عبارة «منظومة»، على ما أوضح بوصعب، من كلّ النقاشات والحوارات الجارية، سيما وأنّ اعتراض أي جهة أو طرف على إسم مرشّح ما، خصوصاً من قبل النوّاب التغييريين الذي قد يُصبحون هم أيضاً من هذه «المنظومة»، سببه الأساسي أنّه تابع للمنظومة. ولهذا فالإنتخابات المُبكرة قد تأتي بوجوه جديدة من خارج هذه المنظومة والتي يُمكنها أن تنال ثقة أكبر عدد ممكن من السياسيين، وحتى من الشعب، في الداخل والخارج.
في المقابل، يبدو أنّ الحوار عاد ليُطرح على الساحة بعد أن كان رمى برّي الكرة الى ملعب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عشية الجلسة الفائتة إذ أعلن أنّه لن يؤجّلها إلّا في حال واحدة، وهي إذا طلب منه البطريرك الراعي والأفرقاء المعنيون هذا التأجيل، أو إذا وجد الراعي إمكانية إستبدالها بإجراء حوار وجاراه الأفرقاء. فبعد جلسة الأربعاء دعا برّي الى الحوار بطريقة غير مُباشرة إذ أعلن في بيان له بأنّ «انتخاب رئيس الجمهورية لن يتحقّق إلّا بالتوافق وبسلوك طريق الحوار»، موضحاً بأنّه «حوار بدون شروط لا يُلغي حقّ أحد بالترشّح، وحوار تتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الإستحقاق دون إقصاء أو عزل أو تحدٍّ أو تخوين»، رغم تأكيده سابقاً أنّه لن يُكرّر الدعوة للحوار بعد أن وجّهها مرتين وجرى رفضها من الكتل المسيحية.
وتجد المصادر عينها بأنّ كلّ هذه المقترحات التي تأتي بعد جلسة 14 حزيران تدلّ على أنّنا عدنا الى نقطة الصفر، إلّا إذا وافقت الكتل المسيحية على الذهاب الى الحوار.. ولكن يبدو أنّ النوّاب ما زالوا ينتظرون نتائج الحَراك الخارجي، من القمّة الفرنسية- السعودية التي عُقدت أمس الجمعة في باريس، الى زيارة المبعوث الفرنسي الخاص الى لبنان جان إيف لودريان الذي سيحمل معه خلاصة هذا اللقاء وإذا ما حصلت مباركة أميركية له. وسيظهر الأسبوع المقبل من خلال المحادثات التي سيُجريها لودريان مع المسؤولين اللبنانيين بدءاً من الأربعاء وعلى مدى ثلاثة أيّام، إذا ما كانت بلاده لا تزال متمسّكة بالمبادرة الفرنسية فيقوم بإعادة إحيائها ويستكملها من خلال إقناع الفريق التي يرفضها، أو ستتخلّى عنها وتقوم بتعديلها لإعادة إنتاج إسم مرشّح آخر يُوافق عليه الفريق الداعم لفرنجية؟!.