لكل صاحب حرفة أساليب تساعده على تخفيض كلفة الانتاج وزيادة الربح. وبعضهم يلجأ للاحتيال عن طريق تقليص الجودة، ما يسمح بربح إضافي. ويُعَدُّ هذا الربح احتيالًا، لأن المستهلك يجهل طريقة التلاعب وحقيقة المنتج الذي يشتريه. وهو الحال في كل الأزمات، وفي مقدّمها أزمة المحروقات.
أوكتان البنزين
مع اشتداد أزمة استيراد المحروقات، عكف المستوردون على تكثيف استيراد البنزين من نوع 95 أوكتان أكثر من نوع 98 أوكتان. لكن بعض أصحاب المحطات باعوا صفيحة الـ95 أوكتان على أنها 98 أوكتان، أي بسعر أغلى. ناهيك عن التلاعب بالعدّادات التي تسمح ببيع كميات أقل وتقاضي أثمانٍ أكبر.
بالتوازي مع العدّادات، لجأ البعض إلى التلاعب بالنوعية. وأولى مظاهر التلاعب استيراد بنزين بعيار أوكتان أقل وبيعه على أنه أوكتان أعلى. وفي لبنان، ينتشر البنزين بعيارين 95 و98 أوكتان، لكن مؤخرًا سرت معلومات تشير إلى استيراد بنزين بعيار 80 أوكتان وبيعه على أنه 95 أو 98 أوكتان، ما يعطي للتجار هامش ربح أعلى بكثير مما ينبغي، يُضاف إلى أرباحهم المحققة من البيع بالسوق السوداء، حيث يصل سعر صفيحة البنزين إلى نحو 400 ألف ليرة. والبنزين من عيار 80 أوكتان، أرخص وقليل الاستعمال عالميًا، نظرًا لتأثيره على تخفيض قدرة المحرّكات على العمل وإعطاء القوة المطلوبة والأداء الأفضل.
لم يؤكّد أحدٌ وجود هذا البنزين على نحو ملموس حتى الآن. لكن المؤكّد هو وجود بنزين مختلف عمّا يألفه اللبنانيون، حيث ينتشر نوع لونه مائل إلى الأحمر.
المستهلك قد لا يعلم حقيقة ما خَرَجَ من خرطوم الوقود إلى داخل خزّان سيارته، وكل ما يمكن الشكّ حياله، هو تقدير كمية الوقود، من دون التحقق منها إلا إن أفرِغَت في غالونات. وهنا، تمتنع الكثير من المحطات عن تعبئة الغالونات منعًا لانكشاف أمرها. أما في حال ارتفاع مستوى الشكّ واتخاذ قرار عدم التعبئة، فالقرار لن يؤثّر على صاحب المحطة، بل على المستهلك. فما لا يُشرى اليوم، سيُشرى غدًا بسعر أعلى.
معضلة المازوت
قد يكون انعكاس التلاعب بالبنزين أقل وطأة عن إخفاء المازوت وتحويل الكميات باتجاه السوق السوداء. فالصرخات ما زالت ترتفع من القطاعات كافة. وتحذّر المستشفيات من الوصول إلى حد إقفال أبوابها وعدم استقبال المرضى بفعل انقطاع المازوت. ما يعني تهديد حيوات المرضى في أقسام العناية الفائقة وغسيل الكلى وعلاجات السرطان وغيرها. أما غياب القدرة على إجراء العمليات الجراحية، فحدّث ولا حَرَج.
الاعتماد على المولّدات الخاصة لم يعد حلًا مناسبًا للالتفاف على تقنين كهرباء الدولة. فالمولّدات تنذر بالخروج من الخدمة بفعل انقطاع المازوت بالسعر المدعوم. وأصحاب المولّدات ليسوا في وارد الاعتماد على السوق السوداء لتأمين حاجتهم. فالكلفة المرتفعة تعني زيادة الفاتورة على المشتركين، أي احتمال مواجهة التوقف عن شراء تلك الخدمة. وإلى حين إيجاد بصيص أمل يخفف الأزمة، يلجأ أصحاب المولّدات إلى التقنين، مع علمهم بأنه ليس حلًا ناجحًا، بل هو شراءٌ للقليل من الوقت فقط.
ويبدو أن أزمة المازوت ستكتسب المزيد من السلبية، إذ أعلنت المديرية العامة للنفط بأنها “ستتوجه إلزاميًا للتوقف عن تسليم مادة المازوت، محتفظة بكمية محدودة جدًا للحالات الطارئة والاستثنائية، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على المخزون الاستراتيجي للقوى الأمنية”. وبررت قرارها بأن حصّتها من السوق “لا تتجاوز الـ30 بالمئة مقابل حصة 70 بالمئة للشركات المستوردة”، وقد وزّعت المديرية عبر منشأتيّ الزهراني وطرابلس “حوالى 14 مليون ليتر، ما يعادل نصف حمولة باخرة كاملة، وزعت على 160 شركة توزيع”.
أين هي الكميات الموزّعة؟ تئنُّ المؤسسات التي تعتمد على المازوت في أعمالها. إذ لم تصلها الكميات المطلوبة، والسوق جاف، ونبع السوق السوداء غزير. لكن قليلون يجرؤون على الاعتماد عليه لارتفاع الكلفة. فيما التهريب نحو سوريا يزداد ويبتلع الجزء الأكبر من المازوت المستورد إلى لبنان بدولارات اللبنانيين.