لم يتمخّض اللقاء الوزاري التشاوري في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، أمس الأول، عن أي معالجة لملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يبدو أنه باق في منصبه حتى انتهاء ولايته في تموز المقبل، ما لم تخرج اللعبة عن السيطرة بفِعل توسيع بيكار الملاحقات ضد سلامة، مع صدور مذكرة توقيف جديدة في حقه عن القضاء الالماني، تُضاف الى تلك الفرنسية.
بناء عليه، تكون الحكومة قد فضّلت، حتى الآن، الاعتماد على الوقت ليفعل فعله، من دون أن تتدخل هي مباشرة في تحديد مصير «الحاكم» الذي، وفي عزّ لحظات ضعفه، لا يزال عصياً على الإقالة ورافضاً للاستقالة الطوعية، على رغم انه بات محشوراً في زاوية ضيقة جداً.
ومع انّ «المعركة» شارفت على نهايتها، أولاً بسبب الملاحقات القضائية لسلامة في الخارج والداخل، وثانياً لأنّ ولايته القانونية اقتربت من ختامها، الا انّ «الضابط» لا يزال في الخدمة، مستفيداً من أمرين: الأول يتعلق بحالة انعدام الوزن الناتجة عن الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن إقالته وتعيين بديل عنه، والثاني يتصل بالموقف الأميركي الذي يستمر في إمداد سلامة بالوقود الضروري لمنع إطفاء محركاته قبل الأوان.
لكن، وفي مقابل هذه الوقائع، هناك من يعتبر انّ مسألة إقصاء سلامة هي مبدئية بعدما أصبح مطلوباً للعدالة الدولية بموجب مذكرتَي توقيف فرنسية والمانية وتعميم الإنتربول لاسمه، وبالتالي لم يعد جائزاً تركه يسرح ويمرح، حرصاً على آخر ما تبقّى من سمعة لبنان، بمعزل عمّا يمكن أن يحصل في اليوم التالي لخروجه او إخراجه من موقع الحاكمية.
ولكن الاتجاه المقتنع بضرورة الركون الى الوقت من جهة والى المسار القضائي اللبناني من جهة أخرى لحسم مصير سلامة هو الذي طغى على مناقشات الاجتماع التشاوري في السرايا، علماً انّ بعض الوزراء الحاضرين اعترضوا خلاله على مجمل سلوك الحكومة حيال وَضع سلامة منذ تشكيلها، معتبرين انها «تقاعست عن تأدية دورها في محاسبته عندما كانت مكتملة المواصفات لتحلّ عليها فجأة الروح القدس وهي في حالة تصريف أعمال، وقبل 40 يوماً من انتهاء ولاية سلامة»، وفق ما يُنقل عنهم.
ولاحَظ احد الوزراء انه وخلال 18 شهراً من عمل الحكومة الأصيلة لم يُطرح مصير سلامة في اي مرة للبحث جدياً على طاولة مجلس الوزراء، ولم تحصل اي مقاربة مسؤولة لهذه القضية، بل ارتفعت اصوات تعتبر انه لا يجوز أن يجري تغيير الضابط في المعركة.
ويؤكد وزير شارك في الاجتماع التشاوري لـ»الجمهورية» انه كان ينبغي أن تتم إزاحة سلامة عن منصبه أمس قبل اليوم بعد تَراكم الدعاوى والملاحقات في حقه، وليس الانتظار الى ما قبل اسابيع قليلة من ختام ولايته، لدرس القرار الواجب اتخاذه حياله بعدما أحرَج القضاء الأوروبي الدولة اللبنانية.
ويعتبر الوزير إيّاه انّ الاجتماع التشاوري كان أقرب إلى قنبلة دخانية لِذر الرماد في العيون، «وهو بَدا امتداداً لمسرحية فولكلورية لم يتوقف عرضها، ومن فصولها على سبيل المثال أن الاجهزة الأمنية كانت تبحث عن «الحاكم» ولا تجده، وانه كان يَمثل امام القاضي في قصر العدل حاملاً سيكاره من دون مراعاة مكانة القضاء».
ومن العلامات الفارقة للاجتماع التشاوري انّ وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار الذي كان مريضاً غادرَ المستشفى لبعض الوقت من أجل المشاركة فيه، ثم عاد الى المستشفى، نادماً على «المجازفة» التي خاضها!
وعُلم انّ حجار دخل الى المستشفى يوم الأحد الماضي بعد عارضٍ صحي أصيب به جرّاء تسمّم كان قد تعرّض له ورَافَقته عوارض قوية.
وعندما دعا ميقاتي الى عقد اللقاء التشاوري قرّر حجار ان يحضره، على ان يعود بعد ذلك إلى المستشفى. ولذا، طلبَ نزع المصل ليتمكن من المغادرة، الّا ان طبيبه رفض الأمر، محذّراً إيّاه من تداعيات صحية قد تَترتّب على مغادرته المستشفى، إضافة إلى أنه قد يخسر تغطية شركة التأمين. لكنّ حجار أصَرّ على قراره فتجاوَب معه الطبيب مُكرهاً بعدما منحه جرعة زائدة من دواء تخفيض الحرارة التي كانت مرتفعة.
وتروي أوساط قريبة من حجار انه انزعج جداً من مسار المداولات في اللقاء الوزاري، وانه قد لا يشارك مرة أخرى في لقاءات من هذا النوع على رغم سَعيه الى عدم كسر الجرة مع ميقاتي.