يواجه لبنان نهاية الأسبوع الجاري استحقاقاً جديداً في العلاقة مع دول الخليج، بحيث يُنتظر أن يحمل وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب الى مجلس وزراء خارجية العرب الذي سينعقد في الكويت، الرد اللبناني الرسمي على الورقة التي حملها وزير خارجية الكويت نهاية الأسبوع المنصرم الى المسؤولين بإسم دول الخليج ودول عربية أخرى وتتضمن 12 بنداً، المطلوب من لبنان تنفيذها لفتح صفحة جديدة في العلاقات وعودة الثقة به. إلّا أنّ هذه الورقة تضمّنت مطالب «تعجيزية» في ظلّ الواقع اللبناني، لجهة ما يتعلّق بـ«حزب الله» وسلاحه. وبالتالي إنّ لبنان الرسمي الآن، واقع بين فكّي الحفاظ على التضامن اللبناني – اللبناني وعدم «إغضاب الحزب» وبين التجاوب مع المبادرة الكويتية لما له من مصلحة في أفضل العلاقات مع دول الخليج خصوصاً لجهة استعادة دعمها له في ظلّ الانهيار الذي يواجهه.
حتى الآن، لا يزال «حزب الله» ملتزماً الصمت حيال المبادرة الكويتية، على رغم أنّها شملته تحديداً وبالاسم، وقاربت أموراً من «الخطوط الحُمر» لديه، ولا سيما منها: «وضع إطار زمني محدّد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الرقم 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان والقرار 1701 الخاص بسلاح «حزب الله» ومنطقة الجنوب اللبناني وفق المبدأ الأساس في سيطرة الدولة على وجود السلاح خارج سلطة الحكومة اللبنانية، ووقف تدخُّل «حزب الله» في الشؤون الخليجية خصوصاً والعربية عموما، والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضدّ دول مجلس التعاون».
يؤثر «حزب الله» عدم الرد على المبادرة الكويتية، ويُلخّص موقفه الرسمي منها، بأنّها قُدّمت الى الدولة اللبنانية وهي المعنية بالإجابة عنها في كتاب يُسلّم الى مجلس وزراء الخارجية العرب، إذ إنّ أي طرف لم يتحدّث مع «الحزب» في شأن هذه المبادرة، لا الكويتيين ولا غيرهم.
وقبل تبلوُر إجابة الحكومة على الورقة الكويتية وتبيان الردّ الخليجي والعربي على هذه الإجابة، ليس «حزب الله» في صدد التعليق لا على المبادرة الكويتية نفسها ولا على إجابة الحكومة عنها. كذلك يُحجم «الحزب» عن تقديم تحليله للمبادرة الكويتية (العربية)، على رغم أنّه كَوّن صورة كاملة تفصيلية عنها، إن لجهة أسبابها أو نتائجها ومخاطرها، لكنّه يرفض التعليق عليها الآن. وبعد أن أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمس، أنّ «لبنان أبدى ترحيبه بالمبادرة الكويتية الهادفة الى إعادة الثقة بين لبنان والدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً»، لافتاً الى أنّ «الأجوبة اللبنانية سيحملها معه وزير الخارجية والمغتربين الى الاجتماع الوزاري العربي الذي سيُعقد في الكويت نهاية الأسبوع الحالي»، يعتبر «الحزب» أنّه غير مُضطر الى التعليق على المبادرة وأن يضع نفسه في المواجهة، وذلك قبل أن يعرف موقف الدولة منها وهل سيكون جواب الحكومة عليها متوازناً ورصيناً أم لا.
وفي حين أنّ «حزب الله» ردّ بطريقة قاسية ومباشرة على وصف الملك السعودي له بـ«الإرهابي»، وأعلن أنّ «من يقرع الباب سيسمع الجواب»، قد يكون من أسباب عدم ردّه على المبادرة الكويتية، على رغم ما حملته ضدّه، حرصه على العلاقة مع الكويت. إلّا أنّ «حزب الله» سيكسر صمته بعد ردّ مجلس وزراء الخارجية العرب على إجابة لبنان الرسمي على المبادرة الكويتية. ومن المُرجّح أن يكون تعليقه على هذه الورقة وما يستتبعها من إجابات وردود، على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي من المُقرّر أن يطلّ نهاية الأسبوع الجاري عبر قناة «العالم» الإيرانية (تبث باللغة العربية).
أمّا رسمياً، فسيكون فحوى إجابة لبنان على المبادرة الكويتية، «الحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية ومنها الخليجية»، وهذا الأمر ليس بجديد ويؤكده المسؤولون، وسمعه الوزير الكويتي من رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة. كذلك تعتبر مصادر معنية أنّ جزءاً من الإجابة على الورقة ينصّ عليه البيان الوزاري. كذلك ستحمل الإجابة مواقف الحكومة نفسها المُكرّرة، وهي أنّها هي الناطق بإسم لبنان، وهناك تعددية في لبنان وأي طرف آخر يمثّل نفسه وليس موقف لبنان الرسمي.
بالنسبة الى ما يتعلّق بسلاح «حزب الله»، لا شك في أنّ الإجابة المُنسّقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لن تشكّل استفزازاً لـ«الحزب»، وستشدّد على أنّه مكوّن لبناني، وهناك نزاع ما زال قائماً بين لبنان واسرائيل التي تعتدي عليه باستمرار، مع تأكيد أن تأخذ الدولة دورها في ظلّ وضع مستقرّ ما يتطلّب فترة زمنية، وأنّ لبنان يرغب في وضع هذا الأمر في إطاره الصحيح ويسعى الى ذلك. وسيعيد لبنان التوضيح أنّ هناك مواضيع مرتبطة بنزاعات إقليمية أكبر من البلد وستوضع في إطارها الصحيح. ويعتبر المعنيون أنّ دول الخليج تعرف الواقع اللبناني، تماماً كما الفرنسيين يعرفون تفاصيله، وأنّ هناك رغبة دائمة للبنان بأفضل العلاقات مع دول الخليج، لكن هناك أموراً ذات صفات إقليمية، ولا يجب أن يكون النزاع الإقليمي دائماً على حساب الداخل الللبناني. وتشير مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي كان في جَوّ المبادرة الكويتية قبل إعلانها، الى أنّه يسعى في هذه المرحلة الى جمع اللبنانيين وأن يكون هناك حد أدنى من التضامن اللبناني – اللبناني، فرفع منسوب التوتر لا يفيد أحدا ولا حتى محبّي لبنان. وبالتالي إنّ الإجابة ستكون في هذا الإطار.
وسيكون الجواب أيضاً مسبوكاً بنحوٍ يوضح النقاط المعنية الحكومة بها والتي ستطبّقها بحذافيرها، بما فيها مكافحة تهريب الممنوعات وغيرها ممّا يُسيء الى الدول العربية، بحسب المصادر نفسها، فيما تتطلّب بنود أخرى، تتعلّق بالواقع الموجود، نظرة خاصة من محبّي لبنان، وتتطلّب نقاط أخرى فترةً زمنية لتحقيقها.
وترى المصادر إيّاها أنّ «مصلحة الجميع وليس لبنان فقط، هي في أفضل العلاقات، وأن التشدُّد لن يفيد، فحتى صندوق النقد يقول إنّ هناك تعاوناً إيجابياً من لبنان، فكيف بالأشقاء العرب الذين يهمّهم الاستقرار في لبنان وفتح صفحة جديدة تساعد جميع العرب على التلاحم الداخلي».