لم يكفِ ما اسفره الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا، وأتى على قسم من سوريا ليدمر مدنا عن بكرة ابيها، الى جانب الخسائر الفادحة في الأرواح التي تجاوزات 50 ألف قتيل، والهلع من حدوث هزات متتالية والتصدي لها، في حال وقعت في القلب الصناعي لتركيا، حيث شتّت التصويب على اوبئة قد تتفشّى جراء عوامل وأسباب مختلفة منها معدٍ وقاتل واشد فتكا من الكارثة.
بالتوازي، حذرت “الصحة العالمية” من ان عدد الذين تضرروا جراء الزلزال قد يتجاوز 23 مليونا، منهم 5 ملايين في وضع ضعيف، وأظهرت خشيتها من أزمة صحية كبرى قد تتعدّى أضرارها الخسائر المادية.
بالمقابل، نبّهت منظمات إنسانية من امتداد وباء الكوليرا، الذي في الأصل كان شائعا منذ ما قبل وقوع الزلزال، الى جانب امراض أخرى سيتم التطرق اليها بالتفصيل، الى جانب طرق الوقاية منها والإجراءات التي يجب التقيد بها.
في سياق متصل، فان الامراض ناتجة جراء تكدس النفايات، التي تزيد عن 170 مليون طن من مخلفات الأنقاض في 212 مبنى سكني. وبحسب التقديرات، فان نقلها يستوجب وقتا قد يتعدى الاربع سنوات.
وفي هذا الإطار، كشفت دراسة أعدها قسم الهندسة البيئية في معهد ازمير للتكنولوجيا (IYTE) تناول تقييم إدارة النفايات بعد الكوارث، لتكون اهم القضايا التي يجب تقييمها فيما يخص البيئة وإدارة النفايات الناجمة عن الزلازل.
الى جانب كل ما تقدم، الدكتور محمد كوجكر تطرق الى زمرة من الحقائق الرئيسة، مثل الغبار الموجود في الأنقاض، ويمكن ان يمتد عن طريق الهواء كمواد جسيمية يؤدي الى مشاكل عند استنشاقه. وحذّر “من ان هذه المادة قد تبقى في الهواء لأيام، والغبار قد يصيب الأشخاص على بعد اميال، او تلوث موارد المياه الجوفية والسطحية اثناء النقل والتخزين والتحميل”.
امراض تنتقل بسبب ازدحام التجمعات
عن كل ما تقدم، قال الطبيب هادي مراد لـ “الديار”، “ان ظهور الامراض التي من الممكن ان تنتشر بعد وقوع الزلازل والكوارث الطبيعية والاعاصير، يحتاج لفترة تتراوح ما بين الأربعة أيام والاربعة أسابيع بحسب الدراسات التي أجريت، وهي “ضيقّة” لجهة الأوبئة الاكثر انتشارا بين الضحايا او المصابين”. وتابع: ” مما لا شك فيه ان الاعاقات التي تحدث ناتجة جراء الجروح والاصابات المختلفة والمتفاوتة من كسور ورضوض”.
واشار الى ان “الأهم ان نتناول الاسقام التي تقع جراء انتقال الافواج والجماعات من مكان الى آخر، وبسبب الاحتكاك المفرط والاختلاط مع المياه الملوثة والاتربة ، التي قد ينتج منها تفشي للكوليرا والسالمونيلا الى جانب امراض تنفسية، التي بسببها قد ينشأ العديد من الأوبئة المعدية نتيجة الاعتلالات المتنقلة بسبب الفيروسات والبكتيريا”.
ولفت الى ان “هناك الداء المتعلق بالفطريات، ويعد من أكثر أنواع البكتيريا خطورة، وقد يتناقل بالعدوى بين الجموع، ويتسبب بمرض الالتهاب الرئوي، وانواعه: STRETOCOCCUS PREUMONIA الأكثر انتشارا، الميكوبلازما الرئوية والليجيونيلا الرئوية، وهذه الأنواع من البكتيريا تُسبب النزلات الصدرية الحادة على الصدر”.
وقال مراد ان “هناك أموراً نراها بعد الأوبئة تظهر بعيد الزلازل وتصنف بالخطرة مثل: مرض السل، وهو مرض رئوي خطير جدا وكناية عن بكتيريا حادة، ومن الممكن ان تؤدي الى ما يسمى بـ “السل النشط” ACTIVE TUBERCUTOSIS”.
وتابع: ” هذه الأنواع من الامراض التنفسية تتولّد من الكوارث الطبيعية، الى جانب امراض ناتجة جراء التهاب الجهاز الهضمي وتحدث بسبب المياه والطعام الملوثين، بالإضافة الى أنواع كثيرة لظهور البكتيريا التي تؤثر على الجهاز الهضمي “كالسالمونيلا والتشيغيلا والكوليرا”، لافتا الى ان استفحال الكوليرا هو في الاصل بسوريا والعراق وتركيا، وهذا ما يزيد التلوث بشكل أكبر، نتيجة اختلاط التربة بالمياه والملوثات، ويؤدي الى تفشي أكبر لأنواع من الامراض المختلفة، وزيادة على كل ما ذلك، هناك بكتيريا “الكوليرا”، وتسمى “هيليكوباكتر بيلوري” وتؤدي للإصابة بالحرقة والغثيان الدائم والاسهال”.
PARASITE “البرازيت”
“البرازيت” هو من الامراض الطفيلية، وهو كناية عن كائن حي يعيش على كائن آخر او داخله ويستفيد منه بالحصول على المغذيات. وهذا التعريف ينطبق على العديد من الميكروبات، بما في ذلك البكتيريا والفطريات والفيروسات. هنا، شرح مراد “البرازيت” بأنه “نوع من الديدان الطفيلية او WORMS والتي هي أكبر، وتتألف من مجموعة خلايا، ولها أعضاء داخلية تتكاثر بانقسام الخلية وتغزو الأمعاء، الى جانب الإصابة بالملاريا التي تنتقل في مجرى الدم”.
الفيروسات
الفيروسات ، يضيف مراد، قد تظهر في بؤرة وقوع الزلزال، وتسمى “الروتا فيروس” والتي ينتج منها الإسهال الحاد، الى جانب مرض “الهيباتايتسA و E ، او ما يعرف بالتهاب الكبد الذي يأتي عن طريق البرازK ويرتبط بعدم القدرة على الوصول الى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي”.
,ينتقل مراد للحديث عن امراض قد تظهر بشكل مفاجئ بعيد وقوع الكوارث الطبيعية K مثل “الملاريا” التي قد تتجلى بشكل مقلق، الى جانب بروز امراض جلدية خطيرة مثل “الكزاز التيتانوس” الذي ينتقل من شخص الى آخر، وسببه ناتج عن مادة سامة تخرجها عصية الكزاز اللاهوائية، وترتبط الجروح الملوثة بالأوبئة، والوفاة بسببه، خاصة في المناطق التي يعتبر معدل التغطية بالتحصين فيها ضئيلة”.
الوقاية ومقوماتها
وفي سياق سبل الوقاية من هكذا كوارث، تحدث مراد عن عدة نقاط يجب العمل بها، وهي:
– تأسيس أنظمة مراقبة شديدة ودقيقة ومناسبة، أي لمجرد وقوع هكذا امر من البديهي ان ينتج منه انتشار للأوبئة وامراض مستجدة، ومن هنا يجب تشغيل هذه الأنظمة مباشرة بعد الكارثة لمعاينة أنواع البكتيريا والفيروسات المتفشية والمتنقلة بين الضحايا او المصابين لإعادة عمليات التلقيح المناسبة.
– العزل: وهو مهم جدا لوضع حد لانتشار الطفيليات المعدية، وعندما نحدد نوع البكتيريا يسهل علينا عملية استيراد الادوية المناسبة ومضادات الالتهابات التي تعمل على هذه الأنواع من الفيروسات.
– الحد من انتشار الامراض الجرثومية في أماكن عمل اطقم الطوارئ والملاجئ الطارئة من خلال فصل المرضى، وبهذه الطريقة نؤمن الحماية الكاملة للجميع والتخفيف من الاكتظاظ داخل الغرف الطبية.
– تقسيم ملاجئ الطوارئ ما بين الذين تعرضوا للزلزال والطاقم الإداري.
– التحكم بالأوبئة الناتجة جراء الامراض التنفسية، وهذا يؤكد على وجوب إقامة العزل.
ويلفت الى “ضرورة التنبّه الى الامراض الحاصلة بسبب تلوث المياه الجوفية مثل الكوليرا وغيرها، وذلك بالمحافظة على مياه الصرف الصحي من خلال وضع خطة محكمة ومدروسة لحماية المصابين”. وينصح “بالتخفيف من اللمس والاحتكاك بالجلد والوجه والعيون، للتقليل من مسببات تناقل البكتيريا، وهذا يكون عن طريق أنظمة المراقبة”.
كما بنصح مراد “بوجوب تكثيف ورشات التدريب والتثقيف من خلال توعية الناس لجهة الفيروسات المنتشرة والامراض الواقعة، لأخذ التدابير اللازمة”.