الظروف القاسية للسجناء تزداد عسرا يوما تلو الآخر، والاضطراب والقلق جراء المعاناة التي يقاسونها في صورة أنواع أخرى من الحرمان والاضطرابات النفسية، ما يجعل الحياة بائسة ومتكدّرة ويضع النزلاء في دوامة من الجنون واليأس تزداد فيها حالتهم سوءا ساعة بساعة.
والسجين كما يطلق عليه النزيل، هو كل فرد حرم من حريته ضد ارادته، ويمكن ان يكون بسبب الحبس، الاسر او عن طريق ضبط النفس القسري، وهذا المصطلح ينطبق خصيصا على الموقوفين في محاكمة او يقضون عقوبة السجن.
بالموازاة، فالنزيل كما الحــبس في لبنان حالة شاذة وبعيدة عن الإنسانية، فالشخص الذي حكم عليه بالسجن لفرض السلوك الســليم عليه في محكمة، هيئة قضائية او لجنة تحقيق حكومية، بدلا من ان يُنهي محكوميته ويُصلح امره، يكاد ان يتحول الى شخص متمرد باعتباره، معتقل، محتجز، رهينة ومحروم من كافة حقوقه البديهية كإنسان قبل أي شيء آخر.
ومنذ متى تحول لبنان الى دولة بوليسية، او كان يختبئ تحت عباءة المبادئ والحقوق الإنسانية الفردية! بعد ان امست وضعية السجون مأساوية وكارثية تُجرد الانسان من انسانيته، وتحرمه من حقوقه المتمثلة بالغذاء السليم، الطبابة المناسبة الى جانب المتابعة النفسية. وماذا عن اللباس المناسب والمساحة الشخصية، والنظافة في المياه والمكان بما في ذلك المحاكمات المقيّدة.
بالتوازي، حدّدت الأمم المتحدة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر، وعدم التمييز بينهم على أساس العنصر او اللون، الجنس، اللغة او الدين. والاهم ان يؤمن لهم سبل الحصول على الخدمات الصحية المتاحة في البلد دون تفريق على الأساس القانوني.
الإطاحة بالمبادئ الإنسانية
وفي إطار المتابعة لمستجدات السجون، علمت «الديار» ان إدارة رومية اتخذت قرار بالغاء بعض الادوية التي تُوصف بإشراف الطبيب.
وفي هذا السياق افضى النزيل «م» لـ «الديار»، «ان هذه العقاقير دقيقة وحساسة للبعض خاصة لمن يعاني من بتر في اعضائه».
وأضاف، الأهم انها على نفقة السجناء وقد دخل الى المركز الطبي مبالغ ضخمة بهدف توفير علاجهم، ولكن تفاجأ النزلاء ان ادويتهم سيتم حظرها من دون سابق انذار او إعطاء توضيح وهذان العقاران هما «غابريكا» و «ليريكا».
وأكد النزيل «ع» في حديث لـ «الديار» ان المركز الطبي يحتوي على كميات كبيرة من الترياق. وتساءل، لماذا تم اخضاعنا لاستشارة الطبيب الذي تقاضى بدل المعاينة 4 ملايين ليرة عن كل نزيل سُددت من جيوب السجناء إذا كان لا حاجة في اخذ هذا الدواء!
وفي السياق، علمت «الديار» ان حوالي 185 سجينا من مبنى المحكومين، يتأهبون للتمرد على قرار إدارة السجن لأنه مجحف وظالم بحقهم وخاصة انه لا يجوز منع أي من هذين البلسمين دون العودة الى الطبيب.
لا حاجة للاستمرار فيه
مصدر أمنى أكد لـ «الديار»، «ان العلاج يتم تأمينه بشتى الطرق والوسائل المتاحة للنزلاء وهو اولوية لهم قبل عناصر قوى الامن وهذا يؤكد تمسكنا بالحقوق اتجاه هؤلاء. أضاف، « رغم كل العقبات تأمين الدواء أساسي لدينا ولا مجال للتنحي عنه لأي سبب. ولفت، أحيانا يحاول السجناء إعادة بيع ترياقهم لآخرين بسبب عدم الحاجة اليه».
وأكد المصدر، «ان إيقاف هذين الدواءين اتى بناء على استشارة الطبيب الذي وجد ان لا ضرورة بالاستمرار فيهما أي يمكن للمرضى من السجناء الاستغناء عنهما «.
تنبيهات طبية
لبلسم «غابريكا» و«ليريكا»
مصدر طبي فصّل لـ «الديار» محاذير توقيف هذا النوع من الادوية فقال: « هو علاج مضاد للصرع ونوبات «الكهرباء» ويطلق عليه أيضا مضاد الاختلاج، يساعد على التحكم في النوبات من حيث تقليل تكرارها.
وشدد المصدر، «على عدم جواز الغاء أي منهما دون استشارة طبية بمجرد تحسّن المريض، لان النّوبة قد تعود، كما انه يعمل عن طريق ابطاء النبضات في الدماغ التي تسبب حالة مرضية شديدة، ويساعد على منع تكون السيالات العصبية الناقلة للألم لذا يستخدم كمسكن للأوجاع العصبية وفي علاج العديد من الامراض منها:
الم الاعصاب، يرافقه إصابة في الحبل الشوكي، الم عضلي ليفي، الم عضلي تال الهربس، الاعتلال العصبي الناتج عن مرض السكري».
وعن الاثار الجانبية الشائعة لهذين الدواءين، شرح المصدر، «تتمثل بالدوار والنعاس، الشعور بالتعب، التورم وزيادة الوزن، الغثيان وجفاف الفم، عدم وضوح الرؤية، زيادة الشهية، الشعور بالابتهاج».
اما الاعراض الانسحابية، «فتبدأ بالصداع، النوبات، الغثيان، الدوار، الاسهال، التقيؤ، التهيّج، الارق، والكوابيس لذا في حال التداوي بواحد من هذين العقارين أي «الغابريكا» و»الليريكا» يجب عدم التوقف عن المتابعة بشكل مفاجئ بل تدريجي. والاهم تحت اشراف الطبيب والا سيؤدي الى اوجاع في الراس، صعوبة في النوم، القلق هذا عدا عن السبب الرئيسي الذي على أساسه يأخذ المريض هذا الترياق».
الوضع النفسي ليس أفضل
في سياق متصل، اعتبرت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس في حديث لـ «الديار»، «ان أوضاع السجون اللبنانية مزرية منذ ما قبل الضائقة الاقتصادية، وتضاعفت ليصبح الوضع مأساويا، فالسجين الى جانب سلبه حريته يصارع للبقاء على قيد الحياة داخل معتقل لا سجن، لان الظروف المحيطة صعبة جدا، وتتسبب بالعديد من المشاكل النفسية والمشاعر المختلطة، البائسة والغليظة التي يختبرها من قلق، اكتئاب وتوتر وصدمات نفسية».
اردفت، « هذه المقاساة تشكل عقبة وضيقا لهؤلاء لجهة التكيّف مع البيئة التي يعيشون فيها الى جانب الاحوال المادية المتعذرة والشديدة التي اثرت سلبا عليهم، وتفاقمت وطأتها. بحيث ان كل غرفة قدرتها الاستيعابية 10 او 15 نزيلا تحتوي على هذا العدد مضروب بـ 3 و4 و5 اضعاف، في ظل غياب الشروط الصحية وانعدام التهوية وفقدان المساحة الشخصية لكل سجين».
وكشفت غنوة من خلال متابعتها لأوضاع السجناء النفسية، « يصارعون لعدام تطبيق القوانين، كما ان الازمة أطاحت بكل امالهم كونها حدّت وقلّصت من إمكانية زيارة اهاليهم بسبب غلاء المحروقات، وهذا الامر طال المستلزمات التي كانوا يحصلون عليها عن طريق ذويهم وخفت بنسبة 90% وبعض الاحتياجات الضرورية بات من الصعب الوصول اليها اما بسبب فقدانها او مضاعفة سعرها»؟
وعن حرمانهم من الادوية والعلاجات الطبية، أوضحت غنوة، «عادة مهما كان العقاب قاسيا لا يتم المس بأدوية السجناء، او توقيف العلاج دون العودة الى طبيب السجن المعين من قبل الدولة كما لا يحق للعناصر او لآمِر السجن التدخل، وتساءلت غنوة، هل هذا التوقيف كان عن طريق الطبيب الذي وجد ان توقيف العلاج هو لخير النزيل؟
واستبعدت غنوة، «ان تكون إدارة السجن عمدت الى حرمان السجناء من اخذ ادويتهم كون هذا الاجراء يتم بحالتين: اما ان الدواء غير متوفر، او ان الطبيب رأى ان لا حاجة للمريض الاستمرار بالتداوي به».