قبل انتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية في نهاية ايار المقبل، اعلن وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي الشهر الماضي، أنّ كل التجهيزات الادارية لاجراء الانتخابات باتت حاضرة، وتمّ تأمين الاموال وفتح باب الترشيحات في الخامس من نيسان الجاري، وسط دهشة المواطنين الذين يعيشون اصعب الظروف والانهيارات التي تتوالى على البلاد بشكل يومي، وحينئذ وُصف المولوي من قبل اغلبية السياسيين واللبنانيين بـ» الفدائي» والمغامر الذي سيتولى مهمة شاقة جداً، لا تحمل في طياتها ما هو مطلوب لنجاحها، وجرى كلام في الخفاء بين معظم النواب والسياسيين، بأنه من الصعب جداً حصول تلك الانتخابات بحسب تاريخها المحدّد من قبل وزير الداخلية ما بين 7 و28 ايار، ونقل البعض عنه انه يعرف سلفاً انها لن تجري، ومع ذلك يريد إظهار نفسه وكأنه القادر على تنفيذ الاستحقاقات الصعبة لأسباب عديدة، وهم بدورهم كانوا يعلمون ما سيحدث في هذا الاطار، خصوصاً خلال جلسة اللجان المشتركة التي عقدت يوم امس، والتي ألغت فكرة الانتخابات على وقع الصراخ وتبادل الاتهامات كالعادة بين النواب والوزراء، تحت حجة ضرورة إيجاد المَخرج، فيما الحقيقة تؤكد انه اُعدّ مسبقاً ومنذ اشهر، بحسب مصادر نيابية شاركت في جلسة امس، واللافت كان غياب وزيري الداخلية والمال أي المعنيين بقوة بهذا الاستحقاق.
الى ذلك ووسط هذه « المسرحية « التي شارك فيها العدد الاكبر من النواب الرافضين إجراء ذلك الاستحقاق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة على خبايا ما حدث، أنّ العقبات معروفة وابرزها عدم تأمين الاعتمادات المالية، وكان من المفترض ان تتقدّم الحكومة من مجلس النواب بطلب فتح الاعتمادات اللازمة، لكن وما دام المال غير موجود، والاجواء السياسية لا تسمح بتقديم الترشيحات لانّ اقل ما يقال فيها انها كارثية، فكيف سيقدّم المرشح طلبه، فيما دوائر النفوس لا تستطيع ان تؤمّن له إخراج القيد او أي ورقة ثبوتية؟ واصفة ما دعا اليه وزير الداخلية بضرب الخيال، وكأنه يعيش على كوكب آخر، او اراد ان يظهر نفسه وزيراً فوق العادة، أي الوزير القادر على تحقيق المستحيل.
ولفتت المصادر ايضاً الى التداعيات السلبية الناتجة من إضراب موظفي الادارات العامة، فكيف سيحضرون في تواريخ إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية ولم يتم تأمين مطالبهم؟ وكم سيتقاضون عن حضورهم ما بين 7 و28 ايار الى المراكز؟ وهل وزارة المالية جاهزة لقبض رسوم الترشح؟ في ظل غياب موظفيها الذين يحضر بعضهم ليوم واحد، والبرنامج معطّل كالعادة، الامر الذي يجري في معظم الوزارات ومؤسسات الدولة؟ وحتى القرطاسية غير مؤمّنة بعد، والى ما هنالك من حاجات ضرورية، من دون ان ننسى كلفة المحروقات التي سيتكبّدها المواطن للانتقال الى قريته للمشاركة في هذا الاستحقاق، والكل يعرف ذلك، لكنه يصّر امام وسائل الاعلام على اطلاق مواقف مغايرة كلياً، واضعاً اللوم على غيره، فيما الجميع متفق في الكواليس.
وفي السياق، ووسط هذه الصورة المأسوية، برزت مواقف بعض النواب الذين نقلوا الحقيقة كما هي، ومن ضمنهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي أوضح « بأن غياب وزير الداخلية أعطانا الأجوبة التي كنّا ننتظرها، وسألنا السيدة فاتن يونس عن جهوزية الوزارة، فكان الجواب أن الوزارة حتى اليوم لا تملك أيّ مبلغ»، وهذا يعني ان الانتخابات البلدية صارت شبه مستحيلة، ومن ثم تقدّم باقتراح قانون معجّل مكرّر، يقضي بتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ نهاية شهر ايلول المقبل.
في غضون ذلك، نقل نائب شارك في الجلسة، بأنّ اكثر المتحمسين لعدم إجراء تلك الانتخابات هم «التيار الوطني الحر» والحزب «التقدمي الاشتراكي» وحركة « امل»، الذين يفضّلون عدم خوضها في هذه المرحلة، لانهم لا يتوقعون ايجابيات كثيرة في نتائجها في حال حصلت، من ضمنها خلافات عائلية على الترشح في مناطق مؤيدة لهم، والامر يتطلب مصالحات وضبط الانقسامات والخلافات بين عدد كبير من افراد تلك العائلات، وبصورة خاصة في صفوف «التيار» المنقسم بين الموالين والمعارضين لتوجهات القيادة برئاسة النائب جبران باسيل، لذا من الافضل ان يتم التمديد ولا يخوص «التيار» بكل تلك الإشكالات، خصوصاً في مناطق كسروان.