«نكسة» قضائيّة تواكب الإنهيار السياسي والإقتصادي… مخاوف من تداعيات خطيرة لنتائج التحقيقات الأوروبيّة

Share to:

الديار – ابراهيم ناصرالدين

لكي تكتمل مشهدية الانهيار السياسي والاقتصادي في البلاد، اضيف الى المشهد اهتزاز صورة القضاء، اذا لم يكن سقوطه، بعدما دخلت الوصاية الاوروبية من «الباب» العريض تحت عنوان مكافحة الفساد. لكن لا يبدو ان احدا من المسؤولين مهتم بما يجري، فمجلس النواب مشغول بعرض «مسرحية» البحث عن الرئيس العتيد. فيما التيار الوطني الحر ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومن خلفه رئيس مجلس النواب نبيه بري يخوضون معركة «العتمة» دون هوادة، تحت عنوان الصراع على الصلاحيات، فينشغل البلد كله في البحث عن «جنس ملائكة» انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، كشرط لإصدار المرسوم الذي يسمح بفتح اعتماد للسماح للبواخر الموجودة قبالة الشاطىء لتفريغ الفيول في معامل الكهرباء لزيادة التغذية، ام اصدار مراسيم جوالة يوقعها 24 وزيرا! والنتيجة واحدة عقم سياسي «وقصر نظر» مخيف، يكبّد اللبنانيين المزيد من الخسائر اليومية، فيما تنهار الدولة امام «اعين» ورعاية من الجميع.

وفي هذا السياق، جاء كلام وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري عن التعاون مع الوفود القضائية الاوروبية، ليفتح باب النقاش على مصراعيه حول استقلالية القضاء اللبناني، وكيفية حمايته من الوصاية الخارجية، فما قاله خوري بالامس، لم يكن كافيا ليطمئن، حيث رأت مصادر قانونية بارزة في كلامه، عن ان كلّ تعاون قضائي دولي يتمّ وفق القواعد القانونية لا يُعدّ تعدياً على السيادة اللبنانية، تبريرا لكشف البلاد امام الخارج ، لانه من غير الواضح كيفية تطبيق وعوده بمواجهة «كلّ خروج عن القواعد»!. فمن يحدد تلك القواعد؟ وكيف يمكن ضبطها؟ فاحالة طلبات المساعدات القضائية المقدّمة من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا إلى النيابة العام التمييزية، التي يعود لها تقرير الجهة القضائية الصالحة لتنفيذها وفقاً للقواعد القانونية النافذة في لبنان، لا يمنح لبنان هامشا واضحا لحماية سيادته، خصوصا انه سبق وصادق على وثيقة في الأمم المتحدة، وأصبح دولة ضمن أوّل معاهدة دولية لمكافحة الفساد! فكيف سيمنع القضاء اللبناني التحقيقات من الخروج عن مسارها؟ مع العلم ان مصادر «العدلية» تحمّل السلطات السياسية مسؤولية هذا التدخل الخارجي، لان التوقيع على اتفاقية مكافحة الفساد في العام 2008 كانت قرارا سياسيا لا قضائيا!.

وبعيدا عن تقاذف المسؤوليات، تبقى الاشكالية في كيفية تدخل القضاء الأوروبي في التحقيق في ملفات، ومنها بعض الدعاوى العالقة أمام القضاء اللبناني، ما يخلق تضاربا في الصلاحيات بين الطرفين..ويبقى السؤال الاساسي مرتبط بالحدود التي يمكن ان تقف عندها التحقيقات الاوروبية التي اربكت المراجع القضائية اللبنانية، خصوصا ان هذا التدخل يعد الاول من نوعه، ويشكل سابقة سيبنى عليها في المستقبل الكثير من النتائج، خصوصا ان الاوروبيين يتعاملون بدونية مع الجانب اللبناني، فهم يعتبرون القضاء اللبناني مسيسا وليس قادرا على القيام بمهامه، ولهذا جاؤوا للقيام بما كان يجب ان يقوم به منذ سنوات.

ومن هنا، تعتبر تلك الاوساط ان ما يحصل اليوم بمثابة «المسمار» الاخير في «نعش» القضاء اللبناني، الذي يرضخ الآن لرغبة القضاء الأوروبي، وسيضع بين يديه كل المستندات الموجودة لديه دون اي تحفظات.

ووفقا للمعلومات، لن تكون هذه الجولة من التحقيقات الاخيرة، قد يضاف أسماء جديدة، لكن المفارقة تبقى ان القضاة الأوروبيين لا يمكنهم اتخاذ إجراءات بحق الأشخاص المستجوبين، كالادعاء عليهم وتوقيفهم على الاراضي اللبنانية، لكن اذا توفرت أدلة ومعطيات حول جرم تبييض الأموال يمكن فرض إجراءات في أوروبا، ولن يصبح لبنان معنياً بهذه القرارات، الا اذا صدرت مذكرات توقيف غيابية وجرى تعميمها عبر الإنتربول الدولي. فهل سيلتزم لبنان بتنفيذ تلك المذكرات؟ واذا لم يلتزم، هل ستتخذ تدابير عقابية بحقه؟ وهنا مكمن الخطورة، فالقضاء اللبناني والقوى الامنية ومعها القوى السياسية، وضعت نفسها بين «سندان» الالتزام بالقرارات القضائية الدولية مع ما يعنيه من خضات داخلية، و»مطرقة» القانون الدولي الذي يمكن استخدامها لوضع البلاد امام «منعطف خطير»!

وفي هذا الاطار، حصل اتفاق مبدئي مع القضاء اللبناني على خطة ستعتمد في مرحلة التحقيق الأولى، البدء بالتحقيق من الملفات المالية المتعلقة بمدراء المصارف، وهم 14 شخصية مصرفية مطلوب الاستماع اليها كشهود، وسيتم التحقيق مع شخصية واحدة بصفتها متهمة. لكن قد يطلب أي فريق قضائي استدعاء اي شخصية جديدة يتبين انها متورطة في ملفات فساد ، في ضوء اي معطيات قد تتوفر خلال جلسات التحقيق التي ستشمل ايضا ملف تفجير المرفأ، حيث ينتظر وصول وفد قضائي فرنسي إلى بيروت في 23 الجاري، للاطلاع على تطورات التحقيق، والوفد سيكون برئاسة قاضي تحقيق فرنسي، وسيعمل على الاستفسارعن معلومات طلبها القضاء الفرنسي حول الجريمة، ولم يحصل على أجوبة بشأنها في 23 كانون الثاني، على أن يلتقي في اليوم التالي المحامي العام التمييزي القاضي صبوح سليمان الذي يتابع ملف المرفأ من جانب النيابة العامة. مع العلم ان الوفد قد يلتقي ايضا القاضي طارق البيطار. فهل ما يحصل مقدمة لتدويل ملف تفجير المرفأ؟ وهل يمكن وقف هذا التدخل الدولي عند حدود السيادة اللبنانية؟ ومن يحدد مفهوم تلك السيادة؟ اسئلة ستبقى مفتوحة على مصراعيها، لكن المؤشرات تبدو سلبية للغاية.

Exit mobile version