وصفت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت، المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عبر قناة «العالم» الإيرانية، بأنها أقرب إلى «عبواتٍ» زرعها في مسار محاولة احتواء الأزمة الكبرى بعلاقات لبنان مع الخليج العربي وفق بنود المبادرة الكويتية، وفي ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، في موازاة البُعد الجديد الذي عبّرتْ عنه الاتهاماتُ الخطيرة للجيش اللبناني و«أمْركة» المؤسسة العسكرية والتمليح لتأثير ضباط أميركيين في قرارات قيادتها «وهذا أمر يحتاج للمعالجة».
ورأت هذه الأوساط عبر “الراي الكويتية” أن نصرالله، برفْضه الورقة الكويتية، واصفاً إياها بأنها «إملاءات»، عمّق الأزمة مع دول الخليج التي ينتظر لبنان «الخطوةَ التالية» التي ستقوم بها رداً على جواب بيروت على المبادرة التي كان حَملَها اليها وزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر وتمحورت حول تدخلات «حزب الله» في شؤون بلدان مجلس التعاون وسلاحه وتحويله بلاد الأرز «منصة عدوان لفظي وفعلي» عليها.
ورغم أن الأمين العام اعتبر «أننا لسنا معنيين بالردّ» على الورقة الكويتية «فلسنا الجهة التي أُرسلت إليها»، إلا أنه وفي معرض تفضيله لو أنها قُدمت على أساس أنها مسودّة تمت بناء عليها الدعوة لحوار لبناني – خليجي أو لبناني – عربي حول المطالب الواردة فيها «وإذا أرادتْ الدولة اللبنانية ان نكون جزءاً من الحوار فهذا قابل للنقاش»، قام بتفنيد مضمونها ورفْضه.
وإذ لم يتوانَ في موضوع «العدوان اللفظي» عن سؤال «ماذا عن الأذى الذي يحلّ بالشعب اللبناني ومسؤولي الدولة من رئيس الجمهورية ونزولاً من وسائل إعلام وجيوش إلكترونية»؟ قال في ما خص بند القرارات الدولية في الورقة الكويتية وتحديداً الـ 1559: «إذا جلستُ مع العرب أقول لهم، طيب… لبنان في دائرة الخطر والتهديد الإسرائيلي، ما بديلكم لحماية بلدنا؟ ولكن لا منطق لديهم ولا بدائل.
والمسألة هي في سياق أن الحرب العسكرية على المقاومة لم تؤد لنتيجة والضغط السياسي لم يوصل لمكان، فذهبوا للموضوع الاقتصادي والمعيشي، أي أن نحمّل حزب الله المسؤولية، ونقول للبنانيين تريدون أن تأكلوا خبزاً، عليكم ان تسلّموا سلاح المقاومة، والورقة تأتي في هذا الإطار».
ولم يقل دلالةً هجوم نصرالله على النفوذ الأميركي في الجيش اللبناني وإعلانه «لا توجد قواعد عسكرية أميركية في لبنان، لكن لديهم حضور في المؤسسة العسكرية وهناك ضباط أميركيون في اليرزة والسفيرة الأميركية لا تتعزّل من هناك ولازقة بالجيش»، لافتاً إلى أن«السفارة الأميركية هي أداة للاستخبارات المركزية ومبنى السفارة الجديد هو مركز للتّجسس على دول عدّة في منطقة الشرق الأوسط»، ومتهماً السفيرة دوروثي شيا بأنها «تتدخّل بالانتخابات النيابية».
وفي حين مرّ «التشكيكُ» بالمؤسسة العسكرية من دون ضجيج سياسي، رغم ما يؤشر إليه من فتْح «معركة» سياسية غير مسبوقة، فإن نصرالله ومن خلف تأكيده أن حزبه لا يتدخّل في ملف الترسيم البحري مع اسرائيل «الذي هو في عهدة الدولة»، رسم «خطاً أحمر» حول هذه المفاوضات التي عادت الى الواجهة مع زيارة كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين لبيروت التي أنهاها أمس.
وشكّل الكلام الحازم لنصرالله بأن «أي شبهة تطبيع مع إسرائيل» في موضوع ترسيم الحدود البحرية «نحن ضده وهذا الموقف نعلنه من الآن»، ما يشبه «رسم حدود» للبنان الرسمي حيال الطروحات التي حَمَلَها هوكشتاين الذي التقى أمس، الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم.
ورأت دوائر مراقبة أن الأمين العام، قطع الطريق باكراً أمام أي سيرٍ باقتراحٍ تردَّد أن هوكشتاين حمله، على قاعدة القفز فوق الترسيم نحو تقاسُم الموارد تحت البحر عبر الاستثمار المشترك لبعض الحقول في المنطقة المتنازَع عليها (وفق الخط 23 بمساحة 860 كيلومتراً مربّعاً) من خلال تكليف شركات للإنتاج وتقسيم العوائد، وهو ما يتحفّظ عنه ايضاً بري، الذي يرفض في الوقت نفسه أي حلول على قاعدة «خط هوف» أو الخط الأبيض البحري الذي يقوم على تقسيم منطقة الـ 860 كيلومتراً (تقع غالبية البلوك رقم 9 اللبناني فيها) وفق حصة 500 كيلومتر للبنان و360 لاسرائيل، ناهيك عن عدم ارتياحه للرسالة التي وُجّهت بإيعاز من عون إلى مجلس الأمن وأبقت على «ورقة» الخط 29 للتفاوض على أساسه وبما يضع حقل كاريش الاسرائيلي في قلب رقعة نزاع موسّعة بمساحة نحو 1400 كلم مربع إضافية.
وفي حين أبلغ عون إلى هوكشتاين، أنه سيتم درس الاقتراحات التي قدّمها «انطلاقا من إرادة الوصول الى حلول لهذه الملف، وسيستمر التواصل مع الجانب الأميركي تحقيقاً لهذه الغاية»، ومع التشديد على «استعداد لبنان للبحث في النقاط التي طرحها والتي سيتم استكمالها لاحقاً»، فإن الدوائر استوقفها كلام هوكشتاين بُعَيد وصوله إلى لبنان وفي معرض تأكيده «انّ هناك فرصة اليوم وقلّصنا الثغر في شأن موضوع ترسيم الحدود البحرية ويمكننا التوصل إلى اتفاق»، عن أن هذا أمر يقرره لبنان واسرائيل، ملمحاً «إذا أرادا الاستمرار بالمفاوضات فليس بالضرورة أن تبقى الولايات المتحدة جزءاً منها».
وفيما بدا هذا الكلامُ الذي حَمَلَ تلويحاً بوقف واشنطن دور الوسيط بمثابة محاولة لرفع مستوى الضغط على قاعدة «أولوية التوصل لاتفاق الآن»، فإن الدوائرَ اعتبرت في الإطار نفسه أن من الصعوبة بمكان الفصل بين الترسيم و«شروطه» وبين ملف استجرار لبنان الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سورية والذي حضر في محادثات هوكشتاين مع عون، وسط انطباعٍ بأن تطوير الموافقة الأميركية بـ «الأحرف الأولى» على إعفاء الدول المعنية بهذا الملف من “قانون قيصر» بات متداخلاً ولو ضمنياً مع قضية الحدود البحرية.
وكان لافتاً أن السفارة الأميركية غرّدت في أعقاب لقاء هوكشتاين والعماد جوزف عون: «حيث هناك إرادة هناك وسيلة… إن اتفاق على الحدود البحرية يمكنه أن يخلق فرصة تشتدّ الحاجة إليها لتحقيق الازدهار لمستقبل لبنان.
لقاء مثمر اليوم بين كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي وقائد الجيش اللبناني».