في لبنان توجد ثلاثة سجون رئيسية هي، رومية وسجنا زحلة وطرابلس، 22 منها كناية عن مراكز توقيف احترازي، تجمع حوالي 8500 سجين، يشكو معظمهم تأجيل المحاكمات القضائية.
بالموازاة، يتذرّع المسؤولون فقدان الاليات المخصصة لنقل السجناء بسبب ازمة المحروقات، وتأجيل الجلسات في كل مرة يتعين فيها اصدار الحكم بحقهم. أضف الى كل ما تقدم، الإهمال الطبي في ظل غياب الأطباء المتعاقدين مع الدولة الامر الذي أدى الى وفاة 10 سجناء داخل رومية لعدم نقلهم الى المستشفى للمعالجة كانت “الديار” حصلت على أسمائهم.
اشبه بمقبرة
في سجن رومية الذي يقع في شمال شرق بيروت تظهر كارثة إنسانية من خلف قضبان أكبر سجون لبنان وأكثرها مأساوية، حيث النوافذ الحديدية الشاهقة والجدران الاسمنتية السميكة وكل ما يمكن رؤيته ملابس النزلاء المتدلية من النوافذ!
في سياق متصل، سجن رومية ويضم 3700 سجين في حين ان قدرته الاستيعابية تبلغ 1500، والانكى ان هؤلاء جميعهم غير محكومين، والبعض الاخر انتهت محكوميته الا انه لا يملك المال لدفع الغرامات المترتبة، ناهيكم عن الامراض والتلوث في المياه وامراض مثل السل والكوليرا وغياب أدوات التعقيم والتنظيف بما فيها الازمات الصحية والغذائية بحسب شهادة النزيل “م” لـ “الديار” والذي قال: ” نتعرض للعنف النفسي والمعنوي جراء السلوك الذي نتلقاه ونعامل بدونيّة وكل ما أقوله لا يعكس مقدار الحرمان من ابسط حقوقنا”.
ويشرح عن الوضع الغذائي في رومية فيقول، “يوجد 3 طبقات في هذا المكان يتم توزيع الاكل لمرة واحدة لكل طابق على ان تحصل الطوابق الأخرى على طعامها في الأيام المتتالية، الى جانب نوعيته التي لا تصلح للبهائم، وإذا أردنا ان نشتري من حانوت السجن فالأسعار ضعفي سعرها الحقيقي”.
وعن الوضع الطبي، فيصفه “م” بالكارثي، “نعاني من ندرة الأطباء بسبب عدم تعاقدهم مع قوى الامن الداخلي، والطبيب يأتي مرة واحدة في الشهر ولا يجدد الوصفة الطبية عند الحاجة، ويُطلب منا تأمين الأدوات الطبية على نفقتنا الخاصة مثل “البنج” وغيره، أضف الى ان التطبيب كان قبل الازمة وبعدها على نفقة السجين وهناك سجناء قضوا داخل رومية”.
المحاكمات
شكى “م” من بطء المحاكمات القضائية والتي قد تمتد الى ما شاء الله، وقد يموت النزيل قبل ان يحاكم أو تنتهي محكوميته قبل ان يصدر حكم قضائي، ويشير الى 4 سجناء قدماء يحتاجون لإجراء عمليات جراحية كالقلب المفتوح وغسيل الكلى ويصف وضعهم الصحي بالحرج ويجب ان ينظر بحالتهم قبل فوات الأوان”.
وزير الداخلية اقر بجحيم الكارثة
بالتوازي، كان وزير الداخلية بسام المولوي اعترف ان السجون تعاني من أزمات ثلاث وهي: الاكتظاظ، الغذاء والطبابة، وقال: “ان نحو 79% من النزلاء غير محكومين، و43% من غير اللبنانيين، وقدم اقتراح قانون لمجلس النواب يهدف الى تخفيض السنة السجنية من 9 الى 6 أشهر على ان تشمل كل الجرائم لمرة واحدة فقط”.
واتهم “م” وزير الداخلية بإغلاق هاتفه مرات عدة بوجهه، بينما كان يحاول نقل مشكلته اليه كونه المسؤول المباشر”.
في سياق متصل، تبكي والدة السجين “م. ص” المحكوم مؤبد في سجن رومية بقضية اتهم فيها زوراً حسب وصفها، وتشرح لـ “الديار” الوضع الغذائي والصحي وتصفهما بالسيء. الى جانب التلوث وغياب المعقمات وتفشي حالات الجرب داخل السجن. وتشكو من غياب أدنى حقوق النزلاء البديهية وهي ماء صالحة للشرب، وبعض العدل معهم حيث يوجد آخرون كأنهم يعيشون في فندق 5 نجوم وتُلبى كافة طلباتهم”.
لا حل من دون سلطة قضائية مستقلة
وفي السياق، يفصح رئيس جمعية نسروتو-اخوية – السجون في لبنان الاب مروان غانم لـ “الديار”، ” ان وضع السجناء في رومية مزري جدا لجهة الطبابة والغذاء والدواء وعدم تمكن النزلاء من الدخول الى المستشفيات بسبب غياب عقود الأخيرة مع قوى الامن الداخلي، والدولة لا تتمكن من دفع المبالغ عن المساجين وهذا يدفع بالفئة المقتدرة لتتعالج على نفقة ذويها ومن لا يملك اهله المال “راحِتْ عليه” “.
ويردف، ” الشق النفسي والمعنوي للسجناء مدمّر، فالوضع المعيشي السيء طالهم واذاهم بشكل شديد. وغذائياً، يحتاجون الى التغذية وهي مفقودة وغير متوفرة بشكل شبه كلي”.
وعن كيفية تحسين وضع السجناء صرح الاب غانم، “انه لا حل للسجون من دون سلطة قضائية مستقلة وإعطاء القضاة حقهم ليتمكنوا من العمل في محاكمهم الى جانب تسريع المحاكمات. وتطرق الى آليات السوق المخصصة لنقل المساجين والتي معظمها معطّل وهو ما يعيق نقلهم الى المحاكم، وشدد على ضرورة إيجاد حل لتخفيف الاكتظاظ”.
ولفت، “الى انه لا يوجد قضاة ومحاكم لمتابعة مواضيع الاحكام، مشيرا الى ان بعضهم يصدر احكاما عالية وهو ما يعمّق الكارثة داخل السجن نظرا للوضع الاجتماعي والمعيشي الذي يتكبدونه”.
وعن المحكومين مؤبد قال، “يجب توفير اهتمام أكبر لهؤلاء كون لا امل بخروجهم في وقت منظور، مؤكدا تفشي التلوث في السجن بسبب مشكلة في “فلاتر” المياه”.
ولمّح الى وفاة بعض السجناء بالقول، ” المأساة مرتبطة بغياب الأطباء المتعاقدين لعدم تمكن الدولة من دفع مستحقاتهم المادية”.
الدولة تتجاوز القانون
تستند الحقوقية والخبيرة في القوانين الجزائية ساميا المولى الى المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتقول لـ “الديار”، ” باستثناء حالة المحكوم سابقا بجرم مدّتُه سنة على الأقل لا يجوز ان تتجاوز مدة التوقيف في الجنحة شهرين على ان تمدد مرة مماثلة كحد اقصى في حالة الضرورة القصوى”.
وتفصّل، “بعيدا عن الجرائم ذات الصلة بالمخدرات والجنايات التي تتعلق بالخطر الشامل وجرائم الإرهاب ووضع الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة جنائية، لا يسمح ان تتجاوز مدة التوقيف في الجناية 6 أشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلّل”.
وتشير المولى الى، “ان النظام القضائي اللبناني في ظل الأوضاع الاستثنائية عاجز عن تلبية الحقوق الدستورية للمحاكمة العادلة. والمسؤولية تقع على عاتق الحكومة كونها السلطة التنفيذية وتصادر قرار السلطة القضائية وهو ما يحول دون استقلاليتها”.
والمشكلة الأكبر بحسب المولى، “لا يوجد سوق للموقوفين الامر الذي يؤدي الى تأجيل الجلسات لأكثر من 4 مرات، الى جانب إشكاليات أخرى منها سفر القاضي، او عدم مجيئه الى المحكمة. وعليه فبدلا من ان تكون مدة التوقيف شهرين او أربعة بالجنحة، يتم تجاوز هذه المدة لعدم انعقاد الجلسة”.
وتختم المولى بالتنويه، “يوجد اجراء لا بد منه وهو ان الملف بعد انتهاء الاستجواب يجب ان يُنقل الى النيابة لإبداء مطالعتها فيه، ومن ثم إعادته الى القاضي لإطلاق القرار الظنّي. وما يحدث على الأرض هو ان الملف عندما يحوّل الى النيابة العامة، بدلا من ان يستغرق أسبوعاً او 10 أيام بالحد الأقصى ليعود الى قاضي التحقيق، يمضي وقتا أطول ليبقى مع القاضي المنوط بالقضية لأشهر حتى حين إصدار القرار الظني وهذا ما يطيل مدة التوقيف، وتشير الى، “ان قضاة التحقيق يتراخون في اصدار قرارهم الظنّي الذي على أساسه يتم تحويل الملف على انه اما جناية او جنحة”.