اللواء – العميد الركن نزار عبد القادر
يبدو أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قد اراد هذه المرة ان يتعلم من الاخطاء التي ارتكبها عام 2015 في خطابه امام الكونغرس الاميركي، عندما انحاز الى الجانب الجمهوري، وتوجه بعبارات لاذعة مفتقداً سياسات الرئيس باراك اوباما وطريقة تعاطيه مع الملف النووي الايراني، وقراره بتوقيع اتفاقية فيينا، التي ادت اليها المفاوضات بين ايران والقوى الدولية (1+5) وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ظهر بوضوح قبل مغادرة نتنياهو الى واشنطن بأنه قد قرر العمل وفق المثل القائل «اعقل وتوكل» حيث اعلن بأن اسرائيل ستبقى «حليف الولايات المتحدة الاقوى في الشرق الاوسط»، من دون النظر الى من سيكون المرشح الفائز في الانتخابات الاميركية التي ستجرى في تشرين ثاني المقبل. لكن يبقى من المتوقع ان يحتم على اجواء واشنطن السياسية التبدل القوي للمناخ السياسي العام الذي احدثه قرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب من السباق الرئاسي لاعادة انتخابه لرئاسة ثانية.
واللافت ان نتنياهو الذي سيلتقي بايدن في المكتب البيضاوي قبل خطابه امام الكونغرس قد صرح قبل ركوبه الطائرة يوم الاثنين الماضي بأنه سيستفيد من هذا اللقاء ليشكر الرئيس بايدن على كل ما فعله لاسرائيل عبر كامل مساره السياسي، بالاضافة الى بحث مسألة تحرير الاسرى لدى حماس وتحقيق انتصار شامل ضد حماس، ومواجهة ايران واذرعتها المسلحة المنتشرة في عدة دول في المنطقة، وعلى رأسها لبنان والعراق وسوريا واليمن. وسيتوجه نتنياهو بخطابه الى الكونغرس اليوم الاربعاء، حيث وعد بالتوجه «الى اصدقائي في الحزبين»، بأن «اسرائيل ستبقى الحليف الاقوى للولايات المتحدة في المنطقة».
وتؤكد تصريحات نتنياهو بأنه يوجه رسالة قوية الى اعداء اسرائيل بأهمية الدعم الذي تتلقاه تل ابيب من حلفائها في واشنطن وخصوصاً بعد تأمين وحدة الموقف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الصلب والمتواصل لاسرائيل.
كان على نتنياهو ان يتذكر جيداً بأنه لم ينفرد الحزب الجمهوري بدعوته بواسطة رئيس مجلس النواب مايك جونسون، بل هي ترافقت مع دعوة زعيم الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، واستبق الزيارة الصحافي طوماس فريدمان في مقال في نيويورك تايمز ليذكر نتنياهو ويحذره من استعمال هذه الزيارة لتكرار الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها عندما دعي عام 2015 لإلقاء خطابه «المهين» بحق الرئاسة الاميركية، والذي هدف منه نتنياهو الى شق فجوة كبيرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لقد بلغت وقاحة نتنياهو الى حد مطالبة الكونغرس بالعمل جدياً لافشال جهود الرئيس اوباما لتوقيع الاتفاق النووي مع ايران.
ويتخوف بعض المعلقين الاميركيين من قيام نتنياهو بمفاجأة جديدة في واشنطن، على غرار «الفيديو» الذي اذاعه الشهر الماضي متهماً الرئيس بايدن بوضع عراقيل لمنع وصول شحنات الاسلحة الاميركية الى اسرائيل بالسرعة اللازمة، مع كل ما يتسبب به ذلك من تراجع في العمليات الاسرائيلية في غزة وفي جنوب لبنان.
لكن يبقى العنصر الضاغط على نتنياهو بأن الدعوة هذه المرة الى الكونغرس هي موجهة من الحزبين على حد سواء، وليست كالمرة السابقة عام 2015 حيث كان يسيطر الجمهوريون على المجلسين.
وتفيد المعلومات من واشنطن بأن السيناتور تشاك شومر كان قد تشاور مع البيت الابيض قبل توجيه دعوته.
وان ما يؤكد هذه المعلومات قرار الرئيس بايدن بلقاء نتنياهو في البيت الابيض قبل خطابه في الكونغرس.
يدرك نتنياهو ايضاً بأنه ما زال عليه ولبضعة اشهر مقبلة التعامل مع بايدن ومع الادارة الديمقراطية سواء في موضوع الرهائن، او مواجهة ايران وحلفائها في المنطقة او لجهة طلب المزيد من المساعدات العسكرية والاستخباراتية.
من هنا يبدو من الطبيعي ان لا يقوم رئيس الوزراء الاسرائيلي بإبداء أي ملاحظات عدائية او منتقدة لمواقف الادارة الاميركية. ومن الممكن ان تتسبب اي خطوة من هذا القبيل بأضرار بالغة لمستقبل نتنياهو السياسي او لاسرائيل ومجهودها الحربي، لا بل يرى العديد من المراقبين بأن دعم بايدن لحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حماس واذرعة ايران الاخرى، يفرض على نتنياهو ان يعبر عن كامل ثقته وامتنانه للادارة على ما لقيه من دعم غير مشروط طيلة فتر عشرة اشهر.
من المؤكد ان المحادثات في البيت الابيض ستُظهر بأن هناك فجوة كبيرة بين رؤية الرئيس بايدن ونتنياهو حول مستقبل غزة. والسؤال المطروح هل ينقل نتنياهو هذا الاختلاف للمشرعين في خطابه امام الكونغرس؟.
في رأينا اذا فعل نتنياهو ذلك فإنه يكون قد ارتكب خطأً جسيماً وضاراً بمصلحة اسرائيل، وذلك انطلاقاً من دفع عدد من القادة الديمقراطيين للابتعاد عن اسرائيل وتخفيف دعمهم لها. وفي هذا السياق فإن على نتنياهو ان يتذكر ويدرك حجم وقوة المظاهرات والتحركات الجامعية التي اظهرت ادانتها لاسرائيل، ومخالفتها لقوانين الحرب في عملياتها العسكرية في غزة.
وتدعو وسائل اعلام اميركية نتنياهو لعدم ارتكاب اية حماقة من خلال الحديث عن اية اختلافات في الرؤية حول مسار الحرب او حول مستقبل غزة مع الرئيس بايدن في واشنطن او في اسرائيل.
لن يكون من الحكمة ان ينقل نتنياهو اي خلاف مع البيت الابيض الى منبر الكونغرس، لان ذلك سيؤدي حتماً الى موقف عدائي من الديمقراطيين، في ظل احتدام المواجهة الانتخابية بين ترامب ومن يختاره الحزب لإكمال العملية الانتخابية بعد تنحِّي بايدن عن السباق. وهنا لا يمكن ضبط وقاحة نتنياهو.
في المحصلة لا بد من استعجال طرح السؤال: ماذا يريد نتنياهو ان يحققه من زيارته لواشنطن وخطابه في الكونغرس؟ وهل يمكن ان تعجّل هذه الزيارة في التوصل لحل في غزة؟
في رأينا يسعى نتنياهو للتأكيد لخصومه وللمعارضة الاسرائيلية بأن سياساته وطريقة ادارته للحرب ولملف الاسرى لم تتسبب بتدهور علاقاته مع واشنطن. كما سيحاول ان يثبت لخصومه المحليين بأن علاقاته مع البيت الابيض ومع اركان ادارته ما زالت قوية، ويمكن التعويل عليها للحصول على الدعم السياسي والمساعدات العسكرية اللازمة لتحقيق الانتصار الذي يسعى اليه.
وسيبذل نتنياهو اقصى جهوده مع الكونغرس للحصول على دعم واضح من الحزبين، وأن يبني على هذا الدعم السياسي آماله للحصول في مرحلة لاحقة، على اعلى قدر من المساعدات المالية والاقتصادية من اجل سدّ العجز الحاصل في الموازنة، والتعويض عن الخسائر الاقتصادية التي تسببت بها هذه الحرب الطويلة في مختلف القطاعات الانتاجية الاسرائيلية.
وسيبذل نتنياهو جهوده الحثيثة لنقل اهتمامات الادارة الاميركية والكونغرس من الحرب على غزة، الى مستوى التهديد الاقليمي الذي تمثله ايران واذرعتها العسكرية، وسيؤكد بأن المخاطر الفعلية ضد دولة اسرائيل تتمثل بالاهداف والطموحات الايرانية للسيطرة على المنطقة. وستكون الزيارة مناسبة لحث واشنطن على دعم اسرائيل في مواجهة حزب الله، اذا ما قررت تل ابيب توجيه معركتها الفعلية من غزة الى جنوب لبنان.