حدثان قد يزيدا الأمور تعقيداً في لبنان، حصلا في أسبوع واحد مع بدء الشغور في رئاسة الجمهورية.
الأول، الحضور اللبناني القاصر في قمة الجزائر، والذي قابله اهتمام عربي فاتر بأزمات الشقيق الأصغر، بلغ حد التجاهل لأسباب الإنهيارات اللبنانية، وسبل دعم السلطة اللبنانية لمساعدتها في تلمّس طريق الخروج من النفق الحالي.
الثاني، فوز تكتل المتطرفين في الإنتخابات الإسرائيلية بقيادة رجل الليكود بنيامين نتانياهو الحاقد على كل ما له علاقة بالفلسطينيين والعرب والمسلمين، والمعارض بشراسة لاتفـاق الترسيم البحري مع لبنان، والرافض الدائم لمشروع الدولتين كحل نهائي للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة.
بخلاف الأصوات المحرضة ضد العرب، التي صدرت من هنا وهناك في بيروت، لا يحق للبنانيين أن ينتقدوا اللامبالاة العربية، ولا حتى أن يعتبوا على أي تقصير من الأشقاء العرب، الذين لطالما وقفوا إلى جانب لبنان في الأزمات والحروب والملمات، وقدموا الدعم والمساعدات بسخاء وبلا حدود، للمساهمة في بلسمة الجراح اللبنانية، ومساندة وقوف وطن الأرز في وجه الإعتداءات الإسرائيلية.
فماذا كانت النتيجة؟
لقد ذهبت معظم المساعدات المليارية إلى جيوب السياسيين والمتنفذين في السلطة، وما تم تنفيذه من مشاريع تبين أن الفساد حال دون الاستفادة منها، سواء بالنسبة للسدود أو المستشفيات، أو حتى بعض المجمعات المدرسية والتربوية.
وكشفت الإنهيارات المالية الأخيرة أن إفلاس الدولة يقابله غنى فاحش، وتراكم للثروات في حسابات العديد من الزعماء، وأن رجال السياسة الأغنياء، والذين استغلوا مراكزهم في الحكم ليضاعفوا ثرواتهم، لم يرف لهم جفن وهم يشاهدوا مآسي شعبهم وأهلهم المعيشية، ولم يتجرأوا على صرف الفُتات من ثرواتهم، للحد من هجرات الموت في البحر، أو إسعاف مريض، أو تأمين قسط لتلميذ مهدد بالتسرّب إلى الشارع.
أما مسألة وصول نتانياهو إلى السلطة فتحمل كل معاني التحدي للإدارة الأميركية الديموقراطية، وللرئيس جو بايدن شخصياً، الذي تضاعفت هواجسه عشية الإنتخابات النصفية الأميركية، نظراً للعداوة الشخصية بينهما، والتي تعود في أبرز أسبابها إلى العلاقة التحالفية والحميمة التي تربط نتانياهو بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. والتحدي الذي سيواجه رئيس الحكومة الإسرائيلية المخضرم هو كيف سيعارض إتفاق الترسيم مع لبنان، بعدما أصبح وثيقة معتمدة في واشنطن، ولدى الأمم المتحدة، وذلك بضمانة أميركية صريحة.
تُرى هل سيبلع نتانياهو معارضته للترسيم مع لبنان، على طريقة: أورشليم من فوق غير أورشليم من تحت؟!!