إستَعرت شروط صندوق النقد الدولي، وبدأت نار القوانين والإصلاحات التي طلبها تلسَع الحكومة وتتمدّد الى المجلس النيابي الذي يستعد غالبية اعضائه لخوض الانتخابات ولا يرى مصلحة له على ابوابها في إقرار أيّ منها، لكن الحكومة والتزاماً منها للوعد الذي قطعته لوفد الصندوق بالعمل سريعاً على إقرار الشروط المسبقة، بَدا أنها تستعجل «رَمي» مشاريع القوانين الى مجلس النواب كيفما أتت مُتّكلة عليه لتحمّل المسؤوليات المتبقية إزاء هذه المشاريع.
فقد أقرّ مجلس الوزراء أمس مشروع قانون تعديل قانون رفع السرية المصرفية بلا نقاش يُذكر ما خَلا الملاحظات التي قدمها وزير العدل هنري خوري حول بعض المواد التي وردت فيه، خصوصاً لجهة بعض المهمات التي تعطى لقضاة التحقيق والمحاكم العدلية ومحاكم الإفلاس، حيث طلب ان يعرض القانون على مجلس القضاء الأعلى لإبداء الرأي، لكن القانون أحيل الى مجلس النواب وتُركت معالجة الأمر.
اما بالنسبة الى ما يتعلق ببند عقد الاستقراض فقد حصل نقاش مستفيض فيه وتبيّن لمجلس الوزارء انه يحتاج إلى قانون من مجلس النواب، فتم إعداده وإحالته الى المجلس النيابي مشفوعاً بتحفّظ وزراء “الثنائي الشيعي” عنه لرفضهم المساس بما تبقى من أموال المودعين، وجرى الفصل بين عقد الاستقراض الذي يُجيز للدولة الاقتراض من مصرف لبنان المركزي بموافقة مجلس الوزراء وبموجب قانون يصدر عن مجلس النواب، وبين السحوبات الخاصة المحفوظة في المصرف المركزي تحت وصاية وزارة المال المعروفة بالـ sdr والبالغة قيمتها مليار و135 مليون دولار. وقد تم الاتفاق على استعمالها بشرط موافقة مجلس الوزراء ولأمور ضرورية وملحّة، أما باكورة استعمالها فكانت للكهرباء 60 مليون دولار، وللدواء 13 مليون دولار، وللقمح والطحين 15 مليون دولار. وعلّق احد الوزراء على هذا الامر لـ”الجمهورية” قائلاً: “الحبل عالجرار، وجيّد انّ هذا المبلغ موجود “لَنضَاين كَم شهر بعد”.
القمح والطحين: وعند الحديث عن موضوع القمح، تحدث رئيس الحكومة عن بعض التجاوزات وقال، بحسب معلومات لـ”الجمهورية”: “هناك مبالغة في افتعال الازمة والكميات الموجودة في السوق كبيرة، القمح يتعرّض لأكبر عملية احتكار وتصرف غير قانوني، فهذا الدعم للخبز وليس لمشتقاته، وانا اطلب من الوزراء المعنيّين التشدد في هذا الامر، ومراقبة توزيعه خصوصاً ان الكمية المستوردة اكبر من حاجة لبنان ولم يحصل أن استوردنا مثل هذه الكميات في السابق”.
واضاف ميقاتي: “يوجد في لبنان ١٢ مطحنة و٢٣٠ فرناً، وعلى الرغم من هذا ترفع الأسعار، فالمنقوشة اصبحت بـ٢٥ الف ليرة من دون أي مبرر وباستعمال الطحين المدعوم، فلا يجوز الاستمرار في هذا الفلتان، وانا سأدعو الى جلسة خاصة قريباً للبحث في ملف القمح والطحين وواقع الأفران”، علماً انّ وزير الإعلام أكد بعد الجلسة “انّ الحكومة تتجه الى إبقاء الدعم على الرغيف العربي حصراً من دون سواه من منتوجات الطحين”.
الجامعة والضمان: وعلمت “الجمهورية” انه بعد كلمة كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في مستهل الجلسة، أثار وزير التربية عباس الحلبي موضوع أساتذة الجامعة اللبنانية والمراسيم الأربعة المتعلقة بالمتفرغين والمدربين وتعيين العمداء، فطلبَ فصل مرسوم تعيين العمداء عن المراسيم الأخرى لأنه يواجه إشكالات، وردّ عليه رئيس الجمهورية بالقول: “عند حصول اي خلاف يجب العودة الى القانون والاعراف، وإذا لم يتم القبول بالعودة الى الأصول يعني ذلك وجود نية بالتعطيل”.
ونالَ وضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حيّزاً من النقاش، إذ اشتكى وزير العمل مصطفى بيرم من انّ الموظفين لا يحصلون على تعويضاتهم بسبب عدم انعقاد مجلس الإدارة، طالباً ان تشمل المساعدات والتقديمات التي أقرّها مجلس الوزراء موظفي الصندوق على غرار موظفي القطاع العام، فتم تكليف بيرم بإعداد تقرير حول وضع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتقديم اقتراحات لرفعها الى جلسة مخصصة تدرس الملف برمّته.
وهنا أثار وزير الصناعة العقبات التي تواجه عمليات الاستيراد والتصدير في ظل اضراب الموظفين، فتقرر الموافقة استثنائياً ولمدة ١٠ ايام على الاستغناء عن براءة الذمة المطلوبة ريثما تعالج قضية الضمان الاجتماعي.
الاتفاق مع الصندوق: ثم عرض نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الخطوط العريضة للاتفاق المبدئي التي تم بين لبنان وصندوق النقد الدولي، لا سيما منها الإجراءات المنتظرة مثل هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع الخسائر وإقرار قانون السرية المصرفية والتدقيق الجنائي. كذلك شرح أهداف البرنامج الذي يُراد منه بنحو اساسي وقف الانهيار واستعادة الاستقرار ومحاربة الفقر واستقرار سعر الصرف وتحقيق الحوكمة والشفافية، وقدّم بالأرقام عرضاً عن مالية الدولة وإمكانية التعويضات مُتطرّقاً الى المحفظة التجارية وخسارة المصارف والصندوق السيادي، وقد حصل نقاش مستفيض حول هذه المواضيع ووجّه الوزراء أسئلة عدة عن المعايير المعتمدة في التوزيع العادل للخسائر ومصير حَمَلَة سندات “اليوروبوندز” واموال المودعين. وعندما كثرت الأسئلة والاستيضاحات ارتأى مجلس الوزراء الموافقة على البرنامج كما تم الاتفاق عليه مع الصندوق، على ان تقدّم ملاحظات الوزراء الى الشامي لدرسها خلال أسبوع لتحديد ما اذا كان هناك من امكانية للتعديل والإضافة على الاتفاق مع صندوق النقد.
بدلات الاغتراب: وحول البند المتعلق بتحديد بدلات الاغتراب لموظفي السلك الخارجي، حصل نقاش خلال الجلسة بين وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي يرفض المَساس برواتبهم وبين وزير المال المُصِرّ على أنها باهظة ولا مبرر لها في هذه الظروف. بوحبيب شرحَ كيف انّ رواتبهم لا تشمل الإقامة وتعليم الاولاد في المدارس والنقل وغيرها من متطلبات الحياة في الخارج، في حين كان رأيهما يلفت الى ضرورة إعادة النظر في وضع كل سفير وكل سفارة يمكن الاستغناء عنها خصوصاً ان بعض الرواتب تصِل الى ٣٠ الف دولار، فوافق مجلس الوزراء مبدئياً على الخفض لكن بنسَب معقولة، وتأجّل البحث في هذا البند ريثما يجتمع وزيرا الخارجية والمال لتحديد الكلفة الكاملة.
الاهراءات: وفي ملف اهراءات القمح المدمّرة في مرفأ بيروت، عرضَ رئيس مجلس الوزراء لتقرير شركة “خطيب وعلمي” في شأن انزلاق هذه الإهراءات وخطورة ذلك، فوافق المجلس على التقرير الذي نصح بالهدم وكلّف مجلس الإنماء والأعمار ووزير الدفاع درس الموضوع واتخاذ القرار النهائي، في حين كلّف وزير الثقافة بموضوع إقامة نصب تذكاري لشهداء مرفأ بيروت، كما أنّ وزير الأشغال العامة سيعدّ مخططا توجيهيا في شأن بناء اهراءات جديدة.
لجنة لزيارة البابا: ومن خارج جدول الأعمال، شكلت لجنة وطنية للتحضير لزيارة قداسة البابا في حزيران المقبل برئاسة وزير السياحة وليد نصار وعضوية الوزراء المعنيين، أي وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والثقافة والمالية.
كما أثار وزير الأشغال موضوع توسعة مطار رفيق الحريري الدولي وفق مخطط توجيهي بحيث تصبح حركة المطار قادرة على استيعاب 11 مليون راكب في العام 2025، مع العلم انها تستوعب حالياً 8 ملايين راكب. وطلبَ وزير السياحة من وزير الأشغال تقديم تقرير من أجل اجراء مناقصة ووضع دفتر الشروط في موضوع التوسعة، وتمنّى ميقاتي الإسراع في تعيين الهيئة الناظمة للطيران المدني.