مُقاربة خارجيّة جديدة لحلّ الأزمة تواكب المرحلة المقبلة

Share to:

الديار: دوللي بشعلاني

لم يستفد لبنان حتى الساعة من جوّ الإنفراج الإقليمي، ولم يتمكّن بعد من فكفكة الخلافات الداخلية، رغم انتظار دول الخارج التوافق الداخلي على المرحلة المقبلة، لكي يحصل لبنان على الدعم وعلى المساعدات الموعودة.. ما يعني التوافق على إسم رئيس الجمهورية المقبل، كما على إسم رئيس الحكومة الجديدة التي يجب أن تكون حكومة إنقاذية وإصلاحية، وإلّا فلن تتمكّن من إخراج البلاد من عنق الزجاجة. الأمر الذي يستوجب وضع رؤية واضحة للمرحلة المقبلة بناء على الوضع الحالي القائم بكلّ أزماته وتعقيداته وصعوباته. ولكن كيف السبيل الى وضع هذه الرؤية، وهناك من لا يزال يرفض التواصل والحوار؟

تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة بأنّ المقاربة الخارجية لحلّ الأزمة اللبنانية، لا سيما منها الفرنسية، لم تعد تقتصر على المقايضة على إسمي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، أي سليمان فرنجية- نوّاف سلام، على ما كانت تُروّج، إنّما تعدّت ذلك لتشمل كلّ الإستحقاقات المقبلة، والتي من شأنها أن تُعيد الخلافات الى الساحة الداخلية، في حال لم يتمّ التوافق على السلّة المتكاملة دفعة واحدة. وتطرح فرنسا صيغة جديدة للتسوية تقوم على وضع مشروع إصلاحي يشمل مناصب مهمّة في الدولة الى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة، مثل منصب حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش وسوى ذلك.. علّ هذا الأمر يُشجّع القوى المسيحية، لا سيما منها المعنية بهذه المناصب على التوافق عليها جميعاً، فمن يخسر منها هنا، يربح هناك والعكس صحيح.

فمثل هذا الطرح الخارجي من شأنه تحفيز القوى المسيحية، لا سيما «التيّار الوطني الحرّ»، و»القوّات اللبنانية» الرافضة للحوار، على الموافقة عليه للخوض في التسوية الشاملة للمرحلة المقبلة. على أنّ يجري الإستفادة من الإنفراجات الإيرانية- السعودية والسعودية- السورية التي تشهدها المنطقة، فضلاً عمّا سينتج عن الإجتماع الرباعي الذي يحصل اليوم الثلاثاء في العاصمة الروسية موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء إستخبارات كلّ من تركيا وروسيا وسوريا وإيران، لا سيما وأنّه عُقد في كانون الأول الماضي من دون إيران، وأسفرت الجهود عقبه عن اتفاق بشأن انضمامها الى هذه الإجتماعات. ويهدف هذا الإجتماع الى حلّ المشاكل العالقة عن طريق الحوار وإحلال السلام والإستقرار في المنطقة في أقرب وقت ممكن.

ومن هنا، شدّدت الأوساط نفسها أنّه على القوى السياسية في لبنان، على ما نقلت عن مسؤولين في الخارج، أن يجدوا الطريقة التي تُناسبهم للإلتقاء والتواصل، أو على الأقلّ لمناقشة المشروع الإصلاحي الشامل للمرحلة المقبلة، من خلال لقاءات ثنائية أو ثلاثية أو حوارات مشتركة توصل الى توافق داخلي ما. على أن يشمل هذا المشروع مقترحات حلول لكلّ الأزمات التي تُواجه لبنان، بما فيها الإصلاحات الضرورية ، وأزمة النازحين السوريين، وتعديل بعض الثغرات في الدستور التي غالباً ما توقع لبنان في الفراغ لوقت طويل وغير ذلك.

فالمطلوب بالنسبة لدستور البلاد، على ما أشارت الاوساط، الحفاظ على روحية «اتفاق الطائف» من حيث التشارك الطوائفي في النظام، والوحدة الوطنية والسلطة المركزية الواحدة، ومن حيث أن «لا شرعية لأي سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك»، ومن حيث المناصفة في مجلس الوزراء وفي مجلس النوّاب وفي الوظائف العامّة الخ… غير أنّه لا بدّ في الوقت نفسه، من تطوير النظام ليُصبح مرناً أكثر ولا يوقع البلاد في الجمود السياسي لاشهر عدّة، على أن يشمل على سبيل المثال لا الحصر، معالجة الثغرات الدستورية التي تؤدّي الى التعطيل، أي وضع مهل دستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، ولتكليف رئيس الحكومة بتشكيل حكومته وغير ذلك تلافياً للفراغ السياسي، كما لطريقة انتخاب الرئيس وإعادة النظر في صلاحياته. ومن الجيّد أن يكون هناك مرجعية دستورية قادرة على حلّ الخلافات السياسية خلال مهلة قصيرة من نشوئها، على أن تكون قراراتها سريعة ومُلزمة، وإلّا فإنّها قد تدخل ضمن المعمعمة السياسية المعتادة.

أمّا كلّ الخلافات في لبنان فعلى السياسة الخارجية، على ما نوّهت الأوساط عينها، ومع التقارب الحاصل بين دول الخارج، لا سيما بين السعودية وإيران، لا بدّ وأن يتأثّر الحلفاء في الداخل ويبدّلوا مواقفهم لما يخدم المصلحة الوطنية، وأوّلها التوافق على إسم رئيس الجمهورية. وإذ يتحدّث الخارج عن مواصفات الرئيس أكثر من الخوض في الأسماء، لفتت الاوساط الى ضرورة أن يتمّ إعلان الترشيحات لرئاسة الجمهورية من قبل بعض المرشحين الذين يرغبون بخوض غمار هذا الإستحقاق، على أن يجري عرض برنامج كلّ منهم. فهذا الأمر من شأنه تسهيل اختيار المرشّح الأفضل للرئاسة ليس فقط من خلال الإعتماد على شخصيته وعلاقاته الداخلية والخارجية، إنّما أيضاً على ثقافته وبرنامجه والرؤية المستقبلية للبنان القابلة للتنفيذ ضمن مهل محدّدة.

ويبدو أنّ السبيل الوحيد اليوم أمام القوى السياسية هو أن تسعى الى حوار جدّي، بالطريقة التي تراها مناسبة لها، وأن يحصل انتخاب رئيس الجمهورية القادر على إعادة تركيب السلطة، ورئيس حكومة إنقاذية قادرة على تحقيق الإصلاحات الازمة، وذلك لمواكبة ما يجري من تحوّلات في المنطقة لصالح لبنان. فدول الخارج، على ما أوضحت الأوساط، تسعى من أجل التوصّل الى حلول لملفات المنطقة، وما الإجتماعات التي تعقدها في عواصم عدّة، سوى للبحث في تفاصيل هذه الملفات، ومن ضمنها لبنان، ومعالجتها بالطرق المناسبة. 

Exit mobile version