اعتاد اللبنانيون الذعر والقلق بسبب الازمات الداخلية، جراء الخلل في المؤسسات السياسية، والوضع الاقتصادي المتقهقر والحروب. هذه المشكلات ليست مستجدة، كونها تعتبر مظهرا من مظاهر ازمة النظام السائد في لبنان منذ نهاية الحرب الاهلية عام 1990. كما ان السلطة الحاكمة لم تطبق أي مشروع استثماري في البنية التحتية والخدمات الأساسية، حتى ان الحكومات المتعاقبة لم تبدِ منذ نحو 40 عاما أي اهتمام بشأن التخطيط لأعمال طويلة الأمد. فالدولة لم تعزز من سلطتها على الأرض، فحتى بعد انتهاء حرب تموز لم تطوّر القطاعات الأساسية الرئيسة بطريقة مستدامة، كقطاع الصحة والمستشفيات والدفاع المدني، حتى انها لم تبنِ الملاجئ في حالة الضرورة والحرب.والأسوأ من كل ما تقدم، ان لبنان لا يزال بلا رئيس للجمهورية ويعاني من انقسامات سياسية متجذرة هي مرآة للانشطارات الإقليمية، والحكومة عرجاء مهمتها وضع تصورات وخطط طوارئ غير قابلة للتنفيذ، لان البلد مثقل بالديون، وهذا دليل إضافي على ان هذه الحكومة فاشلة وخانعة وخاضعة.
نسبة الشراء تضاعفت!
في سياق متصل، يعيش المواطنون ظروفا استثنائية، في ظل تنامي المخاوف من تصاعد حدّة التطورات جنوبا، وهذه الهواجس تضيف عبئا اقتصاديا جديدا على اللبنانيين. فالأعمال العسكرية الهمجية من جهة العدو الصهيوني تشتد يوما بعد يوم، وهذا ما أدى الى نزوح 100 ألف مواطن من البلدات الجنوبية المعرضة للاعتداءات الإسرائيلية. لذلك بدأ الناس بالتهافت لشراء المواد الغذائية تحسباً قبل نفادها او رفع أسعارها. وتجدر الإشارة الى ان “الديار” وثّقت من خلال الجولات الميدانية ارتفاعا بنسبة 30% في أسعار السلع الأساسية مثل: الأرز، البرغل، العدس، الطحين والفريكة. و4% في أسعار اللحوم والدجاج، و7% في أسعار الالبان والاجبان، و40% في أسعار الخضراوات والفواكه.
بالموازاة، اشار داني الذي يعمل في “سوبرماركت” لـ “الديار” الى “ان الازدحام على الشراء تضاعف بنسبة تتراوح ما بين 60 و80%، ويحرص المواطنون على ان تكون تواريخ صلاحية السلع بعيدة، خوفا من إمكاني الدخول في أي حرب تكون تداعياتها جسيمة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وانسانيا”.
وفي الإطار، قالت روزي لـ “الديار”: “نعيش في توتر دائم جراء ما يحدث في الجنوب، وكأنه مكتوب علينا ان نبقى في حالة هلع، نتمون تحسبا للأيام المقبلة والاوقات الصعبة، وتخوفا من انقطاع المواد الأساسية، وللأسف الأسعار تضاعفت بشكل هستيري”.
هجمة على التمون!
رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي قال لـ “الديار”: “ان الأمور لا تزال طبيعية في لبنان حتى في ظل المناوشات التي تحصل على الحدود الجنوبية، كذلك الامر بالنسبة الى حركة المرافئ والمطار، وان كان الأخير قد شهد تغييرا في جداول الرحلات. لكن وفقا للبيان الذي اصدرناه مؤخرا، يجب الا يكون هناك تخوف من انقطاع المواد الغذائية في الوقت الحالي، إذا لم تتطور المواجهات ولم تقع حرب مدمرة”.
وطمأن بحصلي المواطنين الى “ان السلع الاستهلاكية تكفي بين شهرين وثلاثة أشهر في حال تدهورت الأوضاع الأمنية، وتوسعت دائرة الحرب”، مؤكدا “ان هذه الكميات في الأوقات العادية تكون مخزنة في لبنان ليس تحسبا او استباقا لحدوث خضة امنية، ولكن شرط الا يحصل افراط في التخزين الذي من شأنه ان يخفض هذه المواد ويقلص وجودها في السوق”.وأشار الى “وجود صعوبات، لان التأمين على الحرب توقف، لكن الشاحنات مستمرة بالمجيء الى لبنان والبضائع موجودة بوفرة. وما يحدث الآن هو ان حالة فزع الناس تترجم في المتاجر و”السوبرماركات”، والتهافت على الشراء خوفا من انقطاع بعض الأصناف، ولاحظنا هجوم أكثر من عادي على تبضع المواد الأساسية والمعلبات”.
وتمنى “الا يحدث تخزين فائض، لان هذا الامر لن يجدي نفعا، لان السلع تكفي بين شهرين وثلاثة، ولكن شرط ان يكون الاستهلاك ضمن الطبيعي، اما إذا تخطينا هذا المستوى وأصبحنا في مرحلة التخزين، فالبضائع التي من المفترض ان تسد حاجة السوق لأشهر، لن تكفي لأكثر من شهر، وهذا سيؤدي الى انقطاعها وفقدانها من الأسواق، وبالتالي ستتراجع الكمية وترتفع الأسعار تلقائيا جراء العرض والطلب”.
وقال: ” يملك البعض الإمكانات المادية لشراء ما تيسر من المواد الغذائية بهدف الحفظ، في حين ان مئات المواطنين ليس لديهم القدرة المادية لشراء السلع الضرورية اليومية، وانقطاع المواد الغذائية الأساسية مرتبط بعامل الادخار لأنواع معينة، والاستهلاك ما زال مقبولا”، لافتا الى “اننا لسنا في فترة أعياد او في فصل الصيف، لذلك لا ينبغي نفاد المواد”.
واكد بحصلي على “ان الخطوات الحالية لا يمكن تطبقيها في حال وقعت الحرب، وبالطبع لا نتمنى حصولها بالمطلق، لكن في حال عاد شبح حرب تموز فعندئذ ستتبدّل الاجراءات، وسيكون لنا حديثاً آخراً انطلاقا من التطورات الميدانية وحجم الحرب والاعتداءات، وإذا تم استهداف المواصلات”.
وتابع “لا يمكننا التنبؤ وأفضل عدم التعليق حاليا على هذه النقطة، ريثما تنقشع الأمور”.وعن وضع خطة استباقية؟ يجيب بحصلي “أجرينا عدة اجتماعات، ووضعنا نقاط وقائية مثل آلية التخزين والتواصل، ولكن هذه العوامل الاحترازية ليست المدخل لحل الازمة، لان الأولوية المطلقة هي تفادي المعركة، وعلى المسؤولين العمل بجهد لمنع حصول أي عدوان إسرائيلي على لبنان لأنه سيكون كارثيا”.
اما عن تضخم الأسعار، فبرر بحصلي هذا الأمر بالقول: “عندما يزداد الطلب الاستهلاكي على سلع او مواد ما، فإنه من الممكن ان يؤدي الى مضاعفة الأسعار، وحتى اللحظة لا نرى مبررا للزيادة، وهناك صعود بسيط نتيجة ارتفاع بوالص التأمين، ولكن لا يوجد حتى الساعة انعكاس اقتصادي مباشر ربطا بالأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية، ولكن هذا الامر سيتغيّر لو حصل تصعيد أمني”.