على رغم أنّ مهلة تقديم الترشيحات للانتخابات النيابية المقبلة التي ستُجرى في أيار 2022 تنتهي في 15 آذار المقبل، إلّا أنّ الصورة الانتخابية ما زالت مُبهمة عامةً إن على صعيد الترشيحات أو التحالف، وذلك لدى غالبية الأحزاب والأفرقاء، ومن بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي لم يحسم قراره بعد لجهة ترشُّحه الى الانتخابات أو عزوفه عن ذلك، كذلك لجهة تشكيل أو دعم كتلة معيّنة في طرابلس وعكار. في المقابل يرى البعض أنّ ميقاتي قد ينتظر قرار رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري الذي لم يُعلن بعد خوض الانتخابات أو العزوف عن الترشح، إن شخصياً وإن على مستوى التيار، وذلك انطلاقاً من أنّ انسحاب الحريري و»المستقبل» إذا حصل سيحدث خللاً في الساحة السنية كذلك الطرابلسية – الشمالية، وعدم ترشّح الرجلين سيُفقد مجلس النواب مرجعيتين سياسيتين سنيتين أساسيتين، مع ما يعكس من تضعضع أو فوضى في الساحة السنية، خصوصاً مع عدم بروز مرجعيات جديدة واضحة.
قد يكون تاريخ 14 شباط المقبل محطة مفصلية توضح قرار ميقاتي لجهة الترشح الى الانتخابات أو عدمه، بحسب قريبين منه، وذلك لأنّه يتبقى شهر على انتهاء مهلة الترشح كذلك تكون خريطة التحالفات على صعيد لبنان من جميع الأفرقاء والكتل قد توضحت، إذ حتى الآن الجميع متريث وينتظر ولم يعلن ترشيحاته وتحالفاته.
وعمّا إذا كان ميقاتي ينتظر عودة الحريري وقراره، علماً أنّه يواظب أخيراً على تأكيد أهمية عودة رئيس «المستقبل» الى بيروت وخوضه المعتركين السياسي والانتخابي، توضح المصادر القريبة من رئيس الحكومة أنّه لا ينتظر الآخرين، وحساباته الانتخابية تجري على مستوى طرابلس كذلك انطلاقاً من المصلحة الوطنية، ليقرّر إذا كان سيترشح أم لا وإذا كان سيدعم كتلة على مستوى طرابلس وعكار، وكلّ هذه الحسابات قيد البحث لديه الآن، وينتظر أيضاً المتغيرات لاتخاذ قراره وفقها.
وفي حين أنّ البعض يرى أنّه لا يجب على رئيس حكومة تدير الانتخابات أن يخوض هذه الانتخابات، انطلاقاً من الحرص على شفافية هذا الاستحقاق الدستوري ونزاهته، خصوصاً في ظلّ تشديد المجتمع الدولي على إجراء عملية ديموقراطية حرّة نزيهة وشفافة وعادلة، تشير مصادر ميقاتي الى أنّه عندما تولّى رئاسة هذه الحكومة قال إن لا شروط مفروضة عليه، كذلك قانونياً لا شيء يمنع مشاركته في الانتخابات، بل إنّ ترشحه يعزّز حضورا معيّنا، فرئيس الحكومة لديه حيثيته الشعبية والسياسية، وإنّ خوضه الانتخابات يجعل المرجعيات الأساسية تكون حاضرة ولا يفتح المجال أمام ضياع وجهة الساحات. وهو انطلاقاً من أنّه لم يتعهد لأي أحد بعدم خوضه الانتخابات، ولا تعارض بين ترؤسه الحكومة وترشحه، يقوّم قراره وسيعلنه في الوقت المناسب
كذلك بحسب المصادر نفسها، إنّ قراري ميقاتي والحريري انتخابياً غير مترابطين، فحيثية تيار «المستقبل» شيء وحيثية ميقاتي في طرابلس شيء آخر، وعلى رغم أنّ هناك بعض التداخل بين الطرفين الّا أنّه لقرار كلّ منهما استقلاليته وحساباته. وفي حين أنّ «المستقبل» وميقاتي لم يخُضا انتخابات 2018 على لوائح واحدة، الّا أنّ التفاهم السياسي بينهما شبه كامل، ووجهات نظر كلّ من الطرفين السياسية متقاربة، ويجمع الحريري وميقاتي نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي لديه صفة تمثيلية سياسية على المستوى اللبناني، إضافةً الى رؤية مشتركة لكثير من المواضيع، لكن على المستوى الانتخابي لكلّ منهما توجهه الذي سيتوضح خلال فترة زمنية قصيرة قد تكون شهراً، لأنّ المهل داهمة، وعلى الجميع أن يتخذوا قراراتهم، بحسب المصادر القريبة من رئيس الحكومة.
أمّا حكومياً، فيرى البعض أنّ «الثنائي الشيعي» يتحكم بالحكومة، وبات هو من يحدّد توقيت انعقاد مجلس الوزراء وجدول أعمال جلساته، وذلك بعد أن عطّل انعقاد مجلس الوزراء لثلاثة أشهر، وأعلن السبت الماضي عودته الى المشاركة في الجلسات التي تُخصّص فقط للموازنة وخطة التعافي. ويسأل البعض: لماذا لا يدعو ميقاتي مجلس الوزراء الى الانعقاد هذا الاسبوع لاتخاذ قرارات تتصل بكثير من الأمور الملحة الاقتصادية والمعيشية، ولمعالجة مشكلات عدة، تبدأ من سعر الصرف ولا تنتهي بما تواجهه مؤسسات الدولة وإداراتها من تفكك وتوقّف عن العمل؟. بحسب المصادر القريبة من ميقاتي، إنّ رئيس الحكومة يرغب في أن يكون جميع الأفرقاء راضين، وهذا الذي تمكّن من الوصول إليه، وهو يقارب هذا الأمر انطلاقاً من صيغة جمع وطنية لأنّ البلد يحتاج الى صيغة الجمع في هذه المرحلة، وليس أن تأتي الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ضمن صيغة تحدّ وتفرقة. ويعتبر ميقاتي أنّ الصيغة التي خرج بها كانت إيجابية بعد أن أعلن «حزب الله» وحركة «أمل» مشاركتهما في الجلسات، وهو سيتسلّم الموازنة خلال هذا الاسبوع، بحيث إمّا يدعو الى جلسة تُعقد الاثنين المقبل، أو يدعو الاثنين الى جلسة ستُعقد بالتأكيد خلال الاسبوع المقبل.
أمّا بالنسبة الى تحديد «الثنائي الشيعي» جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء وحصرها بالموازنة وخطة التعافي، توضح المصادر القريبة من ميقاتي أنّ إقرار الموازنة يتطلّب جلسات عدة، وسيمرّ معها كثير من العناوين الاقتصادية، ومنها منحة الشهرين للقطاع العام ومن ضمنه العسكريين. وتؤكد أن لا عرف جديداً، والرئيس ميقاتي يمكنه وضع جدول الاعمال الذي يراه مناسباً، وأساساً الجدول اقتصادي ومرتبط بالموازنة وخطة التعافي، فكلّ العناوين متقاربة، وفي كلّ الحالات إنّ العناوين الاقتصادية هي الطاغية.
كذلك إنّ موضوع الانتخابات يتطلّب قرارات عدة من مجلس الوزراء، وتؤكد مصادر ميقاتي أنّ كلّ ما يتعلق بإجراء الانتخابات سيكون على جدول أعمال مجلس الوزراء. أمّا عن «التطمين» الذي ناله «الثنائي الشيعي» من ميقاتي في موضوع التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت مقابل الإفراج عن مجلس الوزراء، فتؤكد المصادر القريبة منه أنّ «انتظام المؤسسات والحفاظ عليها هو الأساس، والمؤسسات هي التي تعطي التطمينات للجميع، إن كانت عسكرية أو قضائية أو إدارية». وتجزم أن «لا تسوية على هذا المستوى، وميقاتي لم ولن يتدخّل في عمل القضاء، واجتماع مجلس الوزراء ليس ضمن أي مقايضة بل انعقاده هو لحاجات اللبنانيين جميعاً، وهذا ما ذكره «الثنائي» في بيانه أيضاً».