“الحرب” مفتوحة على مصراعيها. لكن أهدافها صغيرة. أقصى ما تصل إليه هو المزيد من التدمير والمسّ بحقوق اللبنانيين. فلم يكن ممكناً لرئيس الجمهورية ميشال عون أن يسمح بعقد جلسة حكومية في السراي الحكومي لكسر قرار بعبدا. وهذه إشارة ربما التقطها أو لم يلتقطها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي لا يزال يحاول إرضاء الجميع ولن ينجح. تارة يسير ميقاتي في مشروع معمل سلعاتا، وطوراً يرفضه بخجل. وتارة أخرى يوافق على خطة الكهرباء، وفيما بعد يعبّر عن الاعتراض عليها. وعلى هذا المنوال، يستمرّ تعامله مع القضايا بكل ما يخلّفه من آثار سلبية.
تعهدات ميقاتي
في الوقت الذي حاول فيه نجيب ميقاتي البحث عن تسوية لوقف التصعيد القضائي المصرفي، جاءه رئيس الجمهورية ميشال عون بتذكير واضح للالتزامات التي قدمها خلال سعيه لتشكيل الحكومة. ومما قاله عون كان في غاية الوضوح: أنت تقدمت بتعهدات عليك أن تلتزم بها، من بينها إقالة حاكم مصرف لبنان، وكل العهود التي قدمتها تحاول التنصل منها.
لذلك يبدو أن عون مصرّ على الاستمرار في حربه إلى النهاية. بينما ميقاتي لا يزال يسعى على طريقته لإرضاء عون من جهة، وحزب الله من جهة ثانية، والفرنسيين والأميركيين والخليجيين والأتراك من جهات ثالثة ورابعة..إلخ. وهذا ضرب من الاستحالة والتوهم. لأنه في لحظة معينة على المرء أن يتخذ موقفاً، ولا يمكنه الاستمرار بالمناورة. ولعبة كسب الوقت لا تفيد.
الرأسمال الشيعي
ما يشهده لبنان من صراع قضائي مصرفي، يقود إلى تقاطع بين جملة مصالح. مصلحة شخصية تتعلق بحسابات رئيس الجمهورية عموماً، وحساباته في مواجهة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووضعه في مواجهة القضاء، ليتحول سلامة من مرشح لرئاسة الجمهورية إلى ملاحق قضائياً في أحد أكبر تجليات انتصارات العهد عليه. مصلحة ثانية تتعلق بحزب الله الذي لديه فرصة في مرحلة إعادة هيكلة المصارف أن يكون له دور أساسي في إعادة إنتاج وإدارة هذا القطاع، كنوع من القطع مع المنظومة السابقة التي نتجت عن المارونية السياسية وامتزجت بمال سياسي واستثماري سنّي، خصوصاً أن العقوبات الدولية على رجال الأعمال الشيعة في أفريقيا وأميركا اللاتينية، تجعل من لبنان الملاذ الآمن الوحيد للرأسمال الشيعي. المصلحة الثالثة هي مصلحة المودعين الحانقين والذين يعتبرون أن المصارف تتحمل مسؤولية السيطرة على ودائعهم وعدم حصولهم عليها. وهذه تمنح نقطة قوة أساسية للقوتين المهاجمتين للقطاع في السياقين السياسي والشعبوي.
ما يجري هو تصفية حسابات، وخطة استراتيجية للسيطرة على هذا القطاع، كما حصل في قطاعات أخرى كالدواء أثناء تولي الوزير حمد حسن وزارة الصحة. وكذلك في قطاع المحروقات وغيرها. وبالتالي، يدخل حزب الله إلى قطاعات كان خارجها طوال السنوات السابقة. وهذا يتطابق مع ما قاله النائب محمد رعد قبل أسابيع، بأن الحزب لا يحزن على القطاع المصرفي، لأن الحزب لم يلعب دوراً فيه.
الكلمة النهائية للحزب
لا يريد الثنائي الشيعي تسليف أي من الأطراف ما يحاولون تقديمه للفرنسيين أو الأميركيين، من الترسيم وإلى المرفأ وما حولهما من صفقات. وكأنهم يقولون للجميع: “تتبكبكون أمامنا وتحرضون علينا في الخارج. هذه الأساليب كلها لا يمكن أن تمرّ معنا”. وهنا يطلق حزب الله موقفه باتجاه الجميع، ولا سيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تارة يأخذ موقفاً معارضاً للحزب، وفيما بعد يقول لا أريد للسيد نصر الله أن ينزعج. وباتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون أيضاً الذي يعتبر أنه قادر على حلّ ملف ترسيم الحدود من دون موافقة الحزب أو الرجوع إليه. كان رد حزب الله واضحاً على ميقاتي بالقرار الذي اتخذه وزير الثقافة بشأن الإهراءات كردّ على صفقة فرنسية مع ميقاتي تتعلق بشركة cma cgm. فيما رد الحزب على عون بملف ترسيم الحدود بمقاطعة اللجنة الخاصة بهذا الملف وبالعودة لاتفاق الإطار، وسيكون الردّ الأبلغ بموقف يصدر عن وزير الأشغال يشير بوضوح إلى أن الكلمة النهائية في هذا الملف ستكون للحزب وليس لأحد آخر.
المعادلة الصفرية
في المقابل، ميقاتي الذي جاء رئيساً للحكومة يقول إنه لن يقبل التطاول ولا التجاوزات ولا المس بالصلاحيات. فانتهى به الأمر في مواجهة مع مدعي عام التمييز غسان عويدات. إذ قال إذا لم يلتزم بما تطلبه الحكومة: “منشيلوا عالبيت”. وهي رسالة واضحة وجهها ميقاتي إلى عويدات أن عليه القيام بما يتوجب عليه وما يريده منه، أو أنه سيكون معرضاً للإقالة وتعيين بديل عنه. فيما هناك من يعتبر أن عويدات غير قادر على اتخاذ أي قرار منذ رعاية التسوية بينه وبين القاضية غادة عون، والتي انتهت بمعادلة صفرية: استمرار غادة عون بمسارها الذي تريده من دون تدخل من عويدات لعرقلة مسارها كي يبقى في موقعه. وفيما كان ميقاتي بموقع الحامي لعويدات، أصبح في موقع المهدد له.