الزيارات المتكررة التي أعلن جان إيف لودريان أنه سيجريها إلى بيروت، لا بد أن تحدث فيما بينها مباحثات متعددة داخل فرنسا نفسها، ومع الدول الأخرى التي تبدو متابعة للملف اللبناني. من المسلّم به أن لودريان يأتي إلى بيروت حاملاً ورقة بيضاء، يعمل على تعبئتها بالمواقف المتعددة للقوى المختلفة. بعدها سيعود إلى باريس لنقاش خلاصاته مع المسؤولين الفرنسيين. وعلى أساسها يمكن أن يتحدد موعد جديد لزيارة الرجل إلى لبنان وتقديم مقترحات، أو قد يستدعي ذلك زيارة يجريها إلى المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى البحث مع الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني.
الدول على مواقفها
حسب المعلومات فهناك مهلة شهر ممنوحة للودريان وفرنسا من خلفه لتكوين تصور عام يتم بحثه مع الدول الخمس، كل هذه الدول توافق على منح باريس هذه الفرصة للعب الدور اللازم في سبيل الوصول إلى صيغة تفاهم. صيغة يفترض أن تقود إلى تسوية على انتخاب الرئيس، ولا تفضي إلى العودة نحو خنادق الانقسام بين مرشحين. في السياق، يمكن لوفد سعودي أن يزور باريس مجدداً في مرحلة ما بعد عيد الأضحى، على أن يكون الفرنسيون قد وضعوا تصورهم الجديد. وعلى أساس هذه المباحثات يتقرر إذا كان سيعقد اجتماع خماسي.
حتى الآن لا تزال الدول على مواقفها. وإلى جانب المباحثات الفرنسية السعودية التي شهدتها العاصمة الفرنسية في الأيام الماضية، فإن الملف اللبناني حضر في اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السعودي في إيران. وسط معلومات أن طهران مستعدة للمساعدة في سبيل الوصول إلى تفاهم واسع في لبنان، علماً أن الإيرانيين يؤكدون بأنهم يريدون للسعودية أن تكون منخرطة في أي تسوية أو حل للازمة اللبنانية، على قاعدة الاستثمار وتقديم المساعدات. وهذا بحد ذاته من شأنه أن يخفف عبئاً عن كاهل حزب الله، الذي يتم اتهامه بأنه يتسبب بالانهيار المالي والاقتصادي والمؤسساتي.
هنا تتضارب المعلومات حول إمكانية الدخول السعودي بقوة للاستثمار في لبنان. مع ذلك هناك من يعتبر أنه في حال انتخب رئيس وسطي وتوافقي، ويحظى برضى وثقة المجتمع الدولي، فسيكون هناك تكامل في المسار السعودي القطري لمساعدة لبنان في المجالات المختلفة.
حسابات حزب الله
لا مجال لتكرار تجربة جلسة الانتخاب الأخيرة، ولا حتى الذهاب إلى الاتفاق على مرشح جديد للمعارضة. المسألة لم تعد تحتمل إلا التوجه إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس وبأكثرية الثلثين من الأصوات. من هنا، يدرس كل طرف مواقفه وما يمكن أن يسعى إلى تحقيقه، مع علم الجانبين بأن هناك صعوبة لدى كل واحد منهما لفرض إرادته أو مرشحه. في السياق، هناك من يستعجل لطرح المرشح الثالث والذي من المفترض أن يكون مرشح التسوية.
كل هذه النقاشات تحظى بمتابعة حثيثة داخل حزب الله، والذي يدرك بلا شك حجم المشكلة، على الرغم من تمسكه بترشيح سليمان فرنجية، ولكنه يعلم أن هناك صعوبة في إيصاله. لا يعني ذلك ان الحزب قد انتقل إلى مرحلة وضع خطة (ب). وفق التقييم الداخلي هناك توازن دقيق جداً ولا أحد من الفريقين قادر على إيصال مرشحه. وبالتالي، كلاهما يمتلكان ورقة التعطيل. لا ينكر الحزب حجم الأزمة مع باسيل، ولم يكن بالوارد بالنسبة إليه أن ينتقل باسيل إلى الضفة الأخرى، ويأخذ هذا الموقف المتباعد، علماً أن مصالحه لا يمكن أن تكون لدى الفريق الآخر.
التهدئة والاستنفار
لا يسقط الحزب من حساباته احتمال فتح الباب أمام خيارات أخرى، ولكن لم يحن وقتها بعد. لا يزال هناك رهان واضح يتعلق بإمكانية أن تقود هذه الإتصالات الإقليمية والدولية إلى تعديل مواقف القوى الداخلية. وبالتالي، هناك من يعتبر أن الحزب لن يذهب إلى تسوية مع القوى الداخلية، إنما مع جهات خارجية، خصوصاً في ظل أجواء التهدئة بالمنطقة. ولا بد من التوفيق بين هذه الأجواء التهدوية، في مقابل إبقاء الوضعية القتالية أو الاستنفارية مع العدو الإسرائيلي، مقابل التهدئة في الداخل والبحث عن شروط التسوية.
وهنا لا بد للحزب أن يتمسك بموقفه حالياً، بانتظار ما سيعرضه عليه الآخرون، لتثبيت نتائج متعددة، قد تفضي إلى الدخول بوضعية سياسية جديدة تنتج تسوية توافقية، بشرط أن لا تتعارض هذه الوضعية مع وضعيته الاستراتيجية والعسكرية ضد العدو الإسرائيلي.