هل من أياد خفية تعبث بالواقع الأمني اللبناني؟ أم انها أحداث متفرقة لها سياقاتها الموضوعية ومصادفاتها وتقاطعات ظروفها واحتمالات حدوثها؟ بالنظر إلى الشهرين الفائتين كان لبنان يعيش وكأنه على كوكب آخر، خارج كل سياقات التوتر. تعايش اللبنانيون مع موسم الإصطياف والتركيز على السياحة وتمرير الموسم في انتظار أن تعود السياسة لنشاطها في الشهر المقبل.
لكن استُهل شهر آب بصورة مغايرة كلياً، بدءاً من احداث مخيم عين الحلوة والإشتباكات التي شهدها، مروراً بحوادث أمنية متنقلة من الشمال الى الجنوب: من مخيم عين الحلوة، إلى عين إبل، ومن وادي الزينة إلى مجدل العاقورة، والخوف الا تكون حادثة “شاحنة الكحالة” خاتمة الأحداث الأمنية.
بين السياسة والأمن و..اليأس
في حالة التحلل التي يعيشها لبنان في مختلف قطاعاته ومؤسساته، وعلى وقع أزمة إقتصادية ومالية خانقة معطوفة على الأزمة السياسية التي تتخذ طابع الإنقسام العمودي، يمكن لهذه الأوضاع أن تنتج أحداثاً واختلالات متنوعة. بعضها يتخذ سريعاً طابعاً سياسياً إستناداً إلى الإنقسام القائم والخلافات المستمرة، وبعضها الآخر يندرج في خانة اليأس من الواقع في حالات تسجيل عمليات انتحار. لكن الأكيد أن تزاحم الأحداث الأمنية المتواترة والمتوالية لا بد له أن يرخي بظلال سلبية جداً على الوضع العام، ويجد من يسعى إلى الإستثمار سياسياً في كل ما يجري.
تنامي دعوات الانفصال
أمام الإنقسام القائم، هناك من يبدي تخوفاً على الوضع اللبناني في ظل تنامي الدعوات إلى التقسيم والإنفصال والتي يمكن لتكرار مثل هذه الأحداث الأمنية أن تعزز فكرة تشابهها مع المرحلة التي سبقت الحرب الأهلية. ليس بالضرورة أن يعني ذلك الوصول إلى حرب، إنما جني آثامها وتداعياتها ومخاطرها بفعل تمدد الأزمة واتساعها، وسط عجز عن إيجاد حلّ سياسي لها، وغياب الاهتمام الخارجي الجديّ في إرساء حلّ في لبنان. تُبقي هذه التطورات السؤال مفتوحاً، عما اذا كانت هذه الحوادث الأمنية قد تشكل في النهاية ظروفاً ضاغطة جداً على القوى السياسية فتدفعها للذهاب إلى البحث عن حلول وتقديم تنازلات، أم أنها ستسهم بالمزيد من التحلل، ما يدفع قوى متعددة للذهاب إلى البحث عن فرص تعزيز فكرة الأمن الذاتي.
من عين ابل إلى وادي الزينة
لا شك أن جريمة قتل الياس الحصروني في عين إبل، من شأنها أن تكرس أجواء الإنقسام والإستنفار الطوائفي، خصوصاً إذا ما تم ربطها بأحداث أخرى تشهدها مناطق مختلفة، آخرها ما شهدته منطقة مجدل العاقورة التي حاول فيها عدد من المسلحين خطف مواطن من البلدة فتصدى لهم عدد من الاهالي ،وحصل إطلاق رصاص. لا ينفصل ذلك عن الإستنفار السياسي والميداني المستمر في جرود لاسا وجرود العاقورة على خلفية صراعات ونزاعات على الأراضي والملكيات، وصولا إلى حادثة الشاحنة في الكحالة، مما سيثير المزيد من العصبيات ويرفع منسوب المطالبات بالإنفصال أو التقسيم.
أما حادثة وادي الزينة والتي على ما يبدو أنها صراع على النفوذ بين عناصر في حزب الله، وعناصر في سرايا المقاومة المحسوبة في الأساس على الحزب، فلها أبعاد مختلفة أيضاً، اولهاً الإشارات الخطرة لمسألة تفلت السلاح، وعدم القدرة على ضبطه. وقع الإشتباك بين من يفترض أنهم من أبناء البيت الواحد، وهي ليست المرة الأولى التي تحصل فيها توترات بين عناصر من السرايا وآخرين من الحزب. فقبل سنتين شهدت مدينة صيدا أحداثاً مشابهة.
“شباب الساحات”
الأهم، حصول هذا الإشكال في وقت تحدثت معلومات كثيرة عن أن حزب الله يجري إعادة مراجعة حول فعالية سرايا المقاومة والإتجاه إلى تقليم أظافرها في مناطق متعددة.
وفي المقابل ينضم “تنظيم جديد” إلى التنظيمات الموجودة يطلق عليه إسم “شباب الساحات” وهو، على ما تفيد المعلومات، نسخة منقحة عن سرايا المقاومة. سيعزز ذلك، على الأرجح، نزعة القوى المقابلة للدعوة إلى الأمن الذاتي، وهي دعوات تبرز بين فترة وأخرى إثر أي حدث أمني يقع.
تبقى مشكلة أساسية يمكن الإضاءة عليها انطلاقاً من الإشكال الذي حصل بين مواطنين سوريين في منطقة الرويسات_الجديدة، والذي سقط بنتيجته قتيلان أيضاً. تزيد مثل هذه الأحداث منسوب التوتر مع السوريين المقيمين واللاجئين في لبنان، ويشبه البعض هذه الصراعات والنزاعات، بأخرى كانت تحصل سابقاً ، في فترة ما قبل الحرب الأهلية وخلالها، بين عناصر فلسطينية من تنظيمات مختلفة أو متنافسة. وبالتالي تجد هذه الأحداث من يغزل من حولها ويراكم عليها في سياق تقديم طروحات مضادة لمثل هذا الوجود.
هنا يتكرر السؤال إذا ما كانت هذه الأحداث بنتيجة ظروف موضوعية، أم أن هناك أياد خفية تعمل على تحريكها أو الإستثمار بها، في سبيل الذهاب إلى وقائع جديدة، لا تبدو مؤشراتها مطمئنة.