بعد تسع سنوات من الانقطاع، تعود الانتخابات البلدية إلى دائرة بعلبك-الهرمل على صفيح ملتهب ومتأجج حيث وصف الاستحقاق السياسي بـ «الحامي»، نظرا لأهميته البالغة في واحدة من أكثر المناطق اللبنانية تعقيداً، سواء من حيث التوازنات الطائفية والسياسية.ويتوزع هذا الاستحقاق على ثلاث مدن كبرى تعكس التنوّع الديموغرافي والسياسي في المنطقة، حيث يتمثل التوزيع الطائفي في الحضور الشيعي القوي الى جانب الوجودين السنّي والمسيحي، مع تفاوت النسب بحسب الطابع المذهبي في كل منطقة.ومع انطلاق الاستحقاق في محافظتي البقاع وبيروت، تباينت التحليلات بين من اعتبر أن السباق البلدي تمهيد للانتخابات النيابية، وبين من رأى فيه إثبات وجود. وفي جميع الأحوال، تُعدّ الانتخابات البلدية بلا شك «بروفا» للاستحقاقات الوطنية الأكبر.
الهوى «القواتي» غلاّب!
ففي دير الأحمر، لم تكن التحالفات معقّدة سياسيا، إذ إن الهوى السياسي فيها معروف، ويقصد به القوات اللبنانية، حيث ظلت التحالفات ضمن الإطار العائلي البحت، باستثناء بلدة شليفا التي تقع خارج اتحاد بلديات دير الأحمر. ويُنتظر أن يُمهّد فوز إحدى اللوائح في شليفا لدخولها الاتحاد البلدي، علما أن اللائحة المنافسة هناك تضم مرشحا قواتيا وآخر من التيار الوطني الحر.ويبلغ عدد الناخبين في دير الأحمر نحو سبعة آلاف ناخب، موزعين على 12 قلم اقتراع، وسُجل إقبال خجول في ساعات الصباح الأولى. وتُعتبر لائحة «سوا بنحبها سوا بنعمرها» لائحة توافقية جامعة لمختلف الأطياف الحزبية، وقد وُصفت المعركة بـ«الشكلية». إلّا أن وجود مرشحين مستقلين أبقى على النفس التنافسي في البلدة.
المواجهة «ملتهبة» والنفس الحزبي «ساخن»
أما في القاع، فقد سيطر الهوى الحزبي على المشهد، إذ شهدت البلدة احتشاداً جيداً للناخبين. وتتنافس في البلدة لائحتان: الأولى برئاسة بشير مطر، رئيس البلدية الحالي المدعوم من القوات اللبنانية، والثانية «لائحة أهل القاع» المدعومة من التيار الوطني الحر. وتُعدّ المعركة سياسية – عائلية بامتياز، نظرا لانقسام العائلات على خلفية عدم التوافق على لائحة واحدة.أما في جديدة الفاكهة، فالمعركة كما اعتبرها أهالي المنطقة، «معركة أهلية بمحلية» وتتوزع المقاعد البلدية بين السنّة والمسيحيين وفق التوزيع الطائفي في المنطقة.
هل ينصف هذا الاستحقاق الوطني «مدينة المعابد»؟
بالتوازي مع ذلك، انطلقت الانتخابات في بعلبك ضمن أجواء هادئة نسبية، حيث توجه 298,575 ناخبا إلى 124 مركز اقتراع موزعة على 461 قلم اقتراع لاختيار أعضاء 58 بلدية. وقد فازت 18 بلدية بالتزكية، منها مزرعة التوت، اليمونة، بوداي، جبعا، فلاوى، حدث بعلبك، قرحا، حلبتا، زبود، اللبوة، قليلة الحرفوش، جبولة، التوفيقية، مقراق، نبحا، الأنصار، طليا، وحورتعلا.في هذا السباق، جرى انتخاب 293 مختاراً، فاز أكثر من 60 منهم بالتزكية. أما في مدينة بعلبك، التي تضم 37,142 ناخباً، فقد شهدت منافسة بين لائحتين مكتملتين من 21 عضواً، الأولى تحمل اسم «التنمية والوفاء» والثانية «بعلبك مدينتي»، حيث ضمّت كل منهما مجموعة من المرشحين المحليين الذين خاضوا معركة انتخابية حامية.
وفي انتخابات مختاري المدينة فاز مختاران في حي البرانية، في ما لا يزال التحدّي قائماً في ستة أحياء أخرى لاختيار 33 مختاراً موزعين على أحياء الريش الشرقي والغربي، النبي انعام، حي غفرة، حي الصلح، حي القلعة، بالإضافة إلى مختار واحد في عدة أحياء صغيرة.ومن ناحية اللوجستيات، تم نقل أربع مراكز انتخابية إلى مبانٍ جديدة لتأمين خدمة أفضل للناخبين، منها دار المعلمين والمعلمات في رأس العين ودار الحنان في ساحة ناصر.
أما في قضاء الهرمل، فقد شهد الاقتراع إقبالاً ملحوظاً، حيث بلغت نسبة التصويت 14% في مدينة الهرمل، و16% في بلدة الشواغير، و18% في بلدة الشربين، دون تسجيل أي مشاكل أمنية خلال العملية الانتخابية. وقد شهدت انتخابات البلديات والاختيارية في هذه المنطقة أجواء تنافسية متباينة، مع وقوع إشكالات متفرقة تطلبت تدخّل الجيش اللبناني للحفاظ على النظام وإعادة الهدوء إلى مراكز الاقتراع.
أما في بلدة عرسال، وقع تدافع بين الأهالي وقوات الجيش بسبب الازدحام الشديد أمام مراكز الاقتراع، حيث قام الجيش بتنظيم حركة الناخبين لتسهيل العملية.في موازاة ذلك، سُجل في بلدة إيعات، إقبال كثيف على صناديق الاقتراع لاختيار 15 عضوا بلديا و4 مخاتير، من بين لائحتين: «لائحة تنمية ووفاء» المدعومة من الثنائي الشيعي، خصوصا حزب الله، ولائحة تضم عددا من العائلات، واعتبر المواطنون المعركة إنمائية. وقد واجه أحد الأقلام مشكلة بانقطاع الكهرباء، لكن تمّت معالجتها بسرعة، وعادت الأمور إلى طبيعتها. وبحسب المعلومات، لم يُسمح للمندوبين الجوّالين بالتواجد داخل مراكز الاقتراع، وهو ما نفاه رئيس القلم. ويتوقع أن تصل نسبة الاقتراع إلى 47%، من أصل أربعة آلاف ناخب موزعين بين روم كاثوليك وموارنة وشيعة وسنّة.وقد هيمن الحضور الشبابي على المشهد الانتخابي في جميع المحافظات التي شهدت الانتخابات البلدية، مع مشاركة نسائية لافتة في مختلف المناطق.