في انتظار نضوج معطيات اقليمية ودولية جديدة ،على خط خطوط التواصل المفتوحة على كل الاحتمالات بين عواصم القرار، عاد المشهد الامني الى الواجهة من جديد، هذه المرة تحت عنوان “عوكر”، مع استهداف السفارة الاميركية من خلال عمل امني، قد يكون بسيطا في الشكل لا يهدف الى ايقاع الاذى بقدر ايصال رسائل، الا انه كبيرا وقد يكون كارثيا قياسا لتداعياته، وما قد يترتب عليه من نتائج على اكثر من صعيد.
فالسفارة التي بنيت حولها الاساطير خلال الاسابيع الماضية، من ضخامة منشآتها، الى اهداف اقامتها، ودورها المستقبلي، ظهرت بالامس ضعيفة قابلة للاختراق الامني، بعدما نجح المعتدون بتخطي كل الاجراءات الامنية والوصول الى امام مدخلها الرئيسي، حيث قام مَن بداخلها باطلاق النار باتجاه مدخل السفارة، قبل ان تنسحب الى قاعدتها بامان، مخترقة المربع الامني المحصن المقام “بالفوتة وبالضهرة”.
وبعيدا عن التحليلات والنظريات المتسرعة حول الجهة التي خططت ونفذت، في ظل غياب اي معلومات، حتى لدى الجهات المولجة بالتحقيق التي لم تتوصل الى الامساك باي خيط، نتيجة “العملية النظيفة” المنفذة، حيث لم يترك المنفذون اي ادلة او يقترفوا اي خطأ حتى اللحظة، اشارت مصادر مواكبة للاوضاع الامنية ان ما حدث من استهداف للسفارة الاميركية، وهو عمل امني استخباري بامتياز خطط له ونفذ بحرفية عالية وبعد رصد ومتابعة، فضلا عن ان توقيته جاء في وقت حرج وتزامنا مع مجموعة من المعطيات، التي تجعل من مروحة المستفيدين والمتضررين والمشتبه بهم كبيرة وواسعة، خصوصا ان كل من العوامل يفتح مسارا قد يتقاطع او يتعارض مع الآخر واهمها:
– تأكيد مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند خلال اجتماع خماسية باريس، على ان واشنطن لن تكون قادرة على الاستمرار في دعم الجيش اللبناني في حال عدم تحقق الاستقرار السياسي.
– احداث مخيم عين الحلوة وما تبعها من كلام عن دخول انتحاريين الى لبنان من سوريا، ومحاولة الربط بين ما يحصل وخطة اميركية لتفجير الوضع، حيث جاء في السياق نشر معلومات مضللة عن قيام قائد القيادة الوسطى بزيارة الى محيط مخيم عين الحلوة واطلاعه على الوضع ميدانيا، خلافا للحقيقة.
– الازمة التي انجرت بين واشنطن وباريس في نيويورك حول الملف اللبناني، نتيجة الموقف الاميركي المتشدد في لبنان، ومعارضة سياسة الانفتاح الفرنسية على حارة حريك، ومراعاة مطالب المحور الممانع،ما يهدد بتفجير مهمة الموفد الفرنسي لصالح تقدم الدوحة الى الواجهة.
ورأت المصادر بان ثمة من يريد تحريك الاوراق الامنية للنيل من ترشيح قائد الجيش، او اقله اضعاف حظوظه، خصوصا بعد النظريات التي سادت عن ان التفجير الامني سيصب حكما في مصلحة العماد جوزاف عون.
وختمت المصادر بان الاسئلة التي خلفتها العملية كثيرة، فمن هي الجهة التي نفذت وخططت؟ وهل من طابور خامس؟ وكيف تمكن الجناة من اختراق المربع الامني المحصن والانسحاب منه بعد العملية؟ الاسئلة كثيرة والاجابات شبه مستحيلة عليها، وقد لا نجدها بشكل مباشر في القريب العاجل، وان كان مسار الاحداث القادم قد يقدم شيئا من الحقيقة “المضيعة” عن سابق اصرار وتصميم.