من استاذ جامعي الى ناطور في المبنى الذي يقطن فيه!!!

Share to:

الديار – ريان الينطاني

«العلم سلاح»، هكذا يقول الآباء والاجداد منذ القدم. وفي السنوات والعقود الأخيرة، وحينما أصبحت العائلات بغالبيتها تلهج بعناء خلف لقمة العيش، كان الآباء يقولون لأبنائهم» ما قادر ورثك شي إلا علمك وشهادتك، رح إتعب لترتاح، بس خليني شوف تعبي أثمر بشهادتك. شهادتك سلاحك، شهادتك بتجبلك وظيفة وحياة كريمة وبتأمنك وبتأمن عائلتك وولادك بالمستقبل»….

هل هذه المقولة لا تزال سارية اليوم؟ راتب الفرد يذهب بنسبة تفوق نصفه على تعليم الابناء والحرص على نيلهم سلاح العلم ليحاربوا به سلاح البطالة والعوز والجوع… ولكن، أين هم اللبنانيون اليوم؟ وما حال المتعلمين ؟ هل بالفعل تكفيهم شهاداتهم ليحيوا حياة كريمة؟

داهم التردي الاقتصادي كل الناس على اختلاف شهاداتهم ومواقعهم (باستثناء النفعيين الساسة)، وأدى تدني قيمة الليرة أمام الدولار إلى ازمة كبرى جعلت القيمة الشرائية معدومة. كان جليا في السنة التي قضت تمكن القطاعات كافة من مجاراة التضخم وارتفاع الدولار عبر تقديم خدماتها وانتاجها بالدولار حصرا او بحسب سعر الصرف. واما من بقي وحيدا خارج هذه المعادلة، فهو القطاع التربوي والاستاذ المدرسي والجامعي، بحيث لم تزل جهوده تفوق الفتات التي يتقاضاها والتي بالغالب لا تسدّ رمقه ولا تعفي عائلته من الجوع والفقر والعوز والقلة وما يتبعها من ضغط نفسي كبير.

لقد وصل الحال باستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية إلى أن يتخلى عن وظيفته في التعليم للعمل كناطور للبناية حيث يسكن. كيف لواقع مزر ان يوصل أساتذة الجامعة اللبنانية إلى ما وصلوا إليه، حيث لا يكفي راتبهم بدل النقل، وباتت شهادة الدكتوراه لا تكفي لتأمين حياة كريمة لهم ولعائلاتهم.

وفي استقصاء حول الاسباب التي دفعت هذا الاستاذ الجامعي إلى قراره، تجد أن الحزن والحرقة وقلة الحيلة والقهر والغضب يختزن صوته وكلماته. فيقول « كيف لي ان اهتم باسرتي، أنا استاذ جامعي والدكتوراه التي حصلت عليها لم تحفظ قوتي وكرامتي ولا حفظت ابنائي .كيف لمبلغ يوازي ستون الف ليرة في الساعة، ولا يتم قبضها إلا بعد نفاد الصبر والروح أن تكفي لإعالة أبنائي، فمع احترامي وتقديري لكل العمال لا يوجد عامل في أي عمل كان يقبل ان يتقاضى مبلغ دولار واحد وفتات مقابل ساعة عمل».

ويتابع ليقول» لفتني ناطور المبنى حيث اسكن، حينما استقال رافضا راتبه الذي يتقاضاه، علما ان تكاليف سكنه والماء والكهرباء يدفعها سكان المبنى وطالب براتب ستة ملايين ليرة…وهو ما يساوي المبلغ الذي اتقاضاه من الجامعة اللبنانية.وحينما درست الامر طلبت من جيراني التمهل في اخذ القرار، وبعد تفكير دام ليلا كاملا، قررت ان اعمل انا ناطورا في المبنى الذي أقطن فيه، فاوفر غلى نفسي كلفة المواصلات اليومية، وكلفة الكهرباء والماء… وارسل عائلتي إلى قريتي واوفر مالا لم استطع توفيره بكل العناء الذي قدمت».

هذا النموذج ليس وحيدا، فكم من متعلم القى بشهاداته في ادراج النسيان او في أحسن الحالات على جدران غرفة الاستقبال في بيت أهله. كم من متعلم يبحث عن فرصة عمل لينتهي به الامر في وظيفة لم تكن تتطلب سني درسه، ولا تجلب له سوى التعب النفسي …

أصبح دوام المعلمين يتجاوز الخمسة عشر ساعة في اليوم لمعظمهم ، فيتنقلون بين دوام مدارسهم وجامعاتهم ودوام الدروس الإضافية والخاصة أو الأعمال الأخرى ليضيفوا إلى رواتبهم الهشة بعض الدعم.

أيّ حال وصل إليه اللبنانيون؟ وأيّ تردي ينتظرهم بعد؟ كيف سيصارع المعلمون لاجتياز هذا الواقع الصعب. كيف لشريحة مقهورة ومعدمة، يوكل إليها تربية جيل الغد أن تكون مهمشة ومعوزة ومقهورة، يصارع فيها الفرد للبقاء على قيد الكرامة. ما الجيل الذي تنتظرون تربيته ما دام الواقع الضاغط نفسيا قاهرا. أين المعنيون ، أما آن لهذا السبات ان ينتهي؟

Exit mobile version