كامل مهنا لموقع لبنان بالمباشر: ” نعمل على تصليب المجتمع. شعارنا هو اشبع ثم تفلسف”
تنوعت حالات الفعل المقاوم مما هو أبعد من أدوات السلاح، إلى معان متعددة تنهض بالانسان إلى صلابة ذاتية هي درع المقاومة وسندها الرئيس. فثمة مقاومة من نوع اخر أسمها الامل المضيئ، والتي هي تصليب وتحصين المجتمع في مواجهة الازمات التي قد تعصف به. لقد أتسع مفهوم الامل المضيئ وبات لصيقاً بمفهوم الشجاعة والصمود في الميدان. أنها مقاومة تميزت بها مؤسسة عامل في سبيل الحفاظ على الانسان سلاحها الاساسي التعالي عن المصالح الشخصية، فتحصين المجتمع في مواجهة الفقر والعوز والانهيارومقاومة الضغوط من اجل دفعه الى الاستسلام هي معركة ايضاَ لاتقل أهمية عن المعركة في الميدان مع العدو. حول هذه التجربة الفريد والغنية ألتقى موقع “لبنان بالمباشر” بالدكتور كامل مهنا مدير ومؤسس جمعية عامل حيث كان هذا الحوار حول ماضي المؤسسة وحاضرها ومشاريعها المستقبلية.
اجرى الحوار: ندى عبد الرزاق – نبيل المقدم
لم يكن سهلاً ولادة مؤسسة تطوعية مدنية أهدافها انسانية بحت كموسسة عامل في ظروف كالظروف التي يعيشيها لبنان منذ اربعة عقود من الزمن وحتى اليوم. اخبرنا عن البدايات
بداية يسرني أن أرحب بكم في المركز ألرئيسي لمؤسسة عامل، وأشكر أهتمامكم بألاضاءة على المؤسسة، والتي هي مؤسسة مدنية غير طائفية .تنتشر مراكزها على كل ألاراضي اللبنانية، وتقدم خدماتها لجميع المحتاجين مهما كانت جنسيتهم أو دينهم. نحن نؤمن بأن حبة الدواء مثل رغيف الخبز يصعب ان تمنحها هوية حزبية.
تأسست عامل (الهيئىة الوطنية للعمل الشعبي)، والتي اكثر ما ترمز ألى منطقة جبل عامل حيث عانت المنطقة تاريخيا من الحرمان وتسلط الاقطاع، والذي عشته شخصيا ودفعت ثمنه غالياً مع عائلتي في مواجهته. انا ابن بلدة الخيام ومنطقة جبل عامل هذه المنطقة التي لها حضورها في وجدان كل الوطنيين والقوميين فهي منطقة تضم جميع مكونات المجتمع اللبناني. وهي المنطقة التي تتجاور مع شمال فلسطين المحتلة وجنوب سورية، وكان اشقائي الاكبر سناً يتجولون سيراً على الاقدام أو ركوباً على الدواب ما بين بحيرة الحولة والمزارع والبلدات الفلسطينية عند بلدة المطلة. وكان سكان جبل عامل يقصدون يومياً الداخل الفلسطيني للتبضع أو العمل. وبعدبعد احتلال فلسطين عام 1948 من قبل الصهاينة. اضطر عدد كبير من السكان للنزوح عن اراضيهم. قسم منهم جاء الى منطقة جبل عامل وسكن عند اقارب له حيث بقيوا هناك حتى عام 1952 حيث تم نقلهم إلى احزمة البؤس والتي يطلق عليها اليوم أسم المخيمات الفلسطينية. أذا فلسطين شكلت بداية الوعي السياسي لقضايا الامة وهموها، هذه الهموم حملتها معي ألى فرنسا حيث سافرت للتخصص في الطب. في فرنسا أيضا كان النضال مستميتاً من اجل كرامة الانسان العربي وحقه في الحياة، حتى انه صدر قرار عن السلطات الفرنسية بأبعادي عن الاراضي الفرنسية بسبب نشاطي السياسي.
كيف ولدت مؤسسة عامل وفي أي ظروف نمت وتطورت؟
انشئت مؤسسة عامل جمعية مدنية غير طائفية في اعقاب العدوان الاسرائيلئ على جنوب لبنان عام 1978، والذي عرف بعملية الليطاني.والذي نتج عنه عدد كبير من النازحين والمهجرين.على ضوء هذا المشهد شعرنا نحن مجموعة من الشباب اليساري الملتزم قضية فلسطين ان عليناً واجباً تجاه هولأ والذين كانوا يحتاجون ألى كل انواع الرعاية الصحية والاجتماعية.وخاصة ألادوية واللقاحات. وتامين سكن بديل.في بداية عام 1979 كانت الفكرة قد نضجت وقررنا أنشاء مؤسسة عامل لتعمل في إطار الحركة الوطنية كانت البداية من نقطة الصفر تقريباً .حيث تحولت عيادتي في منطقة البربير إلى غرفة عمليات لمؤسسة عامل.بدأنا من دون مساعدات ولاترخيص. وكنا نحصل على لقاحات ألاطفال من من وزارة الصحة واليونسيف.بعد ذلك جاء من يقدم لنا يد العون. الراهبة مونزي،وهي راهبة أيطالية تعرفت عليها أثناء وجودي في الدامور خلال حرب السنتين لمساعدة النازحين من تل الزعتر، والتي لم تتردد في وضع علاقاتها العميقة مع مجلس الكنائس العالمي في تصرفنا.فأصبحت تاتينا المساعدات من هولندا وسويسرا.مما مكننا من متابعة عملية تلقيح الاطفال حيث وصل العدد إلى 20 الف طفل،ولكن الانطلاقة الفعلية لمؤسسة عامل كانت عام 1982 خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان.يومها كانت الدولة غائبة تماماً عن المشهد الصحي في بيروت الغربية والضاحية والجنوبية.فقمنا بتأسيس ثلاث مستشفيات ميدانية مجهزة بحوالي سبعين سريراً. كما تمكنا ايضا من ارسال 1200 جريح للعلاج في الخارج وتركيب 400 طرف صناعي لمصابي الحرب. من خلال عملها الجدي والمسؤول تمكنت مؤسسة عامل من أن تحظى بسمعة طيبة، وتمكنت أيضاً من بناء شراكات مع منظمات دولية وغير حكومية في فترة وجيزة من الزمن.مما دفع العديد من المنظمات الغير حكومية للتنسيق مع عامل ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في تلك الفترة.بعد ذلك وبمرور الوقت وتطور الاحداث نمت عامل وتوسعت ليصبح عدد مراكزها ثمانية وعشرين مركزاً مجهزة بثلاثين سيارة أسعاف حاضرة لتقديم خدماتها في أي وقت.واليوم تملك عامل ست عيادات نقالة. ويعمل فيها حوالي 1100 متفرغ.شعارهم الاساسي “كيف نعمل على تعزيز أنسانية الانسان.يمعزل عن هويته الدينية والمناطقية” . كما قمنا بشراء مبنى على طريق المطار لتحويله ألى مستشفى. كذلك قمنا بشراء عقار في منطقة صور من اجل تشييد مستشفى على أرضه.وانشائنا . هيئة رعاية برئاسة الرئيس سليم الحص اطال الله بعمره وأعطاه الصحة والعافية.
كيف تعاطيتم مع الازمة السورية ؟
ليس هناك من شك أن الازمة السورية كان لها تداعيات كبيرة على لبنان سياسياً واجتماعية .وانطلاقاً من دراسة للواقع على الارض أعدت مؤسسة عامل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني خطة طوارئ عام 2012 لمواجهة هذه الازمة التي هي بحجم الكارثة بالنسبة لبلد مثل لبنان.فلم يحدث قط منذ مجزرة رواندا عام 1994 أن اضطر بلد بحجم لبنان يعاني ما يعاني من ازمات اقتصادية وسياسية إلى استضافة هذا العدد الهائل من النازحين خاصة في ظل ضعف الدعم الدولي للاجئين وللمجتمع المضيف على حد سواء.لقد استطاعت عامل ان تحتوي جزء من انعكاسات الازمة على لبنان عبر برامجها وعملها معا مع المؤسسات الرسمية والدولية.ومن الضروري هنا القول ان وضع الاجئين السوريين في لبنان كارثي ،خصوصاً ان 70 % من الاجئين هم تحت خط الفقر ويتوزعون على 1700 مخيم عشوائي .
هل كانت الازمة السورية هي السب في انتقالكم الى مصاف نادي المؤسسات الدولية؟
تجربة عامل في التعاطي مع النازحيين السوريين اطلع عليها نواب من الاتحاد الارروبي .الذين قاموا بتفقد اوضاع مخيمات الاجئين في لبنان،وهم دعوا بعد عودتهم ألى اوروبا المجتمعات الاوروبية.إلى الاستفادة من تجربة عامل في التعاطي مع هذا الملف.مستنكرين مخالفة الاوروبيين لشروط الاتفاقية الرابعة لحقوق الانسان. في حين ان لبنان بالرغم من ازماته استقبل مليون ونصف المليون نازح سوري وقدم لهم أقصى ما يمكن من رعاية صحية واجتماعية. ويتاريخ
15 /10/ 2010 تم تسجيل مؤسسة عامل في جنيف كمنظمة دولية غير حكومية وأقامت المؤسسة برامج شراكة مع مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات غير حكومية في مصر والاردن وسويسرا والمانيا وغيرهم من الدول.وخلال السنوات القليلة الماضية أصبحت زيارة مراكز مؤسسة عامل جزء من برامج المسؤولين الدوليين والحكوميين. اثناء زيارتهم للبنان.وكان ابرزهم الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند والرئيس والامين العام السابق للأمم المتحدة “بان كي مون” ووزاء دول اوروبية مثل المانيا وانكلنرا وفرنسا وهولندا.و هذا ان دل على شيئ فانه يدل على الاحترام والتقدير للجهود التي تبذلها هذه المؤسسة على الصعيد الانساني.
واليوم أصبح لمؤسسة عامل مراكز في أكثر من بلد في العالم.فاصبح لها فروع في فرنسا وبلجيكا وسويسرا .وكان من ابرز الادوار التي قامت بها على الصعيد الدولي هي المشاركة في اغاثة المنكوبين بعد العاصفة التي هبت في هيوستن في الولايات المتحدة في شباط الماضي .واليوم المؤسسة هي بصدد تجهيز طائرة محملة بالادوية والمعدات الطبية لمساعدة اهلنا في فلسطين المحتلة. كما ان هناك مشروع اخر اعلن عنه مؤخراً وهو أرسال مئة الف كتاب ألى غزة لدعم العمل الثقافي بعد تدمير اسرائيل للمراكز الثقافية هناك
هل اقترب موعد نيلكم جائزة نوبل
من المعروف للجميع أن جائزة نوبل لها طابع سياسي، ولكن مع ذلك يمكننا القول أن اهتمام مؤسسة عامل الدولية بالاجئين وارتباك اوروبا بشأنهم وعدم رغبتها في استضافتهم، كل ذلك يجعل احتمال نيل مؤسسة عامل الدولية لجائزة نوبل للسلام أمراُ منطقيا ومعقولاُ جدا، خاصة بعد الجهد الذي بذلته المؤسسة لاستيعاب الاجئين واحتوائهم قبل ان يقفزوا إلى اوروبا. اذا انطلاقاً من هنا يبدو أن امر نيلنا الجائزة هو أمر منطقي، انطلاقاً من العقل الاوروبي الاناني الذي يهمه بقاء الاجئين بعيدين عن أرضه، وله مصلحة حقيقية بدعم الجهات التي تناضل من أجل حصر اضرار هذه القضية.لاشك ان منح مؤسسة عامل جائزنوبل للسلام أن حصل هو نصر للبنان وسمعته أضافة إلى كونها مدخلا هاماً لإستجلاب التمويلات والتبرعات التي يحتاج لها لبنان لللاستمرار في تحمل عبء الاجئين.
ماذا تقول أخيراً؟
طبعا نحن كمؤسسة لانسطتيع ان نستجيب لكل حاجات الناس، ولكننا نعمل بأقصى طاقة ممكنة في ظل الازمة الخانقة التي يعيشها هذا البلد. نحن نعمل كل ما في وسعنا من خلال برامجنا اليومية وشعارنا هو “التضامن وليس الشفقة”، نحن نقدم النموذج الذي يجب ان يقتدي به الجميع.