المصدر: نداء الوطن
حملت المسيّرات تحت أجنحتها “رسالة مشفّرة” في المقابل إلى الدول العربية “تذكّر بسطوة “حزب الله” ومحوره الإقليمي على مجريات الأحداث اللبنانية”، كما رأت مصادر ديبلوماسية، معتبرةً أنّ هذه الرسالة التي تزامنت مع انعقاد الاجتماع التشاوري على مستوى وزراء الخارجية العرب على الأراضي اللبنانية “عزز وجهة النظر العربية التي ترى استحالة إصلاح الأوضاع في لبنان طالما بقيت الدولة ملحقة بأجندة “حزب الله” الاستراتيجية وقرارها مُصادراً في الحرب والسلم كما بدا (السبت) من إبداء المسؤولين اللبنانيين تفاجئهم أمام المسؤولين العرب من خبر إطلاق الحزب مسيّراته من دون أن يكون للدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية أي علم مسبق بالموضوع”.أما عن “الرسالة” التي رأى “حزب الله” أنها “وصلت” في البيان الذي أصدره لتبنّي “إطلاق ثلاث مسيرات غير مسلحة” باتجاه حقل كاريش بعد ظهر السبت، فتلقفتها إسرائيل “للتملّص من مفاوضات ترسيم الحدود وتحميل لبنان مسؤولية إفشال الوساطة الأميركية في هذا المجال بذريعة أنّ الدولة اللبنانية غير قادرة على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية”، وفق ما رأت المصادر عبر “نداء الوطن” التي أعربت عن أسفها لكون “إسرائيل بدت أكبر المستفيدين” من هذه الخطوة التي أقدم عليها “حزب الله” بحيث منحتها “الحجة لتحريض الوسيط الأميركي على لبنان والهروب إلى الأمام نحو تبرير استكمال عمليات استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها بمعزل عن مفاوضات الترسيم”.
وعلى ما يبدو فإنّ الخطة الإسرائيلية أتت ثمارها في ضوء المعلومات التي نقلتها قناة “الجديد” وكشفت عن أنّ الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين أجرى اتصالات بمسؤولين لبنانيين معنيين بملف الترسيم بينهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، طالباً توضيحات لما جرى بشأن عملية إطلاق “حزب الله” طائرات مُسيّرة باتجاه حقل كاريش، محذراً من أنّ هذه العملية “من شأنها إيقاف جهود التفاوض وقد تؤثّر على الإيجابية التي رشّحت عن المُحادثات الأخيرة”.وكان رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد يائير لابيد ووزير دفاعه بني غانتس قد شددا على أنّ “حزب الله يقوّض قدرة الدولة اللبنانية على التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية”، مع التأكيد في المقابل على احتفاظ إسرائيل “بحق التصرّف والردّ لمواجهة أي محاولة لإلحاق الأذى بها” وأنها “مستعدة للدفاع عن بنيتها التحتية ضد أي تهديد”، في حين تعامل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بخفة وتهكّم مع الحادثة مغرداً تحت هاشتاغ “دعاية فاشلة” بالقول: “رسالة المقاومة وصلت ومسيّراتهم دمّرت في عقر دارها (…) حزب الله يورّط لبنان ورسالتنا وصلت”، وأضاف: “وفروا مصاري المسيّرات لطّعموا شعبكم”.
وفي سياق ينذر باحتمال أن تؤدي أي خطوة مستقبلية غير محسوبة العواقب على الجبهة اللبنانية الجنوبية إلى انزلاقة عسكرية تتحيّن إسرائيل من خلالها الفرصة للانقضاض على لبنان والإجهاز على شعبة المنهك اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، توالت التسريبات الإعلامية الإسرائيلية خلال نهاية الأسبوع لتضخيم حجم التهديدات الآتية من لبنان فجرى تعميم أجواء تشير إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي يدرس الرد عسكريًا على “حزب الله” بعد إطلاقه طائرات مسيرة من دون طيار فوق حقل كاريش”، مع إثارة مخاوف في الإعلام الإسرائيلي من الخروقات الأمنية التي يقوم بها “غواصو” الحزب تحت المياه الحدودية لاستطلاع التكنولوجيا الإسرائيلية ومن أنه سيعمد في المرات القادمة إلى “إرسال موجة كبيرة من الطائرات من دون طيار محمّلة بالمتفجرات” باتجاه إسرائيل.
ورسالة «حزب الله» وان كانت استطلاعية غير عسكرية، لكنها كفيلة بان تفرمل المفاوضات الحدودية وتعيدها الى نقطة الصفر، او سيصار الى تجاوزها طالما انها استطلاعية ولاسرائيل سوابق بالجملة حيث ان طائراتها الاستطلاعية لا تغادر الاجواء اللبنانية.
منذ بعث «حزب الله» برسالته والموضوع قيد المعالجة حيث من المتوقع ان يعمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبو صعب على تطويق ذيول الموضوع، ومحاولة استئناف المشاورات بشأن ما حملته السفيرة شيا موفدة من هوكشتاين والمتعلق بالرد الاسرائيلي. على ان يكون اليوم مفصلياً فإما تطوى صفحة المسيّرات ويتم تجاوزها وهذا معناه القفز فوق «حزب الله» الذي قال الأمر لي في هذا الملف، أو طيّ ملف المفاوضات حول الحدود.وبين التجاهل الكلي من اركان الدولة للدلالات الخطيرة التي اكتسبها تطيير “حزب الله” ثلاث مسيرات، ولو منزوعة الصواريخ والمتفجرات، فوق حقل “كاريش”، واكتفاء وزير الخارجية بالتقليل من “البعد الحربي” لهذا التطور، شكل ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل “حقل الرماية” الأساسي في الرسائل المتعددة الأهداف التي تطايرت من المسيرات التي دمرتها إسرائيل. ذلك ان اخطر الاستهدافات اطلاقا تمثل في انزلاق مفاوضات الترسيم، بعدما تبلغ الرؤساء الثلاثة ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من السفيرة الأميركية دوروثي شيا رسميا معطيات إيجابية عن تقدم يحرزه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين تمهيدا لاستتئناف المفاوضات غير المباشرة حول ملف الترسيم، نحو تداعيات مواجهة محتملة مباشرة بين “حزب الله” وإسرائيل، وبالواسطة بين إسرائيل وايران، بما يهدد هذه المفاوضات بالاخفاق واثارة توترات إقليمية. يؤكد ذلك ما نقل من ان احدى ابرز الرسائل التي أراد “حزب الله” اطلاقها يوم السبت يتصل بالرد على انتهاك إسرائيل للأجواء اللبنانية صباح السبت في استهدافها ما ذكر بانها مخازن أنظمة دفاعية إيرانية ولـ”حزب الله” في جنوب طرطوس، بما يدلل في حال صحة ذلك الى ارتفاع خطير في وتيرة التوتر الإقليمي الرباعي الذي يشمل إسرائيل وايران وسوريا و”حزب الله” وتمدد هذه التطور العملاني نحو ملف الترسيم والتنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل.
واذا كان هذا البعد يبدو الأكثر جدية في مضمون التصعيد الجديد، فمن غير الممكن أيضا تجاهل مغزى حصول هذا التطور تحت انظار وزراء الخارجية والمندوبين العرب الذين كانوا مجتمعين في بيروت السبت الماضي.
لذا بدت الدولة اللبنانية، في تجاهلها كل هذه الدلالات كأنها تثبت واقع تغييبها واستسلامها لكل العوامل الذي تجعل دورها شكليا وهامشيا ومستتبعا.