في ظل تعاظم الاعتداءات العسكرية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي، شهد لبنان موجة نزوح ضخمة، حيث ترك ما يقارب المليون وأربعمائة ألف لبناني مناطقهم المتضررة. توزّع هؤلاء على أكثر من 900 مركز إيواء في مختلف أنحاء البلاد، غير أن هذه الاماكن تفتقر إلى التجهيزات الصحية الأساسية. ومع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد المخاوف من تفشي الأمراض التنفسية، مما يضع حياة المهجرين والنساء الحوامل خصوصا في خطر.
بيئة مثاليّة للفيروسات
تعاني مراكز الإيواء في لبنان من غياب وسائل التدفئة المناسبة ونقص التهوية الجيدة، مما يجعلها بيئة خصبة لانتشار الأمراض التنفسية. وتشير التقارير الميدانية إلى تكاثر في حالات نزلات البرد والسعال المستمر بين النازحين، ويُتوقع أن تتفاقم هذه الاوضاع مع حلول الشتاء. ومع تزايد الاكتظاظ وافتقار المراكز إلى الأدوات الطبية الأساسية، يبرز خطر مضاعف على الفئات الضعيفة، بخاصةً النساء الحوامل والأطفال عموما، والرضع على وجه الخصوص.
الأنواع والأعراض
يوضح مصدر طبي في مستشفى كليمنصو لـ «الديار» ان «الأمراض التنفسية الأكثر شيوعا، يمكن أن تزداد سوءا في ظروف الإيواء السيئة»، وتشمل:
– نزلات البرد: تصيب هذه العدوى الفيروسية الجهاز التنفسي العلوي، وتنتقل بسهولة في الأماكن المزدحمة. تشمل أعراضها السعال، التهاب الحلق، واحتقان الأنف، ويمكن أن تشتد لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.
– الإنفلونزا: يظهر هذا الفيروس الشديد المعدي في الشتاء، وله أعراض حادة مثل الحمى وآلام العضلات والتعب الشديد، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطرة كالتهاب الرئتين.
– التهاب الشعب الهوائية: تؤدي هذه العدوى الى التهاب الشعب الهوائية، وتتميز بسعال مستمر وضيق في التنفس، حيث تزداد حدتها في البيئات الباردة والرطبة.
– الالتهاب الرئوي: عدوى مهلكة تصيب الرئتين وتؤدي إلى امتلائهما بالسوائل، مما يعيق التنفس السليم، وإذا لم تُعالج بسرعة قد تصبح قاتلة.
– الربو: مرض مزمن يزداد خطره بسبب التعرض للبرد والرطوبة، وينجم عنه نوبات تنفسية تستدعي التدخل الطبي الفوري.
البيئات المكتظة جحيم!
ويؤكد المصدر الطبي انه «في ظل الاحتشاد الكبير، تنتقل الفيروسات التنفسية بسهولة بين النازحين بسبب عدم توفر التهوية الجيدة. لذا، يسهم هذان العاملان في انتقال الأمراض عبر الهواء، بالإضافة إلى أن نقص الكمامات وأدوات الوقاية يجعل الوضع أسوأ».
وفي هذا السياق، يقول أحد مسؤولي الإغاثة لـ «الديار»: «ينام الناس على الأرض في ظروف بائسة، ولا توجد أي وسائل لتوفير الحماية أو الأدوية الأساسية. يفاقم هذا الوضع بشكل ملحوظ المخاطر الصحية لجميع الفئات العمرية، وقد يؤدي إلى تفشي واسع للأمراض. وعلى الرغم من الصعوبات، نحاول قدر الإمكان تأمين الاحتياجات الأساسية»، لافتا الى «ان حوالى 40% من النازحين يعانون من رشح وسعال جاف».
شهادات حيّة: الالم والخوف!
وفي الإطار، قامت «الديار» بزيارة ميدانية لأحد مراكز الإيواء في منطقة البقاع، واعربت أم علي، وهي أم لثلاثة أطفال، عن قلقها الشديد قائلة: «يعاني ابني الصغير من سعال حاد منذ أسبوع، ولا أستطيع توفير تدفئة كافية له، والطقس هنا بارد جدا مساء. أخشى من أن تتدهور حالته ويصاب بالتهاب رئوي».
ويقول أبو حسين، رجل مسن نازح: «أعاني من ضيق في التنفس وسعال مستمر منذ وصولي إلى هذا المركز. الجو هنا بارد ورطب، وأنا خائف على صحتي».
تأثير الأمراض التنفسية
في الفئة الأكثر هشاشة
على مقلب متصل، تشكل النساء الحوامل الفئة الأكثر عرضة للتأثر بالأمراض التنفسية، في ظل هذه الظروف الصعبة. وتوضح الطبيبة سناء الحمصي لـ «الديار»، أن «النساء الحوامل لديهن جهاز مناعي أكثر حساسية، مما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بالعدوى التنفسية. لذلك، يمكن ان تؤثر أي مضاعفات تنفسية في صحة الجنين، مثل نقص الأكسجين أو الحمى المرتفعة».
وتحذر من أن «الإنفلونزا، إذا لم تُعالج بشكل صحيح، قد تؤدي إلى مضاعفات جسيمة على الحامل، بما في ذلك الولادة المبكرة. لذلك، نوصي بتوفير لقاحات الإنفلونزا للنساء الحوامل في مراكز الإيواء، مع ضرورة متابعتهن طبياً بشكل منتظم».
المخاطر على المجتمع الأوسع
وتشير الطبيبة الى ان «انتشار الأمراض التنفسية في مراكز الإيواء لا يفتك فقط بالنازحين، بل قد يشكل تهديدا على المجتمع اللبناني الأوسع. مع تزايد التنقل بين مراكز الإيواء والمجتمعات المحلية، قد تنتقل العدوى إلى سكان المناطق المجاورة، مما يزيد الضغط على النظام الصحي في البلاد. لذا، إذا لم تُتخذ الإجراءات اللازمة، فإن تفشي الأمراض التنفسية قد يؤدي إلى موجات من العدوى التي قد تعمق الأزمة الصحية في لبنان».
سبل الوقاية والعلاج
وتنصح «بعدة تدابير احترازية للحد من انتشار الاعراض الصحية التي تنتقل بالعدوى، مثل تحسين التهوية في مراكز الإيواء وتوفير التدفئة المناسبة». كما تشدد على «ضرورة توزيع الكمامات والمعقمات، وتنظيم حملات تطعيم ضد الإنفلونزا. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير الأدوية الضرورية لعلاج الأمراض التنفسية، وتسيير فرق طبية دورية لمتابعة الوضع الصحي على الارض».
الحاجة إلى تدخل عاجل
وتختم «في ظل تزايد أعداد المرضى المصابين بنزلات برد وامراض تنفسية متنوعة، بالإضافة الى النقص في التجهيزات الطبية، يحتاج الوضع في مراكز الإيواء إلى تدخل سريع وشامل من قبل المنظمات الإنسانية والجهات الحكومية. بحيث ان تحسين الظروف الصحية وتأمين العلاج المناسب، قد يمنع وقوع كارثة صحية خلال فصل الشتاء». وتشدد على انه “إذا لم تُتخذ الخطوات اللازمة، فإن الشتاء القادم قد يحمل معه مأساة صحية تؤثر ليس فقط في النازحين، بل تنعكس سلبا على لبنان بأسره».