إعادة تدوير النفايات قائم منذ زمن بعيد في البيئة الطبيعية التي قام بها الانسان في العصر البرونزي فَعَمد الى صهر المواد المعدنية بهدف تحويلها الى أدوات جديدة والاستفادة من الأنواع الأخرى بإدخالها في صناعات محلية عبر ما يسمّى RECYCLYING.
وفي حقيقة الواقع ان الازمة الاقتصادية ربما كان لها أثر إيجابي لجهة التفتيش عن مصالح مبتكرة، تؤمن مردوداً مادياً جيداً وتخلق فرص عمل للكثير من الشباب وعلى مقلب اقتصادي ادخال “الفرش” دولار من خلال بيع المواد التي يتفرّد بها لبنان مهارة وذوقاً ونوعية.
فبعدما كانت هذه النفايات مجرد قمامة أضحت كنزا يدّر أموالا. وما يستحق ذكره في معرض الحديث عن هذا القطاع ان اعداد الذين بدأوا يستفيدون من صنعة إعادة تدوير النفايات تضاعف. وعلى مجرى حضاري بحتْ، الكثير من العائلات باتت لا ترمي نفاياتها في المكبات المتفرّدة لذلك بل يأخذونها بأيديهم الى معامل متخصّصة بتلك المواد مقابل بدل مادي ليكون الفرز من المصدر.
كما اعتمدت الكثير من المواد التي أضحت غير صالحة للاستعمال بتوظيفها في مشاريع تشجّع المواطنين على الاستفادة الملموسة جرّاء إعادة تدويرها من جديد للحفاظ على بيئة نظيفة. وفي سياق متّصل الانتفاع منها ومعظمها مواد أولية وأطلق عليها مصطلحات تبين قيمتها المادية مثل الكنز الاسود ومناجم من ذهب.
بالإشارة الى ان الهدف من RECYCLING هو إعادة اعتماد النفايات لاستخراج منتجات أخرى او جديدة، وانما بمواصفات أحيانا تكون اقل جودة وأخرى تتفوق على المنتج الأصلي، بحسب النوع المراد إعادة تدويره ليخرج بمعايير نخبة اولى.
وما يجدر التلميح اليه، هو ان هذه العملية لها غايات عظيمة، وانعكاسات إيجابية لجهة حماية الموارد البيئية والطبيعة، والتقليل او الحد من النفايات إضافة الى تطوير اليد العاملة في مجال المهن اليدوية وأخرى صناعية جديدة لجهة تمكين القطاع الاقتصادي، بالإشارة الى الأثر الجمالي والصحي على المحيط وتأثيره على الانسان والنبات والحيوان.
إعطاء “النكيشة” بطاقات من وزارة البيئة
“الديار” التي كانت انطلقت بسلسلة كاملة من التحقيقات تناولت “النكيشة” واعمال النبش في مكبات النفايات والمطامر العشوائية المتداخلة مع منازل السكان، إضافة الى تغطيتها كل أنواع إعادة التدوير وصولا الى توظيفه في الفن، تسلّط اليوم الضوء على أولى المعامل التي بدأت تنظّم هذ القطاع والذهاب الى ابعد من كل ما تقدم من خلال وضع خطوط أساسية “للنكيشة” المنتشرين على كل المكبات في كافة المناطق اللبنانية، لا سيما ان معملLEBANON WASTE MANAGEMENT يتفرّد بإجراء فريد وهو إعطاء “النكيشة” بطاقات من وزارة البيئة بهدف تنظيمه وملاحقة المخالفين. وما تجدر الإشارة اليه أن إعادة التدوير كان قائما على مبادرات فردية وليس منظماً ضمن معامل طبيعية ومتقدمة وفيها كل الأدوات التي تخدم هذه الغاية. سيمّا ان هذا المعمل يراعي حق الطفولة التي تّستغل في تنبيش النفايات من خلال تكتيك معين سنأتي على ذكره في هذا التحقيق.
وكنا تحدّثنا الى أحد النكيشة الذي فَقد شقيقه الأصغر منه ويبلغ من العمر11 عاماً تم دهسه خطأ في مطمر الجديدة بإحدى شاحنات المطامر، فقال وهو يحمل اكياسا ممتلئة من البلاستيك والألمنيوم والتنك والحديد… والدي قام بدفن اخي الذي توفي دهساً ما لبث ان عاد في نفس اليوم لمتابعة “التنكيش” و “التنبيش” في المطمر المذكور وحتى في المكبّات من خلالنا، ما يعني ان هذا العمل مربح جدا، الا انه خَطِر ومذل ومضني وأتمنى استصدار قرار او مذكرة تمنع عمل القصّر لاستغلالنا في هكذا عمل.
أضاف وهو ممتعض من العمل الذي يقوم به عابسا، كما اننا نحمل اكياسا ثقيلة على ظهورنا ولا أحد يسألنا عن اوجاعنا الجسدية او النفسية وطالبنا في ان نحرّك هذه القضية والتي بدورنا سنحملها الى الجهات المعنية لوضع حدّ لهذه البشاعة التي تحدث بحق هؤلاء الأطفال والقصّر!
فكرة أسّست معملا
الناشط البيئي بيار بعقليني انطلق بفكرة معمل لإعادة التدوير، في محاولة للتخفيف من ضغط النفايات على البيئة، وعلى مقلب آخر المحافظة على هيئة صحية خالية من الامراض ونظيفة جماليا خاوية من الشوائب البصرية حيث ان العين تعشق كما يقال قبل الفم، وأخبر بعقليني “الديار” ان فكرة مشروعه قائمة على إعادة تدوير المخلّفات والاستفادة منها ومساعدة الافراد والجمعيات وحتى البلديات كلٍ في الإطار والمجال الذي يخدمه من خلال حلول مبتكرة للتنمية المستدامة والمنصفة للمجتمعات.
اضاف: لا بد من السير على هذه الخطوة لما تحتاجه المدن لنظم دائمة هدفها تحسين وتطوير وسائل الإنتاج واساليبه وادارته بطرق لا تؤدي الى استنزاف موارد كوكب الأرض الطبيعية كيلا نحمل الكوكب فوق طاقته تعمل على إعادة تدوير نفاياتها التي تتضاعف بشكل مهول لضمان صحة مجتمعاتها ونظافة البيئة الحضرية. ولعل ما يميز هذا المعمل الاستراتيجية التي يعمل بها والتي تنطلق من فكرة الفرز من المصدر.
ولفت بعقليني الى ان هذا المشروع بدأ منذ العام 2019 بمبادرة فردية الا انها ما لبثت ان تطورت لتضم أكثر من 25 موظفا يعملون في معمل إعادة التدوير بشكل يومي يأتون الى حيث يوجد المعمل في المنطقة الصناعية في سد البوشرية. واستتبع بعقليني، أصبح بإمكاننا فرز النفايات بشكل متقن أكثر، فحوالي 5000 آلاف طن منذ بداية انطلاقة المعمل. ولفت الى CONCEPT جديدة تتمثل بمجيء الناس الى المعمل ليصار الى الفرز من المصدر للأفراد الذين يأتون بنفاياتهم ويتقاضون بدلا ماديا عن كل كيلوغرام واحد بحسب نوع الصنف بالإشارة الى الكمية مهما بلغ حجمها او وزنها.
وقال: التمس تجاوباً كبيرا في هذا الإطار لتبدأ المبادرة بمعدل عام واحد حوالي 37 شخصاً يوميا وفي شهر حزيران وتموز ارتفعت النسبة الى 47 شخصا وفي آب تضاعفت الى 56 شخصا ولفت الى تعاظم هذه النسبة لتصل في الوقت الحالي الى 63 شخصا يأتون يوميا الى المعمل أي بمعدل 1.2 طن نشتري منهم النفايات الامر الذي يجعلنا نخلق فرص عمل، ونوظف يد عاملة أكبر. وأشار بعقليني الى الأثر الإيجابي على البيئة، لافتاً الى انه أصبح بمقدورنا شراء 95 طناً من نفايات الافراد في هذا المكان الصغير.
انعكاسات إيجابية… 50% اطفال
دلّل بعقليني الى العمل الذي يقوم به بالمنحى الصائب والايجابي، لا بل والمؤكد للقطاع الاقتصادي هذا من جهة، وعلى مقلب آخر ثقافي لجهة تعليم الناس أهمية وكيفية الفرز من المصدر. ولفت الى ان نسبة كبيرة تفوق 50% من الأطفال هم من زبائننا يأتون بهم اهاليهم وفي أحيان أخرى يحدث العكس أي الأطفال هم من يأتون بذويهم الى المعمل بهدف إعادة التدوير وفي سياق اقتصادي متصل، يتقاضون بدلا ماديا عنها وهذا ما يحثهم على المضي في هذا الاجراء او على مقلب انساني بَحت يتم التبرع بها الى جمعيات كجمعية أطفال السرطان ولمّح الى العديد منها لديهم حسابات في المعمل بالإشارة الى الأثر الاجتماعي الجيد في الوقت عينه.
واشار الى الأصناف التي يتم تدويرها في معمل L.W.M كالورق، الكرتون والبلاستيك إضافة الى الحديد. واكد اننا نقوم بإعادة تدوير الفلّين حصرا في لبنان. وعن الآليات التي يستخدمونها في المعمل قال بعقليني: بطبيعة الممارسة نحتاج الى شاحنات التي تقوم بتجميع النفايات من البلديات إضافة الى فرامات البلاستيك مشيرا الى ان جزءاً منها يتم بيعه محلياً والآخر يصار الى تصديره خارج الأراضي اللبنانية، إضافة الى المكابس التي نكبس بها. ولفت الى فرّامة خاصة للفلّين والتي تعمل على الفرم والكبس في نفس الوقت بهدف زيادة الوزن عند ارسالنا هذه المادة الى المصانع لإعادة تدويرها.
بطاقات عمل “للنكّيشة” واستثناء للقصّر
وتطرق بعقليني الى التعاون القائم بينه وبين وزارة البيئة والعمل على استصدار عدة قوانين واستحداث برامج وحلول مع د. ناصر ياسين بصفته وزيرا للبيئة لمعرفة كيفية تنظيم قطاع “النكيشة” عبر طرق محترمة تحفظ حقوق هؤلاء للحؤول دون استغلالهم من قبل افراد وجهات معروفة تسعى لتوظيف قصّر للاستفادة من جمع النفايات ومردودها المادي الذي يقدر بملايين الليرات. وفي سياق آخر تحقيق بدل للبلديات او الدولة عن طريق اعطائهم بطاقات وأرقام، ولفت الى انه يجب ان يكون لهؤلاء الأشخاص مواصفات محددة ومقبولة مشيرا الى استثناء القصّر ما دون السن القانونية وتحديدا من هم دون العشر سنوات.
واكد ان العمل قائم ما بين L.W.M والبلديات، وتحدّث عن سعر التعرفة الخاص للبلديات بالنفايات القابلة لإعادة التدوير بهدف التشجيع والاستمرار على المتابعة والاجتهاد والكدح والكَدّ في هذا المجال.
اما الأشياء التي لا يقبلونها في المعمل، فلخصّها بعقليني بالمواد الغذائية وكل ما هو غير قابل لإعادة التدوير ولفت الى انه في الوقت الحالي لا يأخذون الزجاج لأنه لا يوجد له تصريف في السوق المحلي. وأشار الى انه تم وضع مكبات لفرز النفايات في وزارة البيئة وبالتالي أنشأت “البيئة” حساباً لها في معمل L.W.M لمراقبة الكميات والانواع التي يتم ارسالها.