يتابع اللبنانيون نوعا جديدا من الأخبار هذه الأيام، يرونها أكثر أهمية من أخبار الوضع السياسي المتأزم في البلاد، وأكثر الحاحا من تأثيرات الانهيار الاقتصادي والمالي الذي صنِّف بين الأسوأ في العالم، وأكثر إثارة، أيضا، من الأزمات الديبلوماسية العربية والتوترات الإقليمية.
الأحداث التي يتابع أخبارها اللبنانيون اليوم، وهي من تداعيات الانهيار الاقتصادي، ذات قيمة عاطفية كبيرة.
بين اللبناني والأمكنة العامة، كالمطاعم والحانات والمقاهي تحديدا، علاقة خاصة تتسم بالفرادة في بعض جوانبها. فالتكامل بين طبيعة البلاد الجغرافية واقتصادها السياحي وتاريخها وثقافتها الشعبية، جعلت من قطاع المطاعم والمقاهي والحانات ركنا أساسيا من أركان الحياة الاجتماعية والإنتاج الاقتصادي في البلد.

وبعد حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما (1975 – 1990)، كان فتح المطاعم والمقاهي والحانات أبوابها مجددا، وسط بيروت وأحيائها المدمرة، مؤشرا قويا إلى نهاية الحرب واستعادة المدينة حياتها الطبيعية.
وكان للمقهى والمطعم والحانة، دلالة عميقة أخرى على عودة اللبنانيين للتلاقي، بعد سنوات طويلة من العزلة والانقسامات المناطقية والطائفية والحزبية التي فرضتها الحرب وظروفها القاسية.
كانت هذه الأماكن، دائما، مسرحا لاستئناف التعايش بين اللبانيين.

من هنا يصبح مفهوما كيف أن أجيالا متعاقبة من أبناء هذا البلد، تشكلت ذاكرتهم الجماعية بين جدران هذه الأماكن التي كانت، في الوقت ذاته، حاضنة ونقاط انطلاق للحركات الفكرية والثقافية والأدبية التي امتد تأثيرها إلى البلدان العربية الأخرى.
ويصبح مفهوما أيضا لماذا، بعد كل الصدمات التي تلقاها اللبنانيون على مدى عامين من الأزمات، لا يزال خبر إغلاق مطعم “فلافل صهيون”، مثلا، قادرا على إثارة الفزع في الوجوه، قدر ما يفعل خبر انفجار أو اشتباك مسلح؟
لا فلافل للفقراء
يعد “فلافل صهيون” من أشهر مطاعم الفلافل في لبنان وأقدمها. يعود تاريح افتتاحه على يد صاحبه مصطفى صهيون، إلى العام 1933. ويقع في شارع دمشق المؤدي إلى وسط بيروت (منطقة بشارة الخوري). وقد تحول الشارع إلى خط من خطوط التماس التي فصلت بيروت خلال الحرب الأهلية، وبسببها دمر المحل عام 1987، ليعاد افتتاحه عام 1992.

ومثلما قسمت الحرب الأهلية بيروت، أدى خلاف بين الشقيقين (أبناء مصطفى صهيون) إلى انقسام المحل إلى محلين عام 2006. مع ذلك “فلافل صهيون” رواجا واسعا حتى باتت علامة تجارية لسلسلة مطاعم بنفس الاسم بأفرع تجارية منتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية، ومنها إلى خارج لبنان.
قصة النجاح هذه وصلت مع بداية شهر نوفمبر الحالي إلى خاتمة محزنة، عبر عنها خطاب موجه للزبائن، في ورقة معلقة عند باب المحل المغلق في وسط بيروت: “التوقف عن العمل موقتا نظرا لظروف البلد الراهنة المعروفة لدى الجميع، راجين أن تتحسن الأحوال لما فيه الأفضل للبلاد والعباد”.
جاء هذا الإعلان بعدما وصل سعر ساندويش الفلافل إلى حدود 30 ألف ليرة، قافزة في فترة قياسية من ثلاثة آلاف ليرة فقط. تضاعف مرات تضاعف سعر الفلافل 10 مرات، بفعل الأزمة الاقتصادية والارتفاع الخيالي في أسعار السلع، لينتقل من خانة “طعام الفقراء” كما يوصف في لبنان، ويصبح حكرا على ميسوري الحال والقادرين على دفع هذا المبلغ الضخم ثمنا لساندويش.

أغلق “الملجأ”
وقبل “صهيون” بفترة قصيرة، فؤجئ رواد شارع الحمرا بإغلاق واحد من أشهر المطاعم والحانات فيها: “باردو” الذي اكتسب شهرة تخطت لبنان إلى العالم، وجعلته مقصدا للسياح الذين يزورون بيروت، بعدما بنى على مدى 15 عاما سمعة قامت على لذة طعامه وسمعت المبنية حسين الضيافة.
بدأت قصة هذا المكان مع صاحبه، مازن خالد، في صغره، إذ كان مأخوذا بالبناء البيروتي القديم الذي يجسد قصصا من تاريخ المدينة وطباع أهلها.
يعود البناء إلى أربعينيات القرن الماضي، وكان في الأصل نزلا يسمى “مير توم هاوس” نسبة إلى مؤسسيه “ميريام وتوماس”، وهما زوجان يهوديان من أوستريا، هربا من أوروبا خلال الحقبة النازية، وجاءا إلى لبنان الآمن آنذاك، بحسب مازن.

عاد مازن إلى البناء وهو شاب، وقد بات قديما ومهجورا، فقرر الانتقال إليه والعيش في أحد طوابقه بعد إصلاحه، من ثم في عام 2006 اتخض قرار افتتاح “باردو” الذي ساهم في انعاش الشارع تجاريا، وبات يستقطب مستثمرين وسكانا جددا.
يروي مازن في حديث لموقع “الحرة” كيف أصبح المكان “مقصدا لمجتمع خاص به، يرى فيه مساحة آمنة للهدوء والارتياد، بات يجمع شعراء لبنانيين ومن الخارج، يقيمون أمسيات أدبية، كتابا مشهورين عالميا، قدموا قراءات في المكان، مخرجين وممثلين عرضوا أفلامهم وناقشوها في باردو، وكانت مساحة تشجيع للمواهب والخريجين الجدد، باتوا اليوم في مكان مهم من مسيرتهم المهنية ونفتخر أن بدايتهم كانت في باردو”.
من مميزات باردو جرأته على توفير مساحة آمنة للمثليين جنسيا، وترحيبه بوجودهم فيه على طبيعتهم، وهي ميزة اشتهر بها المكان. يقول مازن “لم يكن لدينا أي موانع عند الدخول إلى المكان، منذ أن انطلقنا، رفضنا أن يكون هناك أي شخص على باب المحل يسمح أو يمنع الناس من الدخول بسبب مظهرهم أو حساباته أو حسابات المحل وسياساته، على العكس كان أبرز مبادئنا الترحيب بالجميع، وكان مجتمع الميم من ضمنهم. كل الناس متساوون على باب باردو.”
ويضيف مازن، “لاحقنا فتحنا مجالا لإقامة حفلات “drag show” (عروض فنية بأزياء الجنس الآخر)، وباتت عنصر استقطاب بحد ذاتها، ليس فقط لمجتمع الميم بل لكل من يحب هذا النوع من العروض الفنية وساهم في تنمية مجتمع “الدراغ كوينز” في لبنان وتطويره، وفيما بعد أطلقنا “vogue” أو ما يسمى بالـ ball التي كانت تشتهر في مدينة نيويورك، باتت تقام أيضا في لبنان، مقدمة مساحة حرية كبيرة جدا للناس ومساحة آمنة للجميع للتعبير عن أنفسهم. وهو ما زاد من تعلق الناس بباردو، الناس ما عادت ترتاد المكان مرة في الأسبوع أو لمناسبة ما، بل تحول إلى مكان مقصود يوميا من رواده، هناك من يتكل على المكان في أكله اليومي، كان بمثابة ملجأ لكثيرين”.

ينظر مازن بعد الإغلاق إلى حساب باردو على إنستغرام، ويشعر بحزن كبير، “كمية الناس الذين يعبرون عن علاقتهم الوجدانية مع المكان، هناك من يتواصل معنا ليقول لولا باردو لما كنت تزوجت اليوم، أو لولا باردو لما كنت تعرفت إلى حب حياتي، أزواج مثليي الجنس تعرفوا هناك، كان باردو سببا لكثير من التجارب التي عاشها رواده، بدايات وتعارف وفرص وقصص كثيرة وصلتنا”.
وعن ظروف الإغلاق وأسبابه، يقول مازن ” في السنوات الأخيرة لم نعد نحقق ارباحا مالية تذكر، استمرينا وكان هدفنا المحافظة على الفكرة التي تمثل مشروعنا الحقيقي قبل المال. ولكن مع انهيار الاقتصاد وانخفاض قيمة الليرة، انخفض عدد الموظفين لدينا، ثم جاءت أزمة الكهرباء والمحروقات، ما شكل ضربة قوية لعملنا الذي يقوم ويرتكز على وجود الكهرباء، وينشط خصيصا في الليل، فبات الاستمرار صعبا جدا، أغلقنا المطبخ واستمرينا لنحو سنة على هذا الوضع”.
“كنا نضطر بشكل يومي لتغيير الأسعار لتتناسب مع السوق الجديد وأسعار السلع التي تتبع حركة الدولار صعودا أو هبوطا. ثم بات للمبنى إدارة جديدة قررت أن ترفع بدل الإيجار مطالبة بالدفع بالدولار، مع مفعول رجعي عن الأشهر التي انهارت فيها الليرة، كانت المبالغ خيالية، عندها قررنا الاستسلام. على الرغم من محاولات كثيفة من محبين وأصدقاء باردو لثنينا عن الفكرة، عرض علينا تمويل ومساعدات للاستمرار، ودرسنا هذه العروض بالفعل لكن النتيجة كانت تأجيلا لخسارة حتمية ففضلنا الإغلاق وترك المساعدات لحاجات باتت ملحة أكثر في البلد”.
لا مكان للثقافة
القصة ذاتها تكررت مع “دانيز” الذي أغلق فروع حاناته تباعا خلال السنوات الماضية، وللأسباب ذاتها التي استعرضها مازن، ومنها مطالبة أصحاب الملك بالحصول على بدل الإيجار بالدولار، ما رفع قيمته من 12 مليون ليرة إلى حدود 120 مليونا وفق سعر صرف الدولار، كان ذلك بمثابة الضربة القاضية التي قرر إثرها داني خوري (صاحب دانيز) إغلاق مصلحته نهائيا بعد مسيرة بدأها عام 2008.
كانت فكرة “دانيز” في شارع الحمرا قائمة على طابقين: الأول يضم بار المشروبات والثاني يستقبل فرقا موسيقية تقدم عروضا مباشرة أمام الجمهور. والهدف كان نشر ثقافة الموسيقى بين رواده، وفق ما يشير خوري في حديثه مع موقع “الحرة”.
ويضيف ” أشهر الموسيقيين اللبنانيين وعدد كبير من الموسيقيين الأجانب قدموا عروضهم في “دانيز”. وهذا ما أعطى المكان خصوصية وميزة وجمع فيه أشخاصا من توجهات مختلفة ومشارب متعددة على اهتمام واحد ثقافي موسيقي. كنا أيضا نقوم بدعم الفرق والفنانين الناشئين ونقدم الرعاية والدعاية لمناسبات وحفلات وسهرات ومسرحيات معينة في بيروت وخصيصا في شارع الحمرا، وهو ما زاد من شعبية المكان وتعلق الناس به كجزء من المشهد الثقافي في البلد.”
“فيما بعد وحينما تدهورت الأمور في البلد، لم يعد هناك مكان للثقافة وسط ضجيج الانهيار”، بحسب داني، الذي يؤكد أنه “لم يغلق المحل لأنه خسر فكرته، الفكرة توقفت قسرا بسبب هذه الظروف القاهرة التي غيرت معالم المدينة، وكأننا بتنا في شتاء لا تنفع معه الملابس القصيرة”.
“اليوم ليس هناك أي أمل في استثمارات جديدة، كل المصاريف باتت بالدولار، ولا يمكن لأحد تحملها، في حين أن مردوده بالليرة اللبنانية، وفي ظل سعر صرف متقلب، حتى لو رفعنا الأسعار، وهذا ما لم نقبل به، من يضمن أن ما يباع اليوم بـ 100 الف ليرة تساوي خمسة دولارات، لن تصبح غدا دولارين أو ثلاثة؟ وفي هذه الحالة أي زبائن سيكون بمقدورهم الخروج إلى مطاعم أو حانات؟ لن يكون بمقدورهم شراء ربطة خبز”، وفق خوري.
حاول أصدقاء داني ورواد محاله أن يبدلوا قراره عبر دعمه ودفعه للبقاء، ولكن “المشكلة أن لا مكان للعواطف في العمل” على حد تعبيره، “وإلا ستكون النتيجة الإفلاس، في النهاية الحسابات على الورقة والقلم تشير إلى أن الاستمرار غير ممكن، وبالتالي كان عليّ أن أكون حاسما بعيدا عن البعد العاطفي للأمر”.
ومع ذلك يضيف داني “كان بعض زبائني يبكون، يراسلون صفحات المحل على مواقع التواصل، ينشرون صورهم وذكرياتهم في المكان، وكنت أكثر المتضررين مما يجري، فذكريات الناس كانت يومياتي أنا، 13 عاما من العمل في هذا المكان حولناه إلى أسطورة في بيروت، ثم فجأة نجبر على إقفاله بقوة الأمر الواقع وليس بقرارنا، كان عمري 31 عاما حين فتتحنا المحل، اليوم عمري 44 عاما، كان يفترض أن ندخل مرحلة حصاد لكل ما بنيناه خلال تلك الأعوام، عام 2016-2017 كانت قيمة شركتنا في السوق 11 مليون دولار، بعد 5 سنوات باتت صفرا، وفي النهاية حصدنا ديونا.”
ويختم “حتى الناس تغيرت اليوم، لا تخرج كالعادة، والمجموعات تفرقت والهجرة شتتت الأصدقاء”. يقول داني “لم يعد لديهم حديث يتكلمون به إن اجتمعوا إلا بتفاصيل الأزمة، محروقات وكهرباء، غذاء ودواء، دولار وليرة… وهكذا، لم يتركوا للناس حتى أحاديث اجتماعية، وكل ذلك انعكس على نفسياتهم ومعنوياتهم حتى باتت السلبية عامة”.
ويختم “حتى الناس تغيرت اليوم، لا تخرج كالعادة، والمجموعات تفرقت والهجرة شتتت الأصدقاء”. يقول داني “لم يعد لديهم حديث يتكلمون به إن اجتمعوا إلا بتفاصيل الأزمة، محروقات وكهرباء، غذاء ودواء، دولار وليرة… وهكذا، لم يتركوا للناس حتى أحاديث اجتماعية، وكل ذلك انعكس على نفسياتهم ومعنوياتهم حتى باتت السلبية عامة”.
إقفال بالجملة
مشكلة أخرى طالت مطاعم لبنان وزبائنها، تتعلق بتوصيلات الطعام إلى المنازل. فالارتفاع الحاد بأسعار المحروقات ولاسيما مادة البنزين التي بلغت مستويات قياسية بعد رفع الدعم الرسمي عنها، يدفع العديد من المطاعم إلى إيقاف خدمة التوصيل (الديلفري) لزبائنها، أو تضطر لرفع التكلفة نحو 10 أضعاف.
حتى أن أشهر مشغلي تطبيقات خدمة توصيل الطعام في لبنان، شركة Zomato الهندية، لحقت بركب الشركات الأجنبية المنسحبة من السوق اللبنانية، إذ أعلنت الشركة عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها “ستوقف عملياتها وتغلق فرع لبنان اعتبارا من تاريخ 15 يناير 2021″، بعدما تراجعت إيراداتها من خلال مقارنة ما حققته في مطلع العام الجاري، معتبرة أن الأزمة اللبنانية “أصبحت أسوأ خلال الأشهر القليلة الماضية، ونتيجة لذلك تدهور جدوى الأعمال والتوقعات المستقبلية للمنطقة”.
وسبق Zomato عدد كبير من العلامات التجارية العالمية التي أغلقت في لبنان، كان أبرزها “بيتزا هات” و”هارديز” وأفرع لـ”بيرغر كينغ”، إضافة إلى آلاف المؤسسات المحلية، وفق ما يؤكد نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، طوني الرامي.
لرامي وفي حديثه لموقع “الحرة” أشار إلى أن “القطاع المطعمي خسر منذ العام 2019 حتى العام 2021 حوالي أربعة آلاف مؤسسة، وهذا رقم كبير جدا”. ويضيف “عام 2019 كان عدد المطاعم والمقاهي والملاهي ومحال الحلويات (باتيسري) حوالي 8500 مؤسسة، تدهور الرقم عام 2020 حتى وصل إلى 5000 مؤسسة، وفي الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 انخفض العدد نحو ألف مؤسسة، وبالتالي في عامين فقط هبط العدد أكثر من النصف”.
ويرى الرامي أن “استمرار الوضع على ما هو عليه من ظروف معيشية وانخفاض في القدرة الشرائية ومشاكل اقتصادية وأمنية وسياسية، وزوال الطبقة الوسطى إضافة إلى هجرة الكفاءات، فإن القطاع المطعمي إلى الزوال التام حيث سيصبح من الكماليات، وهذا امر مؤسف ومؤلم”.
لبنان يخسر هويته
“لبنان خسر أربعة مقومات أساسية تبدأ بحرف الميم، المصارف، المستشفيات، المدارس والمطاعم”بحسب الرامي، الذي يضيف أن “المطاعم تمثل مقوما أساسيا من مقومات لبنان، وهي علم من أعلام البلاد، فمطبخ لبنان هو سفيره العالمي المعروف في كل الدول، حتى من لا يعرف أين يقع لبنان على الخريطة يعرف مطبخه ومطاعمه وسفرته، لما تتميز به من جودة وخدمة ونوعية”.
ويلفت الرامي إلى أن “هذا قطاع عرف بأنه يبني وينمي شوارع سياحية في البلاد، “مونو” عرفت من خلال مطاعمها وحاناتها، كذلك منطقة “مار مخايل” و”الجميزة” ومنطقة “الحمرا” و”بدارو”، ازدهرت مدينة عاليه بسبب قطاع المطاعم والمقاهي والسهر، كذلك عرفت “برمانة” للسبب نفسه، وبالتالي هذا القطاع يخلق الحياة وفرص العمل، وهو رمز وصورة لبنان الحضارية، وحين تغلق هذه المطاعم كل ذلك يتحول إلى خسائر.
يذكر أن القطاع المطعمي كان يشغل نحو 160 ألف عامل وعاملة مسجلين لدى الضمان الاجتماعي، باتوا اليوم بحسب الرامي 50 ألفا، كذلك فقد كان “يتيح في فصل الصيف فرص عمل لنحو 40 ألف طالب وطالبة، ويؤمن لهم مداخيل تكفيهم لمصاريف التعليم وأقساط الدراسة. هناك من بنى مستقبله وأسس حياته اعتمادا على هذا القطاع وما يتيحه من فرص، للأسف خسارة القطاع المطعمي خسارة كبيرة للدولة وخزينتها، خسارة على صعيد الكوادر البشرية التي تهاجر اليوم، وخسارة معنوية كبيرة جدا للبنان الذي كان رائدا في هذا القطاع في الشرق الأوسط.
ويختم الرامي “بيروت عرفت من خلال الحياة فيها، من خلال الزينة والإضاءة وأجواء السهر، وبالتالي بيروت الحياة والحركة والوجود هو القطاع المطعمي ومن الطبيعي أن تتغير معالم المدينة بعد إغلاق حاناتها ومطاعمها وملاهيها الليلية”.
“القصة كبيرة جدا”، يقول مازن، “نحن اليوم نمثل الحاضر في هذه البلاد، والحاضر يستسلم ويغلق، فيما الماضي يموت، وبالتالي يمكننا التنبؤ للمستقبل كيف سيكون. هناك حزن كبير عند النظر إلى بيروت، الناس وصلت إلى مرحلة البكاء على ما كونته من ذاكرة جماعية في الأماكن التي تغلق، هناك ضياع لذاكرتنا وضياع لحاضرنا وهذا يعني أن المستقبل منتهي”.