المركزية
لا يبدي أيّ جهاز أمنيّ أو ضابطة عدلية اليوم استعداداً لتنفيذ ما “يأمر” به المحقّق العدلي طارق البيطار من “تنفيذ فوري” لمذكّرة التوقيف الغيابية بحقّ النائب علي حسن خليل. في السياسة يبدو الأمر شبيهاً بقاضٍ يطلب “توقيف نبيه برّي من داخل عين التينة”!!
لم يكن الموقف، الذي أدلى به الرئيس نبيه برّي إلى جريدة “النهار”، مُفاجئاً في التوقيت والمضمون بقدر ما عَكَس “سماكة” الاستعصاء القضائي والسياسي في إيجاد حلّ لـ”أزمة تحقيقات طارق البيطار” في قضية انفجار المرفأ عبر إلزام ابن العدليّة “الضالّ” بالعودة إلى “رُشده” القضائي.
رئيس مجلس النواب في وصفه القاضي البيطار بـ”المتآمر”، يتّكِئ على مسارٍ موثّق من الأداء “المشبوه” الذي يعكسه مضمون طلبات الردّ ونقل الدعوى للارتياب المشروع ودعاوى مخاصمة الدولة المقدّمة من المدّعى عليهم ضدّ المحقّق العدلي. وآخرها تقديم وكيل الوزير السابق يوسف فنيانوس، عبر وكيله القانوني المحامي نزيه خوري، دعوى مخاصمة الدولة عن أخطاء جسيمة ارتكبها البيطار.
وبُعَيد استئناف البيطار تحقيقاته بعد شهر من توقّف التحقيق، وتوقُّع تحديد جلسات لكلّ من النائبين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، أعاد المحقّق العدلي إلى النيابة العامّة التمييزية مذكّرة التوقيف الغيابية الصادرة في حقّ النائب والوزير السابق علي حسن خليل، طالباً تنفيذها بشكل فوري من قبل الأجهزة الأمنيّة.
وبدا التزامن لافتاً جدّاً بين مواقف برّي التصعيدية بوجه البيطار والتي رد عليها الأخير بطلب تنفيذ مذكّرة التوقيف الغيابية بحقّ علي خليل “فوراً”.
وكان المحامي العامّ التمييزي القاضي عماد قبلان عمّم مذكّرة التوقيف الغيابيّة بحقّ خليل على قوى الأمن الداخلي للتنفيذ، وأتى الردّ من جانب اللواء عماد عثمان في 8 تشرين الثاني الماضي بتأكيده أنّه “أرسل استيضاحاً إلى المحامي العامّ لدى المجلس العدلي عن النصّ الدستوري في مادّته الأربعين التي لا تجيز توقيف النائب أثناء دور انعقاد مجلس النواب، ليُصار من قبل الجهة القضائية المعنيّة التأكيد على الطلب من عدمه، حرصاً منّا على تطبيق النصوص الدستوريّة والقانونية”.
قوى الأمن ضابطة عدلية
وفيما رأت مصادر قضائية أنّ قوى الأمن هي “ضابطة عدلية ليست مخوّلة طلب تفسير الدستور والقانون، بل التنفيذ فقط”، تؤكّد أوساط قضائية في المقابل أنّ “الضابطة العدلية، التي ترأسها النيابة العامّة التمييزية، هي إدارة. والقانون يقول إنّ الإدارة وقبل التنفيذ بإمكانها القيام باستشارة حول قانونيّة ما ستقوم به. مع العلم أنّ المادّة الدستورية واضحة ولا تحتاج إلى تفسير”.
يُذكَر أنّ النائب علي حسن خليل يشارك في جلسات اللجان النيابية، وحضر قبل أيام الجلسة التشريعية العامّة، ويدلي بتصريحات علنيّة من ساحة النجمة وعين التينة.
ويصطدم تعميم مذكّرة التوقيف الغيابية بحقّ خليل أو فنيانوس، ومدّعى عليهم آخرين قد يُصدر البيطار بحقّهم مذكّرات توقيف غيابية، بموانع قانونية وسياسية تجعل من تنفيذ مذكّرات كهذه أمراً يقارب “النكتة” في بلد “يتنفّس” حسابات وتوازنات طائفية ويجعل أحياناً من طرد موظّف درجة عاشرة في مؤسسة عامّة “قضية طائفية” تهزّ كيان دولة بأمّها وأبيها. فكيف سيكون الأمر إذا كان المدّعى عليهم والمطلوب توقيفهم اليوم يُعتبرون لدى قسم كبيرٍ من القضاة ومن الرأي العامّ “ضحيّة” للتسييس المفضوح للتحقيق العدلي.
أوساط قريبة من الرئيس برّي تقول لـ”أساس” إنّ “إصرار البيطار على تنفيذ مذكّرة التوقيف الغيابية بحقّ خليل والمدّعى عليهم سيقود إلى مشكلة كبيرة واضح أنّه لا يُدرِك حجمها، خصوصاً أنّ البيطار لا يخالف القانون فقط، بل يفتقر إلى الحكمة والتمرّس في قراءة الوضع السياسي وفي تبنّيه لمشروع سياسي تداعياته على البلد أكبر منه. إنّه يلعب بالنار”.
وحدّد البيطار نوع الجرم المنسوب إلى خليل وماهيّته: “القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي بالقتل”. وهي مذكّرة التوقيف الثانية بعد تلك التي أصدرها البيطار بحقّ فنيانوس.
وجاء في مذكّرة التوقيف أنّ “كلّ مأمور قوّة مسلّحة مكلّف بتوقيف الشخص المدرجة هويّته وسوقه بلا إبطاء إلى دائرة السجن المتوفّر. ويمكن عند الاقتضاء الاستعانة بالقوّة المسلّحة الموجودة في الموقع الأقرب لمحلّ إنفاذ هذه المذكّرة التي هي نافذة في جميع الأراضي اللبنانية. وعلى قائد هذا الموقع استجابة الطلب عملاً بأحكام المادّتين 107 و109 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وعلى مَن ينفّذ المذكّرة إحضار الموقوف بمهلة أقصاها 24 ساعة إلى جانب النائب العامّ المختصّ تحت طائلة المسؤوليّة”.
في المقابل، يؤكّد مصدر قانوني أنّ “عدم تنفيذ جهاز أمنيّ لأمر قضائي يعدّ مخالفة فاضحة ويفرض مساءلة هذا الجهاز ومحاسبته”.
ولم يُعرَف بعد إذا كان القاضي قبلان، بعد ورود مراسلة المحقّق العدلي إليه، سيرفض أو سيعمّم مجدّداً طلب التنفيذ الفوري لمذكّرة التوقيف بحقّ خليل، باعتباره الممرّ الإلزامي بين القضاء والضابطة العدلية.
دعاوى “متل الشتي”!
وفي سياق الدعاوى التي “تَهطل” على رأس المحقّق العدلي، قدّم الرئيس حسان دياب أمام البيطار مذكّرة دفوع شكليّة تفيد بعدم الصلاحيّة وتعتبر ملاحقة الرؤساء من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وقد أحالها البيطار على النائب العامّ العدلي القاضي عماد قبلان لإبداء الرأي قبل إعادتها الى المحقّق العدلي لاتّخاذ قراره. ولذلك ليس بإمكان البيطار تعيين جلسة تحقيق جديدة مع دياب قبل بتّ الدفوع.
وكان لافتاً أمس تقديم والد أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت يوسف المولى، بواسطة وكيله المحامي سلمان بركات، دعوى طلب ردّ المحقّق العدلي أمام محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندة كفوري على خلفيّة التسبّب، بحسب نصّ الدعوى، بتأخير التحقيق للاستنسابية التي يتّبعها القاضي البيطار من خلال استدعاء البعض وغضّ النظر عن البعض الآخر، معيقاً بذلك التحقيق العدلي.
وهي الدعوى الثانية من جانب أهالي ضحايا المرفأ بعد تقديم هشام حيدر أحمد أمام محكمة التمييز طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع بالمحقّق العدلي.
وأحمد هو أحد المتضرّرين من انفجار 4 آب، وكان يعمل بجوار المرفأ خلال وقوع الانفجار. وجاء في نصّ الدعوى أنّ “المحقّق العدلي أبقى على الآليّة السابقة والنهج الاستنسابي الذي اتّبعه المحقّق العدلي السابق فادي صوان، وأضاف إليه الكثير من التجاوزات القانونية المخالفة لأبسط قواعد التحقيق”.
والدعاوى من جانب أهالي ضحايا انفجار المرفأ والمعنيّين به تؤكّد أنّ المسار الذي ينتهجه بعض هؤلاء في التبنّي الأعمى لكلّ ما يصدر عن القاضي البيطار لا يحظى بغطاء من كلّ الشرائح المتضرّرة من انفجار المرفأ.
وتفيد معلومات “أساس” أنّ العشرات من دعاوى الردّ ونقل الدعوى قد قدّمها أهالي ضحايا انفجار المرفأ والمتضرّرون منه وذوو الفئات المهمّشة ضدّ القاضي البيطار، وسُجّلت في قلم محكمة التمييز (وبعضها قُدّم أمام القاضي قبلان)، وسيتعيّن على المحكمة المعنيّة بتّها ودرسها. وسيُعلن تباعاً في الإعلام عن هذه الدعاوى. وهو واقع كفيل بزيادة الضغط القضائي على المحقّق العدلي لتنحيته في ظلّ الانقسام الحادّ داخل “جبهة” أهالي الضحايا.
شكوى أمام الأمم المتّحدة
على صعيد آخر، أعلنت المتخصّصة في القانون الجنائي والعضو في نقابتيْ المحامين في باريس ومدريد وفي المحكمة الجنائية الدولية المحامية راشيل لندون، أنّه بالتزامن مع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان قدّم بواسطتها كلٌّ من المدير العامّ السابق للجمارك اللبنانية شفيق مرعي، والمدير العامّ للجمارك بدري ضاهر، والمدير العامّ للّجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم ومدير الخدمات الجمركية حنا فارس، شكوى إلى فريق الأمم المتحدة المعنيّ بالاحتجاز التعسّفيّ، مشيرةً إلى أنّ “موضوع الشكوى يأتي في خانة اعتبار الموقوفين معتقلين من قبل الحكومة اللبنانية بشكل تعسّفي وغير قانوني”.