بعقليني لـ “الديار”: حملتنا مستمرّة
وسنسعى لتطوير المشروع إذا تمكّنا من ذلك!
دفعت الأزمة الاقتصادية في لبنان العديد من الأفراد والمجتمعات، إلى البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة التحديات المتزايدة. ومن بين هذه المبادرات انشاء معمل إعادة تدوير البلاستيك، الذي لفت الأنظار إلى أهمية إعادة تدوير الكتب، كجزء من الجهود الرامية إلى تقليل النفايات وتحقيق الاستدامة البيئية. ويعتبر هذا المشروع نموذجاً رائعاً لكيفية تحويل الأزمة إلى فرصة، حيث يتم جمع الكتب القديمة من العائلات وفرزها وتعقيمها، ثم توزيعها مجانا للأهالي مع بداية العام الدراسي الجديد. هذا لا يسهم فقط في الحفاظ على البيئة، بل يخفف أيضا من الأعباء المالية على الأسر.
فكرة أسست مشروعا!
كيف وُلدت هذه المبادرة؟ يجيب مؤسس إدارة نفايات لبنان السيد بيار يوسف بعقليني: “بدأ مشروع تدوير الكتب منذ نحو سنتين تقريباً، ففي تلك الفترة جاء شاب إلى المعمل ورأى مجموعة كبيرة من الكتب المهيأة لإعادة المعالجة. وسَألنا إذا كان بإمكانه البحث عن كتب لأبنائه في المرحلة الثانوية، فسمحنا له بذلك. وبالفعل عثر على ثلاثة كتب، مما فاجأني بصراحة. وعندما استفسر عن المبلغ الذي أريده مقابل تلك الكتب، شعرت بالخجل ورفضت تقاضي أي مبلغ. ومن هنا، وُلدت فكرة المشروع في ذهني، وقلت لنفسي: لماذا لا أطلب من الناس أن يتبرعوا بكتبهم قبل إرسالها للتصنيع، لكي يستفيد منها الأهالي؟”
وكشف لـ “الديار” عن “استفادة أكثر من 900 طالب وطالبة في العام الماضي من هذه الخطة، وكذلك في هذه السنة. وقد لاقى هذا العمل قبولاً كبيراً من العائلات اللبنانية، حيث بدؤوا يجلبون ما لديهم من كتب ويأخذون كتباً أخرى”. لافتا الى “أن هذه العملية تخضع للفرز والتعقيم والتوضيب، ثم يأتي الأهالي مع بداية العام الدراسي للبحث عن الكتب الصالحة وأخذها مجاناً. وغرضنا من هذا العمل هو دعم المجتمع ومساندة الناس، في ظل الظروف الاقتصادية الشديدة الراهنة دون أي مقابل”.
وبخصوص تكلفة كيلو الكتب، قال بعقليني: “نشتري الكيلو بحوالى الـ 4000 ليرة لبنانية، حيث يُعاد تدوير الكتب غير الصالحة، ومن هنا اشدد على ان هذا المشروع مستمر حتى انتهاء حملتنا”.
من يستفيد من هذا المشروع؟ يجيب: “تشترك في هذه الحملة فئات المجتمع كافة، بما في ذلك محبو البيئة والذين يتطلعون إلى مساعدة الآخرين”. ويشير الى “أن الأشخاص الذين سلموا الكتب القديمة في العام الماضي عادوا هذا العام أيضا، حيث أعطوا وأخذوا.”
أضاف: “هذا المشروع مستمر، وإذا استطعنا تطويره وتنميته فلن نتأخر، لان هدفنا من هذا المسعى هو تقديم المساعدة للأهالي في ظل هذه الأيام الصعبة. كما أن المعالجة ليست مجرد عملية بيئية، بل هي خطة متكاملة تسهم في تعزيز التعليم ودعم المجتمع وتوفير التكاليف وتحقيق الاستدامة البيئية”.
تراجع البطالة!
ويؤكد خبراء في هذا القطاع لـ “الديار” أن “مشاريع إعادة التدوير، ومن ضمنها استرجاع الكتب، يمكن أن تساهم بشكل كبير في تحسين الاقتصاد الوطني، خاصة من خلال دعم اليد العاملة بطرق متعددة، من بينها:
– أولاً: خلق فرص عمل جديدة من خلال توظيف الأفراد لجمع الكتب القديمة من مختلف المنازل والمكتبات.
– ثانياً: يعد هذا العمل ظرفا مناسبا لعمالة غير ماهرة لفرز وتصنيف الكتب، بناءً على حالتها ونوعها.
– ثالثاً: تحتاج هذه المهنة إلى عمالة متخصصة لتنظيف وتعقيم الكتب قبل إعادة توزيعها. إضافة إلى ذلك، تعزز الصناعات المحلية من خلال إعادة تصنيع الورق من الكتب التي لا تصلح للاستخدام، مما يقلل من الاعتماد على استيراد المواد الخام. كما يمكن استعمال المواد المعاد تدويرها في إنتاج منتجات جديدة، مما يفتح المجال أمام إنشاء صناعات مبتكرة ومستدامة”.
تؤمن “الكاش”!
أضاف الخبراء “من جهة أخرى، توفر مشاريع “الرسكلة” المداخيل المالية من خلال تقليل النفقات التعليمية، وتتيح للأسر توجيه مواردهم نحو استثمارات أخرى، وبالتالي تعمل على تعجيل حركة النشاط النقدي. كما يدعم هذا البرنامج ضمان الكتب الدراسية المجانية أو بأسعار منخفضة العائلات ذات الدخل المحدود، مما يحسن من مستوى معيشتهم”. واكدوا ان الرسكلة تقوي الاقتصاد الدائري عبر تشجيع الاستمرارية، وتحويل الاقتصاد إلى نظام يركز على إعادة توظيف القدرات بكفاءة، وتخفض الحاجة إلى استيراد الكتب والمواد التعليمية من الخارج، مما يوفر العملة الصعبة ويعزز الميزان التجاري للبلد”.
ومن هنا، يضيف الخبراء، “تساهم هذه البرامج في نشر ثقافة إعادة التدوير وتعليم المجتمع أهمية الاستهلاك المستدام والاقتصاد الأخضر، وتطوير مهارات جديدة لدى الأفراد من خلال تدريبهم على عمليات الاسترجاع، مما يزيد من فرص تشغيلهم في مجالات مختلفة”.
فوائد جمّة تشمل عدة مجالات
وأشاروا الى “ان هذه الصنعة تساعد في تقليص كمية النفايات الورقية التي تُرسل إلى مكبات النفايات، مما يحافظ على الموارد الطبيعية بتخفيض الحاجة إلى قطع الأشجار لإنتاج ورق جديد. اما من الناحية الاقتصادية فتعزز هذه الحرفة القدرة على توفير الكتب الدراسية والمراجع بأسعار رمزية أو حتى مجانا، مما يخفف الأعباء المالية على الأسر، كما تخلق هذه العملية فرص عمل في مجال جمع وفرز وتعقيم الكتب، مما يساهم في تنشيط الاقتصاد”.
وتابع الخبراء “على مستوى المجتمع، يدعم هذا القطاع التعليم من خلال توفير موارد تعليمية للطلاب، الذين قد لا يتمكنون من شراء كتب جديدة، وينمي التكافل الاجتماعي من خلال تبادل الكتب، مما يوطد روح التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع. على الصعيد الثقافي، يحفّز على القراءة ونشر الثقافة من خلال توفير الكتب بأسعار منخفضة. كما يساهم في حفظ ونقل المعرفة من جيل إلى جيل، ويرسخ الوعي البيئي من خلال تشجيع تبني ممارسات بيئية مستدامة، وتوعية الناس بأهمية الحفاظ على البيئة”.
في الخلاصة، مفهوم الاقتصاد الدائري هو نظام اقتصادي يهدف إلى تقليل الفاقد وتعظيم الاستفادة من الموارد عبر إعادة استخدام المواد والمنتجات عوضا عن الاستغناء عنها. يشمل هذا النموذج تقليل النفايات وإعادة تدويرها، بحيث تعود المواد إلى الدورة الاقتصادية بدلًا من أن تصبح نفايات، مما يساهم في تقليل تأثيرات الإنتاج والتخلص على البيئة وتعزيز الاستدامة.