مزرعة «النكّيشة» مناجم منسيّة أم ثروات ضائعة؟ (الديار)

Share to:

الديار – ندى عبد الرازق

«النّكاشة» مهنة جديدة لمعت في بيروت ومعظم المناطق اللبنانية، واحتلت مرتبة متقدمة وأصبحت تنافس قضايا شائكة اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً وضاهتها لتتصدر الواجهة لا سيما ان ابطال العمل في «النكاشة» هم أطفال قصّر!!

هؤلاء «القصّر» ليسوا فقط «نكّيشة» بل تعدّى الامر مهنة «النّكاشة» ليتحوّلوا الى عصابة سرقة منظّمة بدأت «بالنّكاشة» وطالت سرقة كابلات الكهرباء واغطية الصرف الصحي وهددت مئات عشرات العائلات لتعرضهم لسرقات من نفس العصابة وصولا الى «الشحاذة».

العقدة ليست في كل ما ذكرناه ولا ان هؤلاء القصّر هم من اللاجئين السوريين، وانما وجودهم خارج سجل القيد العائلي، فلا يملكون مستندات ثبوتية او يعرفون من ذويهم او مكان واحد محدد لإقامتهم!

الامن «ودّع»

العقدة الأخطر «غياب الامن» وهو ما أكده مصدر أمنى ان أسبابا كثيرة تحول دون وضع حد لظاهرة «النكّيشة» ويتم التعامل مع هذه الظاهرة المستجدة بطرق واطر معينين. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه الأسباب سياسية ام أبعد؟

كما بات معلوماً ان الازمة الاقتصادية أرخت بثقلها على الدولة بكافة أجهزتها ودفعتهم الى التراخي في دورياتهم او الملاحقة بسبب غلاء صفيحة البنزين وهو ما اعطى المجال لهؤلاء «النكيشة» او «الشحاذين» او سارقي الكابلات الكهربائية واغطية الصرف الصحي «سرقة الدولة بحد ذاتها» يتجولون بأريحية.

عقدة أخرى تبرز في هذا الملف هو ان الدولة غير قادرة على حماية «مزبلة» او السيطرة على أطفال قصّر دون عمر الـ 10 سنوات او حتى اخافتهم، وذكر محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود ان أحد «النكّيشة» قام بطعن أحد حراس البلدية اثناء قيامه بدورية مما استدعى الى إدخاله الى المستشفى لتكون الفاتورة خيالية وباهظة وتضاهي 5 أشهر من معاش هذا العنصر، مما دفع بالبلدية الى تقليص دوريات الحرس خوفا على سلامة العناصر.

دولة «النكّيشة»… اقوى من الدولة!

السؤال الذي يطرح نفسه هل باتت دولة «المطامر» اقوى من الدولة وأجهزتها؟

ماذا عن مكب آل زعي… في برج حمود شارع سينما بلازا، هل الدولة تعلم عنه؟ ام ان هذا الشارع يؤكد المؤكد ان لا دولة ولا أجهزة امنية ولا من يحزنون. الامن بيد هؤلاء الذين يقطعون الشارع بالنفايات «للنكش» والتنبيش فيها واخذ ما يجب اخذه بأساليبٍ مضرة للبيئة وللسكان وللمارة على حد سواء وعلى عينك يا دولة وعلى عينك يا «رامكو» وروى لنا أحد سكان المنطقة ج. ب ان ال زعي.. لا يسمحون لـ «رامكو» بالاقتراب لرفع النفايات ريثما تنتهي «دولتهم» من الفرز وترك ما تبقى لينتشر على شكل اوبئة في المنطقة. سنعود للحديث عن هذا المكب بالتحديد مع بلدية برج حمود في تحقيق خاص.

فهموا معنى «النكاشة» بالمقلوب!

ما بين مفهوم «النكاشة» وهو كل ما يختص في أعمال الزراعة وما بين «النكاشة» في مكبات النفايات فرق من الارض الى السماء. «فالنكاشة» في الأرض تغذي المزروعات ام «التنكيش» في النفايات يؤدي الى تكاثر الامراض والفيروسات وانتشارها واخرها التهاب الكبد الفيروسي والذي ينتقل ويعدي وسببه عدم النظافة، ناهيكم عن مظهر غير حضاري لوجود النفايات قد طال الطرقات بطرق عبثية أضف الى ذلك الروائح المنبعثة منها. ليستفيق لبنان على كائنات فضائية تغزو مكبات النفايات وتغزو أملاك الدولة بلا هوادة…

مستشارة وزير الشؤون الاجتماعية د. علا بطرس ماذا تقول عن هؤلاء القصّر وتسجيل ولادات اللاجئين وعن ظاهرة «النكاشة»:

ان مسألة تسجيل ولادات النازحين السوريين الانسانية هي قائمة بين الوزارة (خطة لبنان للاستجابة للازمة) اما التسجيل القانوني فلدينا خطة وطنية مع الشركاء وهي قائمة.

اما فيما يختص بعمالة الاطفال فقد تخطت 5%من النازحين السوريين بدافع العمل ومساعدة الاسر. برنامج «حدي» تنفذه اليونيسيف والوزارة شريكة لدعم الاطفال اللبنانيين والنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين (٣ اطفال في الاسرة).

وعن الـ «نكاشة» قالت بطرس: ظاهرة يقوم بها افراد يستخدمون الاطفال بهدف فرز البلاستيك والحديد من مطامر النفايات وبيعها، ويعتبر البعض انها مربحة لكن للأسف نشطت نتيجة الحاجة بحكم الازمات وهذا ما يدفع الى طرح مسألة النفايات وحلها ضمن مقاربة بيئية تقوم على الفرز من المصدر اضافة الى معامل فرز وتدوير.

ان المسألة ليست مرتبطة فقط بالنازحين السوريين من الاطفال انما بمختلف الجنسيات وهذا بفعل الازمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي دفعت الى التسرب المدرسي.

وتضيف بطرس نحن ضمن خطة الاستجابة نتابع هذه الظاهرة مع الشركاء وقد طرحنا الامر على احدى البلديات المعنية في بيروت مع المنظمات الشريكة.

الاقتصاد يحدد كل شيء…

يقول محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، الاقتصاد كما هو معروف يحدد كل شيء، إذا ارتفع مستوى المعيشة فالكثير من الظواهر في المجتمع ستختفي او تضمحل، فالسلبيات والنتائج التي تنتج عن الفعل تزول حكما، وما يستتبعه من انهيار العملة، مما يعني ان الفقر يجلب كل ما هو سيئ، والسبب الرئيسي لكل هذا التفلّت الاجتماعي مرتبط بالوضع الاقتصادي، والمعيشي والازمة التمويلية والاستيراد والتصدير بحيث ارتفع ثمن المواد الأولية المرتبطة بما يسمى بـ «النّكش».

البلاستيك لم يكن ذو قيمة!

في السابق البلاستيك لم يكن ذو قيمة، على عكس اليوم فقد ارتفعت قيمته وبشكل كبير، أضف الى ذلك الحديد والنايلون وغيرها من المواد التي ترمى في مكبات النفايات وهي ذات منفعة كبيرة جداً.

وعلى مدى السنوات الماضية نفايات لبنان لا تفرز! بل يتم رميها في المكبات ومع الانهيار الاقتصادي والفقر المدقع ووجود الكثير من اللاجئين السوريين يجد هؤلاء ان بين أيديهم كنزا فهل سيتركونه!؟ بالتأكيد سيهجمون ويُنّكّشون ويستخرجون البلاستيك ومواد أخرى كالزجاج والكرتون ويفرزونها ويأخذونها لبيعها والاستفادة من ثمنها.

وبما ان الوجود السوري في لبنان اضحى كبير جدا ومهول لا بل أصبح وجودا متفّلتاً وعبئاً على لبنان الا ان هذا الوجود محمي ومدعوم من قبل جمعيات ومنظمات دولية.

الرأي العام اللبناني مقسوم…

للأسف حتى في المسائل الوطنية لا يجتمع اللبنانيون حول مصلحة الوطن أولاً، لينقسم الرأي اللبناني حول هذه المسألة، فريق يقول ان ما يقوم به «النكّيشة» عمل جيد لأنهم يخلّصون الطبيعة من المواد المضرة من خلال الفرز وهؤلاء اشخاص جيدون لا بل يقومون بعمل جيد يخدم الطبيعة فبدل من ان نقوم نحن بالفرز يقومون هم به ويفرزون المواد المضرّة في النفايات ويجمعونها ويبيعونها الى معامل تقوم بإعادة التدوير للاستفادة منها.

والفريق الثاني يقول ان كل ما كان ضرره أكثر من نفعه فهو ضرر، وبالتالي ما يقوم به هؤلاء النكيشة يتسبب بضرر وتلوث بيئي جسيم وعليه فهم يؤذون البيئة لا عكس ذلك.

لا نظام فرز في لبنان…

لا يوجد نظامٌ لفرز النفايات في لبنان، كما ان انفجار مرفأ بيروت المشؤوم دمّر معمل الفرز في الكرنتينا، الامر الذي ادّى الى طمر هذه المواد في المطمر بدون فرز، وبالتالي هذا العملية مكلفة للدولة اللبنانية، الا انه في المطلق هو عمل غير سيء وانما غير منظم، وخطير، وفيما لو نظّم فقد يخرج منه عملا وبدلا ماديا أكثر من ممتاز والامر يتوقف على تنظيم هذا القطاع، والعمل ضمن اطر وقواعد محددة من جهة مسؤولة وتتولاه مؤسسات وجمعيات خاصة تقوم بإدارة الفرز، لان هذه المواد عبارة عن بضاعة ثمنها أموالٌ طائلة.

إعادة التدوير…

يوجد إساءة في استخدام هذه المواد الأولية المرمية في «مكبات النفايات» وظهور تجار يأخذونها ويقومون بما يسمى إعادة التدوير، وهؤلاء نفسهم يشغّلون القصّر من اللاجئين السوريين ومتواجدين في مراكز محددة للاستعانة بهم من خلال نشرهم في جميع المناطق اللبنانية وعلى الطرقات ينكّشون في النفايات ويعبثون بها لأخذ ما تيسّر.

قانونيا هذه البضاعة ملك مدينة بيروت…

في القانون هذه البضاعة هي ملك شركة «رامكو» وهو ما ينصّ عليه العقد الموقع معها، وبما ان «رامكو» لا تقوم بأعمال الفرز فثمة من جاء وملئ الفراغ ولكن بطريقة عشوائية وغير منظمة وقد تسبب تلوثا بيئيا واذىً.

أطفال هُجّن… لا قيد او هوية او مستندات

نتعامل مع أطفال «هجينين» غير معروفي النسب، الامر الذي يجعلنا نتواجه مع أطفال خلقوا في لبنان الا انهم غير لبنانيين وغير مسجلين بشكل رسمي بعد العام 2011 أي بعد التهجير، هذا الجيل بأكمله وبعيدا عن المبالغة «هجين» لا أوراق او مستندات او مكان سكن، حتى إذا تم القبض على احدهم فلا يعرف من هو اثناء الاستجواب، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه ولا بد من توجيهه الى الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإنسانية التي تعنى بالأساس باللاجئين السوريين الم يصل لديكم ان نسبة كبيرة من هؤلاء غير مسجلين في المحاكم المعنية والجهات الرسمية! وان هؤلاء مستقبلهم هجين؟ وان ليس لهؤلاء مستقبلاً معروفا او واضح المعالم! اليس من الغريب تخصيص معاشات شهرية وبالفريش دولار للاجئين السوريين ولا يتم متابعة محصلات الولادة؟

والحقيقة المرّة ان أكبر ازمة عرفها لبنان وقد تؤدي الى نهايته هو وجود مئات الالاف من الأطفال الذين ولدوا في لبنان ولا يملكون ما يثبت هويتهم وغير موجودين على الخريطة البشرية ويعيشون خارج إطار القانون، وليكون الانسان تحت سقف القانون على الأقل ان يملك «هوية» ويكون لديه اسم وصفة ويتمتع بكيان.

هنا يقع الجدل…
وفقا للقانون لا إمكانية لاحتجاز هؤلاء القصّر لاسباب متعددة منها:

أولا: هؤلاء «النكيشة» قصّر.

ثانيا: لا يملكون أوراقا ثبوتية او مستندات او مكان سكن.

ثالثاً: عندما يتسطّر محضر ضبط بهؤلاء فالقاضي يسأل عن الجريمة او الفعل الذي ارتكبه، وهنا يقع الجدل، فجريمة بالمعنى للكلمة لا يوجد وانما جريمة بحق البيئة وما يلحق بها من تلوث جراء «النكش» في مكبات النفايات والعبث بها لتصل الى الطريق الموازية لمكان مكبات النفايات وبالتالي هذه البضاعة التي يجمعها «النكيشة» لا تعود لاحد، ولم يسرق أحداً او يتعدى على بضاعة أحد. وعند اخبار القاضي ان ما يقوم به هؤلاء مضر بحق البيئة فيجيب سطّروا محاضر ضبط بهم لتبرز مشكلة عدم امتلاكهم لمستندات او هوية الخ…كما ان الانكى انهم لا يملكون المال لدفع غرامة محضر الضبط، وفي هذه الحالة لغة الواقع تعطّل عمل القانون بحيث أقيم لقواعد ثابتة، او وضع طبيعي والواقع اننا لسنا في واقع طبيعي لهذا الوجود الكثيف للاجئين السوريين في لبنان، والولادات التي نشأت من خلال تبعيات الازمة والانهيار المالي والحرب السورية…

الإجراءات بحق هؤلاء…
لماذا تعتبر الإجراءات بحق هؤلاء جريمة بحد ذاتها؟

لانه بمجرد الحديث عن عودة اللاجئين السوريين الى بلدهم، تنهال منظمات حقوق الانسان والسفارات بالاتهام بالعنصرية واللاإنسانية، وفي المقابل هذه الجمعيات تتقاضى أموالا طائلة ومهمتها الوحيدة هي الدفاع عن اللاجئين السوريين.

لذا، تم الاتفاق مع «اليونيسف» من خلال تقديم مركز لاحتضان «القصّر» من متسولين و «نكّيشة» على الطرقات، يتم اخذهم وتسليمهم لمنظمة اليونيسف الدولية التي تعنى بالاهتمام ورعاية شؤون الطفل، فلا نكون خارج سلوك حقوق الانسان كما اننا بهذه الطريقة نقوم بمعالجة مشكلة اجتماعية تَفَاقُمُها قد يؤدي الى عواقب لا تحمد نتائجها.

هل المقصود التوطين؟…

ان كان هذا هو المقصود فحتماً هو تدمير لبنان «والنكاشة» في ظاهره موضوع بسيط وانما اضراره جسيمة لأنه لا يقتصر على فعل «النكاشة» بل امتد الى السرقة وقد يصل الى تسليح هؤلاء كما في المخيمات.

هؤلاء هم ازمة وطنية والمعالجة يجب الا تقتصر على المحافظ او رئيس بلدية بل يجب ان تكون قضية وطنية وقد تكون سياسية أي محميون من جهات سياسية، والجهات التي تستفيد من هذه القضية اكبر من أدوات الدولة وأجهزتها.

Exit mobile version