يقترب القضاء الفرنسي من القبض على كل خيوط عملية اختلاس الأموال وتبييضها التي نفّذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بواسطة أقرباء ومصرفيين ومقربين منه. توجيه القاضية الفرنسية أود بوروزي الاتهام إلى رئيس مجلس إدارة مصرف بنك الموارد مروان خير الدين، في باريس، بجرائم تنظيم عصابة إجرامية لاختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية وخيانة الأمانة وإفساد موظف عمومي، ليس سوى بداية تساقط أحجار الدومينو التي استخدمها سلامة على مرّ السنين.
خير الدين الذي استجوبه قضاة أوروبيون في بيروت في كانون الثاني الماضي، تبلّغ، في 24 آذار الماضي، بالتهم الموجهة إليه من دون احتجازه، وسُحب منه جواز سفره لمنعه من السفر. وهو يُساءل بشكل أساسي حول دوره في التغطية على جرائم الشقيقين سلامة والحويك على تهريب الأموال، خصوصاً أنه كانت لرجا سلامة ثلاثة حسابات مصرفية في بنك الموارد «نمت» ودائعها من 15 مليون دولار عام 1993 إلى 150 مليوناً عام 2019.
ويبدو أن لا أفق أمام خير الدين العالق في باريس سوى التعاون مع القضاء. وأوضحت مصادر فرنسية مطلعة أن تزويده القاضية بأسماء وتفاصيل عن كل ما كان يجري، ستُقابله بتخفيف التدابير القضائية عنه كرفع منع السفر باعتباره متعاوناً ويمكن استدعاؤه متى احتاجت إليه. أما وصول الملف إلى المحكمة لمحاكمته بالتهم الموجهة إليه، فستكون كلفته نحو 10 سنوات سجناً، إضافة إلى الحجز على أمواله الخاصة وعقاراته.
وفي كل الأحوال تشير مصادر إلى أن وضع خير الدين على لائحة الاتهام بات يستوجب اجتماع مجلس إدارة المصرف لاستبعاده، فيما ساد الهلع في أوساط مصرفيين لبنانيين اخرين.
اصل ملف خير الدين يتعلق بشكوك حول تزويده الأخوين سلامة بمستندات مزورة عن الحسابات المصرفية المفترضة في بنك الموارد باسم رجا سلامة. إذ لم يحصل القضاة من اوروبا على أي مستند يظهر مكان إيداع الأموال بعد سحبها نقدا من المصرف.
تزويد خير الدين القضاء الفرنسي بأسماء وتفاصيل عن كل ما كان يجري سيقابل بتخفيف التدابير القضائية عنه باعتباره متعاوناً
وسبق أن سألت المدعية العامة السويسرية الحاكم عن هذه الحسابات، فشرح وكيلاه في سويسرا، في رسالة اطلعت عليها «الأخبار»، تفاصيل حركة هذه الحسابات. وجاء في الرسالة أنه بتاريخ 5 كانون الثاني 1993، كلّف رياض سلامة شقيقه رجا إدارة جزء من إرثه عقب تسميته حاكماً لمصرف لبنان وتركه منصبه في «ميريل لينش». وحوّل لهذا الغرض 15 مليون دولار إلى حسابات باسم رجا في بنك الموارد، تمت تغذيتها بالطريقة التالية: 7 ملايين و200 ألف دولار جرى استثمارها في المنتجات المالية من خلال حساب إيداع بالليرة اللبنانية، 4 ملايين و800 ألف دولار جرى استثمارها في المنتجات المالية من خلال حساب إيداع بالدولار، و3 ملايين دولار جرى استثمارها في حساب مخصص للاستثمار العقاري. وارتفعت أرباح الأسهم والفوائد المحققة من كانون الثاني 1993 إلى 2019، أي تاريخ إقفال الحسابات، من 15 مليوناً إلى 150 مليوناً و696 ألف دولار. وبحسب الرسالة، فإن هذه المبالغ كان يحوّلها رجا إلى رياض بناء على طلب الأخير. وقد استخدم رجا حسابات تتضمن سيولة كافية، لا سيما تلك التي يمتلكها في بنك HSBC في سويسرا.
وسبق لبوروزي أن ادعت بطريقة مماثلة على صديقة سلامة، آنا كوزاكوفا، في تموز 2022 بجرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي المشدّد، ومنعتها من السفر بالتزامن مع الحجز على ممتلكات تتخطى قيمتها الـ 14 مليون يورو. وهذا المبلغ جزء من 130 مليون دولار محتجزة في أوروبا في إطار تحقيقات تقوم بها 7 بلدان أوروبية حول جرائم مرتبطة مباشرة بحاكم مصرف لبنان.
الاتهام الفرنسي لسلامة في 16 ايار
ترجح معلومات قضائية أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خطى مروان خير الدين وآنا كوزاكوفا، سيوضع على لائحة الاتهام في 16 أيار المقبل، وهو موعد الجلسة التي حدّدتها القاضية الفرنسية أود بوروزي في باريس للاستماع عليه، تمهيداً لملاحقته قضائياً نتيجة توافر أدلة حول ارتكابه أفعالاً جرمية.
وكيل الدفاع عن سلامة المحامي بيار أوليفييه سور أبلغ وكالة «فرانس برس» أنّ موكّله يدرس جدوى تلبية هذا الطلب، مؤكداً أنه سيطعن بقانونية الإجراءات المتخذة في حقّ سلامة لناحية أن المحققين الفرنسيين استمعوا إليه في آذار الماضي في لبنان بصفة «شاهد»، فيما هم اليوم في صدد توجيه اتهامات إليه. إذ إن القانون الفرنسي يحظر الاستماع إلى شخص كشاهد إذا توافرت مؤشرات تثبت مشاركته في الجرم المحقق به، مشيراً إلى أن هناك على أي حال قراراً للقاضية غادة عون بمنع سلامة من السفر. إلا أن عون أكدت لـ«الأخبار» أنها تتجه إلى رفع منع السفر عن سلامة، مشيرة إلى أن القرار ساقط بحكم مرور أكثر من عام ونصف عام على صدوره فيما لا تتجاوز مدته ستة أشهر. على رغم ذلك، ستزيل عون كل الذرائع من أمام سلامة بعد استعادتها الملف من الهيئة الاتهامية بتعميم رفع منع السفر على الأجهزة الأمنية.