الاخبار – نقولا ناصيف
خلافاً لقاعدة ان كل أوان لا يستحي بأوانه، تستعجل حكومة تصريف الاعمال بت مصير قيادة الجيش قبل شهرين من التقاعد المفترض للعماد جوزف عون. مبرر الاستعجال تحوّطاً من صدمة في بلد اعتاد المفاجآت دونما ان تقلقه. لا مكان فيه للاسرار، ولا احتكام الا الى السياسة.
بحسب ما شاع في الساعات الماضية، تذهب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في جلسة مجلس الوزراء اليوم، الى تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون قبل شهرين من احالته الى التقاعد في 10 كانون الثاني المقبل. المدة المرشحة لتأجيل التسريح سنة. عملاً بالاشاعة على ذمة ناقليها، قد تفعل وقد تتراجع، بعدما تلاحقت عشية الجلسة اتصالات تبحث عن مخارج قانونية وتتفادى مزيداً من التشنج الداخلي ولا تربك المؤسسة العسكرية.
امام جلسة اليوم اذا صحّ ادراج هذا البند اكثر من امتحان:
1 – اكتمال نصابها القانوني للالئتام اولاً، ثم لاتخاذ قرار تأجيل تسريح عون. في غياب الوزراء الخمسة للتيار الوطني الحر، يتوقف اكتماله على ما سيقرره وزيرا تيار المردة وحليفهما جورج بوشكيان ووزير الطاشناق. حضورهم يغلب انعقادها وتغيبهم يعطب نصاب الثلثين.
2 – موقف رئيس البرلمان نبيه برّي قاطع: «لا يتعبوا انفسهم ويأتون اليّ. ليس عندي ما اعطيه». المقصود ان لا جلسة في مجلس النواب للتصويت على قانون تمديد سن تقاعد قائد الجيش، واقفاله الحتمي هذا الخيار. الجانب المهم في تتمة الموقف هو: «افعلوا ما تريدون في مجلس الوزراء». ما يفهمه زواره، ان رئيس المجلس يفضل اولوية انتخاب رئيس للجمهورية على تعيين قائد جديد للجيش. ما ردده مراراً انه لا يحبذ استثناءً على قاعدة اعتمدت منذ احالة المدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى التقاعد، ومن بعده انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. مع ذلك يُستشم مرونة في موقفه ليست بعيدة من ابقاء عون في منصبه، باجراءٍ يتخذ في مجلس الوزراء. ما يرفضه برّي ايضاً جازماً هو توقيع 24 وزيراً على اي مرسوم يصدر عن حكومة ميقاتي، بما في ذلك التفكير في سلة تعيينات المجلس العسكري.
3 – حزب الله، في ضوء ما بَانَ في الساعات الاخيرة، يميل الى ان ينأى بنفسه عن الاشتباك الدائر من حول بقاء قائد الجيش او تعيين خلف له او سلة تعيينات في المجلس العسكري. ادار ظهره لذاك الاشتباك ويوحي بأنه ليس في صدد الدخول فيه، فيما يخوض حرباً ضارية في الجنوب. بعيداً من موقفه من قائده، ليس خافياً تعاون حزب الله مع الجيش في المواقع الامامية عند الحدود، والتنسيق مع ضباطه ومراكزه وتسهيل امراره الذخائر والاسلحة. فضّل لو صار في الامكان الى تعيين رئيس جديد للاركان يحل محل قائد الجيش الى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية، حفاظاً على التراتبية الهرمية في امرة المؤسسة العسكرية. بيد ان المرجعية السياسية المعنية بتعيينه، وهي الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، تعارض رئيساً جديداً للاركان ما لم يسبقه تعيين قائد للجيش. على ان حياد حزب الله – للمفارقة – يتقاطع مع ما يريده الاميركيون، ومع ما يتحمس في التعبير عنه حزب القوات اللبنانية أول اعدائه الداخليين، وهو تمديد بقاء عون في منصبه. في الوقت نفسه سيمسي اكثر احراجاً امام حليفه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل المعارض استمرار عون في منصبه. مرة اخرى – اذا اصاب سيناريو التمديد – يعود الحليفان اللدودان عشرات الخطوات القهقهرى الى الوراء.
4 – سياسياً العناصر تلك مجتمعة تتيح تأجيل تسريح عون. اما في الدستور والقانون على السواء، فإن اجراء كهذا يصدر عن مجلس الوزراء مشوب بجملة مخالفات دستورية وقانونية. بالتأكيد في ظل الطبقة السياسية الحالية المدمنة على المخالفة والارتكاب، يسهل القفز فوق النصوص. ما تعزم حكومة تصريف الاعمال على الاقدام عليه، بعد اكتمال نصاب ثلثيها وان تغيّب الوزير المختص وزير الدفاع موريس سليم، اصدارها قراراً يؤجل تسريح القائد بدعوى الحرص على تماسك المؤسسة العسكرية والخشية من التهديد الاميركي بحرمانها من قطع الغيار والمساعدات ومن التهديد القطري بحرمانها المئة دولار شهرياً للعسكريين.
في منتصف الشهر المنصرم، طرح ميقاتي اقتراحاً يقضي بعقد اجتماع للمجلس الاعلى للدفاع بصفته نائب رئيسه الشاغر منصبه، والخروج بتوصية الى مجلس الوزراء بتأجيل تسريح قائد الجيش. في المعتاد احالة توصيات المجلس الاعلى للدفاع الى مجلس الوزراء تترجم الى مراسيم. هنا تقيم المعضلة. ما ان ينظر مجلس الوزراء في التوصية يستعصي عليه تطبيقها في مرسوم ما لم يوقعه الوزير المختص. امهار الوزير توقيعه على مرسوم يقع في صلب ما تنص عليه المادة 54 في الدستور عن توقيع قرارات مجلس الوزراء التي يشترك فيها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير او الوزراء المختصون. توقيع الوزير جوهري وفي صلب تكوين الطبيعة الدستورية للمرسوم، ما خلاه يُطعن فيه ويُعد باطلاً. مؤدى ذلك ان ليس في وسع حكومة تصريف الاعمال، او اي حكومة سواها، اصدار مرسوم لا يوقعه الوزير المختص سواء حضر جلسة اتخاذه او لم يحضر.
ما يصح في المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء هو نفسه في تأجيل التسريح المنصوص عليه في المادة 55 في قانون الدفاع الوطني، القائل بتأجيل تسريح «المتطوع» بناء على قرار وزير الدفاع بعد اقتراح قائد الجيش. في ثلاث سوابق تمديد للعماد السابق جان قهوجي بين اعوام 2013 و2016 وافق على ان يقترح لنفسه تأجيل تسريحه. انتهى المطاف بوزيريْ الدفاع المتعاقبين فايز غصن وسمير مقبل الى اصدار قرار تأجيل تسريحه ما دام طالب الولاية قد طلبها. ما ينقل عن القائد الحالي رفضه طلب الولاية الجديدة. الا ان العقبة المكملة لها ان الوزير الحالي بدوره يرفض اصدار قرار يؤجل تسريحه. يستخدم سليم فيتويْن يتعذر انتزاعهما منه او الاستيلاء عليهما، يكمل احدهما الآخر: اول امتناعه عن توقيع «قرار» تأجيل التسريح المنصوص عليه في قانون الدفاع الوطني، وثان امتناعه عن توقيع «مرسوم» يؤجل تسريحه في مجلس الوزراء غير ذي صفة في ان يضع يده على شأن وثيق بسلطة الوزير. الحال الثانية هذه مخالفة في الاصل للقانون والاصول. حَصَرَ قانون الدفاع الوطني صلاحية تأجيل التسريح بالوزير على انها صلاحية مقيِّدة. اما الادهى في قرار محتمل بتأجيل التسريح، فتعارضه ايضاً مع السن القانونية لتقاعد العماد الملحوظة في قانون الدفاع الوطني، لا يعاد النظر فيها سوى بتعديل القانون نفسه لا بما هو ادنى منه كقرار. هذا المفتاح بين يدي رئيس البرلمان.
قبل اسابيع بانت على سطح السرايا اكثر من طرفة غير مسبوقة. اولى تقدم بها القاضي هاني الحجار مفادها فتوى لا نظير لها: ثمة سلطة عليا هي مجلس الوزراء وسلطة دنيا هي الوزير. عندما تتخلف السلطة الدنيا عن القيام بوظيفتها، للسلطة العليا ان تمد يدها عليها وتتولى نيابة عنها القيام بما لم تفعله تلك. ابسط ما يقال في فتوى كهذه تعارضها مع المادة 66 في الدستور التي تنيط بالوزير دون سواه تطبيق الانظمة والقوانين في وزارته. اما الثانية التي لا تقل سوءاً وتهوّراً فالاجتهاد ان الجهة صاحبة صلاحية التعيين لها صلاحية التمديد.
على جاري المعتاد قلب الهرم رأساً عقب. في بت مصير قيادة الجيش قُلبت التراتبية رأساً على عقب: في الاسفل الدستور المسمى اسمى القوانين، فوقه القانون وفوق القانون القرار. اما الطبقة الحاكمة فهي فوق تلك كلها. اتعسها الدستور الذي ينوء تحتهم.