يُعد تعنيف الأهل لأطفالهم من القضايا الحساسة والشائكة، التي تثير الكثير من السجال حول الدوافع التي تجعل الوالدين يرفعون أيديهم على أطفالهم، رغم ان ذلك ليس مشهدا نادر الحدوث في العديد من المجتمعات، ولكنه يثير دائما تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك.
وقد زاد الجدل في هذه المسألة مؤخرا، بعد “الفيديو” الذي نشرته الفنانة اللبنانية نادين الراسي على صفحتها الخاصة على “انستغرام”، حيث ظهرت وهي تقتحم منزلا لإنقاذ طفل. وتساءل الكثيرون عن التأثيرات النفسية لما شاهدوه، والصدمات النفسية الخطرة للعنف على أطفال النازحين والمجتمع المضيف، كون الأذى الاسري يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويؤثر في نموهم العاطفي والسلوكي، ويزيد من احتمال تكرارهم لأنماط العنف في المستقبل.
التعنيف ينمي السلوكيات الاجرامية!
بالمقابل، قد ينعكس التأنيب الأسري لدى النازحين سلبا على الصحة النفسية والبيئة المحيطة، مما يفاقم من التوتر بين هؤلاء والمجتمع المحلي، وهذا يهدد العلاقات الحياتية والتكامل في الدولة المضيفة، لذلك تستوجب هذه الحالة دعما نفسيا واجتماعيا فعالا للأطفال والأسر النازحة، للتعافي من آثار العنف وإعادة بناء حياتهم بهدوء وطمأنينة.
بالمقابل، ممكن أن يكون للعنف المنزلي تأثير كبير في السلوك الإجرامي، وبالتالي يكون الأفراد الذين يتعرضون للإساءة الاسرية، أكثر استعدادا للانخراط في السلوك الإجرامي، كوسيلة للحماية الذاتية أو كمبرر للتعامل مع الصدمة التي تعرضوا لها. فوق ذلك، قد يصبح الضحايا هم أنفسهم جناة أو يندمجون في أنشطة إجرامية أخرى، للتغلب على التوتر والصدمة الناجمة عن تجاربهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن تبرير ضرب الأطفال بأي شكل من الأشكال؟ وما هي النتائج النفسية والاجتماعية التي قد تترتب على هذه التصرفات عندما يكبر هؤلاء؟
الجهل يبرر الشدّة!
بالموازاة، تتعدد الأسباب التي تدفع الأهل إلى توبيخ أطفالهم، منها الضغوط الاقتصادية والنفسية، أو عدم معرفة أساليب التربية السليمة، أو حتى محاولات نقل الأنماط التربوية التقليدية التي تربوا عليها. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن يكون هناك مبرر حقيقي لضرب الصغير؟
في هذا المجال، تشير الدراسات النفسية والتربوية إلى أن العقاب البدني قد يترك آثارا سلبية عميقة في الاولاد، تتراوح بين اضطرابات القلق والاكتئاب، إلى مشكلات في بناء العلاقات الاجتماعية والثقة بالنفس. لذلك فان البحث في هذا الموضوع يتطلب منا فهما بعيدا للأسباب والنتائج، وضرورة توعية الأهل بأساليب التأديب الإيجابية، التي تعزز من نمو الطفل النفسي والاجتماعي بشكل صحي وآمن. وهنا علينا أن نتساءل: كيف يمكننا كآباء وأمهات ومجتمع أن نكون جزءا من الحل وليس المشكلة؟
بين الجرأة والاقصاء.. والدة مبعدة!
نشرت الممثلة نادين الراسي منذ ايام “فيديو” على حسابها الرسمي “انستغرام”، تبين فيه كيف كانت إحدى الأمهات تُعنّف ابنها، وقد جرى ذلك صدفة بينما كانت نادين موجودة في إحدى البلدات الجبلية، حين سمعت الأم وهي تصفع طفلها، ما دفعها إلى التدخّل ومنعها من ضربه. تجدر الإشارة هنا، الى ان الخبراء في مجال علم الاجتماع والنفس، يجمعون على ان الأم المحرومة من أطفالها كنادين عندما تشاهد أما أخرى تضرب أو تعنف طفلها، تتصاعد في داخلها مشاعر متناقضة ومعقدة، وقد تشعر بالغضب والحزن الشديدين، وتستعيد ذكريات مؤلمة عن فقدانها لأطفالها. وفي تلك اللحظة، ترى كيف يمكن أن يكون الحب والحنان شيئا نادرا، وبينما يتمتع آخرون بفرصة الاحتضان والرعاية يهدرونها بالعنف والقسوة.
بالإضافة الى ان نادين الام التي تشعر بالعجز والإحباط، لأنها غير قادرة على تقديم الحب والرعاية التي تعتبرها حقا أساسيا لكل طفل، تساءلت عن العدالة في العالم، وكيف يمكن أن يُحرم البعض من أبسط حقوقهم، بينما يُسيء الآخرون استخدام هذا الحق. لذلك وجدت فرصة لتعبر عن مشاعرها لتكون محفزا للمساهمة في التوعية والدعم من اجل تربية صالحة، وفي محاولة منها لتعويض الفقدان الشخصي وإحداث فرق في حياة أطفال آخرين. صحيح ان هذه التجربة المؤلمة تعكس التناقض الكبير بين الرغبة العميقة في الحنين والاهتمام، وبين الواقع القاسي لبعض العيال، الا انها تذكر الاهل بأهمية تقديرهم ومعاملتهم بالحب والاحترام، وتحثهم على العمل من أجل بيئة أفضل وأكثر سكونا للأطفال جميعا.
تجدر الإشارة هنا، الى ان “الديار” حاولت الاتصال مرارا بالفنانة نادين الراسي، الا ان هاتفها كان مغلقا، وبالتالي لم نستطع الوصول اليها”.
التعنيف مرفوض بشكل قاطع!
قالت الاختصاصية النفسية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ “الديار” لقد “أثارت حالة الأم السورية التي ظهرت في “الفيديو” المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تعنّف طفلها، مشاعر متباينة من التعاطف والغضب، رغم أن التعنيف مرفوض بشكل قاطع، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المستوى النفسي والثقافي والتربوي للعائلة، مع التركيز على الجوانب النفسية والاجتماعية المعقدة المرتبطة بهذه القضية”.
واضافت “لا ينبغي إطلاق الاتهامات عشوائيا، ونعت الأم بأنها ظالمة ولا تحب أطفالها، علما بأن تصرفها غير مقبول ولا يمكن تبرير القساوة، والمطلوب تقديم المساعدة لها وللعديد من الأمهات، اللواتي يعشن بالقرب منا ويعنفّن أطفالهن يوميا. وانطلاقا من كل ما ذكرته، يجب الانتباه إلى الأمور الاتية:
1- النوازل المعيشية: تترك الحرب والنزوح أثرا عميقا في الصحة النفسية للأمهات، مما قد يؤدي إلى اضطرابات مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
2- الاضطرابات النفسية: تدفع الضغوط النفسية المستمرة للأهل إلى اعتماد سلوكيات عنيفة، نتيجة لعدم القدرة على التعامل مع المحن بطرق صحية، ولعدم الوعي أو صعوبة الحصول على المؤازرة النفسية.
3- الازمات الاقتصادية والاجتماعية: يزيد الفقر والشظف من الهرج، بحيث تشعر الأمهات بالعجز والإحباط، مما يزيد من مستوى التوتر والعنف. لذلك يضاعف الاحساس بالغربة والعزلة في مجتمع جديد من مشاعر الاغتمام والنكد وعدم الشعور بالانتماء.
تأثير العنف في الاطفال… والحلول
وتابعت يونس: “يتضمن تأثير العنف في الأطفال العوارض الاتية:
1- الصدمات: يؤدي التعرض للبَأس إلى اضرار نفسية طويلة الأمد، مما ينعكس على النمو العاطفي والسلوكي للأطفال.
2- تكرار نمط العنف: الأطفال الذين يواجهون اشكالا متنوعة من الإيذاء الفعلي، قد يعيدون الممارسات القاسية نفسها في المستقبل، مما يؤدي إلى ترْداد دورة العنف الأسري.
وأشارت الى الحلول المقترحة لمساعدة هذه الفئة وتشمل مجموعة من الخطوات المهمة مثل:
1- الدعم: ويكون عبر تقديم جلسات تطبيب نفسي للأمهات، لمساعدتهن على التعامل مع الصدمات النفسية وتعليمهن أساليب التربية الإيجابية، وتوفير حصص علاجية لتحسين التواصل والعلاقات داخل الأسرة.
2- التدخل الاجتماعي: يتمثل بتأمين شبكات دعم اجتماعي للأمهات والأطفال، من خلال الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وتنظيم برامج تثقيفية حول سطوة العنف وأهمية الروابط العائلية.
3- الوقاية والتوعية: عبر إطلاق حملات تثقيف حول مخاطر البطش الأسري، وكيفية الإبلاغ عنه، وتعزيز التشريعات التي تحمي الأطفال والنساء من المكاره وتطبيقها بصرامة.
وختمت يونس “تتطلب معالجة قضايا العنف الأسري في المجتمعات اللاجئة مقاربة شاملة تشمل الدعم النفسي، التدخل الاجتماعي، المساعدة الاقتصادية، والتوعية المجتمعية. ومن الضروري أن نفهم الخلفية النفسية والاجتماعية للأمهات اللاجئات لنتمكن من تقديم حلول فعالة ومستدامة تساهم في بناء بيئة أسرية صحية وآمنة”.