ما هو انهيار “البانكيغ”… ولماذا هذا النوع من الزلازل مُدمّر وقاتل على البشر والحجر؟

Share to:

الديار: ندى عبد الرزاق

لا شك في ان “الفيديوهات” والصور ومشاهد الدمار الهائلة التي التقطت من الاماكن التي ضربها الزلزال في هتاي التركية وغازي عنتاب ومرعش، ومناطق سورية مثل جنديرس وجبلة، حيث ان عرض كيفية سقوط المباني عن طريق كاميرات المراقبة، اثار الرعب النفسي على مستوى العالم، واعاده بالذاكرة الى زلازل مضت وكانت مدمرة.

شوهدت المباني تسقط من الأعلى الى الأسفل بعد تصدع الطوابق الأولى، وكأن الأحجار والخرسانة والحديد وغيرها من المواد التي تستخدم في البناء والتدعيم في اعمال الاعمار، هي كناية عن صفائح كرتونية او عيدان خشبية، والترابة اشبه بالرمل المتحرك.

فانحلال البنيان بهذا الخسوف المروّع والرهيب، ترك آثارا سيئة لمن عايشها وعاينها او سمع عنها، لدرجة الخوف من أي اهتزاز بسيط. ومن هنا،أطلق على المنازل التي تهاوت كأحجار بلاستيكية تسمية “انهيار البانكيغ”، كونه يرمز الى فطيرة البانكيك الشهيرة.

ما هو انهيار “البانكيغ”

يقول خبير هندسة الزلازل الياباني كوسونوكي كويتشي في حديث للقناة اليابانية NHK WOLD، ان الطريقة التي انهارت بها المنازل جراء الزلزال في تركيا وسوريا، وكانت سببا مباشرا في ازهاق أرواح الآلاف شبيهة بفطيرة “البانكيغ” الشهيرة،حيث يقوض الصرح بأكمله الى أسفل على نفسه، بسبب هشاشته وقدمه، وعدم مراعاته معايير مقاومة الزلازل والهزات الأرضية.

ويقول كويتشي “انه في حالة انهيار البانكيغ، تتكدس الارضيات بعضها فوق بعض، ويتراكم على شكل جبل، ما ينتج عنه مزيدا من الوزن والضغط مع سقوط الهيكل الأساسي من المبنى، ثم تتداعى العمارة بأكملها بعد ذلك”.

وفي سياق زلزالي متصل، اوضخ خبراء جيولوجيين ان انهيار “البانكيغ”، يعد الأخطر والأكثر ضررا “كأنه نار في الهشيم”، وهو نقيض الحالة التقليدية التي تتساقط البيوت فيها،والتي تكون الأقرب تصورا للعقل، أي انها لا تتداعى كليا او فقط من الجانب.

ارتفاع عدد الضحايا

اما عن سبب ارتفاع عدد القتلى، يقول الخبير الياباني كويتشي: ” عندما يحدث انهيار “البانكيغ”، لا يجد الناس في داخل المنازل وقتا للفرار، ووقوعه يؤدي الى تعقيد في جهود اعمال البحث والإنقاذ والإغاثة”.

وفي سياق متصل، شبه مسؤول في إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد”، “ان الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا منذ ما يقارب الأسبوعين وبلغت قوته 7.7 واستمر لـ 65 ثانية، فان حجم الطاقة المنبعثة منه يعادل 500 قنبلة نووية، وحصد خسائر بشرية ومادية وعمرانية”.

وبحسب الخبراء في هذا المجال، يعد هذا النوع من الانهيارات الأكثر ضررا على الأرواح البشرية والممتلكات،لأنه غالبا ما يكون هناك عدد قليل من الخواء، والفتحات من الفضاء والهواء في الأنقاض، لذا فان الاحمال الكبيرة للمواد، قد تجعل من المستحيل توفر هوامش فارغة.ويرجع الباحثون،الى ان هذا النوع من السقوط يعقّد عمليات اجلاء الضحايا او الناجين، لان الهياكل التي تظل بالقرب من موقع الانهيار، تكون غير مستقرة، ويمكن ان تقع مع تحرك رجال الإنقاذ والمسعفين داخل الأنقاض.

وفي السياق، فان تصميم المباني له تأثير كبير بالنسبة لقدرة التحمل، وهو ما ينسحب على مد الأساسيات بمزيد من الدعم، وزيادة قدرة التحمل في الطوابق السفلية، يعني “التدعيم والقواعد والاصول” على وجه الخصوص، والذي قد يسهم في تخفيف إمكانية حدوث انهيار “البانكيغ”، خاصة في المناطق الأكثر عرضة للزلازل او حتى المهترئة والغير مدعّمة.

بالإشارة، الى ان الكثير من المدن والقرى التركية لم تتأثر بالكارثة الاخيرة، حتى ان المواطنين لم يشعروا بالهزات الارتدادية او الزلزال ذات نفسه، ما يدل على ان العمارة متصدية وصلبة ومتمكنة. على سبيل المثال منطقة “ارزين” القريبة من المناطق المتضررة، لم تسقط مبانيها ولم يُسجل وقوع ضحايا. وشرح المهندسون ان ارزين تغلبت على هذه الكارثة كون منازلها تتوفر فيها شروط السلامة العالمية لجهة صحة البنيان.

الأساس.. الخرائط الانشائية

اما في لبنان، فالوضع كارثي لأسباب مختلفة، منها يعود الى الأبنية الغير مدعّمة ضد الزلازل، او تلك القديمة حيث تآكلت اساسياتها بمرور الزمن،كما غياب اعمال الصيانة والترميم والكشف عليها من فترة لأخرى.

في هذا السياق، يقول المهندس الانشائي والخبير في الزلازل الدكتور رواد عساف لـ “الديار”: “يجب العودة الى الخرائط الانشائية او التنفيذية او اقلّه الى صور تعود الى مراحل التنفيذ، لمعرفة وضع الباطون والحديد وطريقة استخدامه”. ويتابع ” إذا كان البناء جاهزا، يمكننا تكوين فكرة مبدئية إذا كان مقاوما او العكس، ولكن للتأكد يجب الكشف على وضعية الحديد”.

ويسلط عساف الضوء على هذا الجانب بالقول: ” ان العامل الأول يتعلق بمدى قوة الهزة على مقياس ريختر، وهو المقياس الرسمي لقياس شدة الزلازل، ويتدرج من 1 الى 10 ، وكل زيادة مقدارها 1 ريختر، يعني زيادة قوة الزلزال عن الوحدة الأصغر بمقدار عشرة اضعاف، فعلى سبيل المثال الزلزال الذي تبلغ شدته 2 ريختر، تكون قوته عشرة اضعاف الزلزال الذي تبلغ شدته 1 ريختر”،ويعتبر”انه مهما تعددت أنواعها، فان تأثيرها يكون محدودا، وكلما ارتفعت الدرجة تصبح أكثر خطورة. كما ان هناك عوامل أخرى منها طبيعية”.

لا احصائيات دقيقة

في هذا الإطار، يقول عساف:”اننا نفتقد الى ارقام وحسابات دقيقة، كون المبادرات فردية ومناطقية ومن الصعب احتسابها، لكن من خلال الاتصالات التي نتلقاها، كذلك الامر بالنسبة الى الأبنية التي شرعنا ندرس وضعها، ونحضر ملفاتها للمباشرة بإعادة ترميمها، كشف عن وجود عدد كبير من الأبنية المتصدعة”.

ويشيرالى “ان درجة قوة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وتأثر به لبنان لا يعدّ خفيفا، لكن مع الأسف وضع الأبنية في الأساس كان سيئاً بدون زلزال، والهزات الارتدادية والمتأرجحة ما بين الخفيفة والمتوسطة والقوية، أدت الى ظهور التشققات وبعضها يصنف بالخطر. اما المباني الأكثر تضررا فتقع في المناطق الفقيرة او تلك التي تعود الى البناء القديم، ولم تخضع لأي اعمال تدعيم وترميم او صيانة دورية منذ سنوات طويلة، وتعاني من مشاكل تسرّب “النش” واهتراء الحديد وتفقيع الباطون، والتي مع الوقت تتوسع ليصبح الخطر المحدق، وقد يطال أي اسرة”.

Exit mobile version