ما مصير لبنان إذا طالت حـ.ـرب غزة سنتين؟

Share to:

الجمهورية – طوني عيسى

للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول، كشف الإسرائيليون ما يُخطّط له نتنياهو في غزة. فقد أورد الإعلام، نقلاً عن مصادر في مكتب رئيس الوزراء، أنّ الحرب هناك ستستمر عاماً أو اثنين، هما الفترة التي سيستغرقها القضاء على حركة «حماس». وبعد ذلك، سيقوم الإسرائيليون باحتلال القطاع لـ8 أعوام، بهدف تحويله إلى «ضفة غربية» أخرى.

هذه المعلومات لا تبدو مجرد تسريبات للمناورة، لأنها تنسجم تماماً مع الخلفية السياسية والعقائدية التي تستند إليها حكومة اليمين واليمين المتطرف. ومن خلالها يمكن استنتاج ما يأتي:

1 – أنّ نتنياهو ليس في صدد إنهاء الحرب على غزة خلال العام الجاري، كما يراهن البعض، وأنه ليس مهتماً كثيراً باتفاقات تبادل الرهائن ووقف النار ودخول المساعدات الإنسانية. فما يريده تحديداً هو ملء الوقت بالمساعي الوهمية لتنتهي السنة الأخيرة من ولاية الرئيس جو بايدن. وقد أظهرت الأيام الأخيرة مزيداً من الدلائل إلى أنّ حليفه السياسي دونالد ترامب عائد إلى البيت الأبيض، بعد 10 أشهر.

2 – استتباعاً، كل الأفكار المطروحة للتسوية حالياً، بما فيها تلك المتداولة في محادثات القاهرة ستكون في أفضل الأحوال مهدئات موضعية سرعان ما يزول مفعولها لتمضي الحرب نحو أهدافها البعيدة المدى.

3 – وفق هذه المعلومات المسرّبة، أعلنت إسرائيل في محادثات القاهرة استعدادها لإعادة السكان إلى الأحياء التي ما زالت صالحة للسكن في شمال غزة، ويُستثنى منهم الرجال في سن الخدمة العسكرية، لأنّ بين هؤلاء من سيُمارس أنشطة ضد القوات الإسرائيلية تحت لواء «حماس». ويعني هذا الشرط الإسرائيلي شطر العائلات نصفين، بين مقيمين في القطاع وخارجه، كما يعني أنّ قرابة نصف السكان سيكونون ممنوعين من العودة، أي انّ هذا الشرط سيسهّل تلقائياً خطة إفراغ القطاع من نصف سكانه، بتهجيرهم. وربما تكون سيناء محطة أولى في مسار هجرة تنتهي في بلدان أخرى.

البعض يرى أنّ سيناريو العشر سنوات سوريالي. فهو لا يستطيع تصوّر الكارثة المتوقعة بحجمها الهائل في القطاع خلال الحرب وما بعدها. ولكن، للتذكير، أصبح عمر الحرب هناك 5 أشهر، وكأنها بدأت أمس، ولا أفق ظاهراً للمدى الذي ستبلغه في الفصل الأخير المُنتظر في رفح.

فالإسرائيليون يتريّثون في الانزلاق إلى تجربة غير مدروسة وسيسجلها لهم التاريخ بما ستتسبّب به من مجازر إنسانية. ولذلك، هم يتشبّثون بتحقيق أهدافهم في رفح، لكنهم يفتحون كل الأبواب السياسية لإنهاء هذه المسألة بحد أدنى من الخسائر والضجيج العربي والدولي.

في هذه الأثناء، هناك أسئلة مطروحة عما سيكون عليه الوضع في لبنان. فإذا طالت الحرب عاماً أو اثنين في غزة، كيف سيكون خط الحدود بين لبنان وإسرائيل؟ هل سيبرم «حزب الله» اتفاقاً على الترتيبات الأمنية في الجنوب، ويحيد نفسه عن حرب غزة، كما يطلب الأميركيون، أم سيواظب على استخدام ورقة «المُشاغلة»؟

وفي هذه الحال، هل يتحمّل «الحزب» ولبنان مقداراً غير محدد من الخسائر، بلا سقف ولا أفق زمني، علماً أنّ خسائر الأشهر الخمسة الفائتة قد تجاوزت حتى اليوم كل القدرات، في بلدٍ غارق في الحفرة منذ 5 سنوات؟

سيكون هذا مأزقاً حقيقياً إذا قرر نتنياهو إطالة أمد الحرب في غزة، خصوصاً أنه سيتلقّى دعماً إضافياً من إدارة ترامب العائدة بعد أشهر، وقد تكون له حظوظ إضافية للاستمرار فترة طويلة على رأس السلطة.

واستتباعاً، يسأل البعض: إذا كان «الحزب» يمارس اليوم دوره في «مُشاغلة» الجيش الإسرائيلي، بهدف تخفيف الضغط عن «حماس»، وهي في ذروة قدراتها على المواجهة، فهل يوقف هذه «المشاغلة» ويبرم اتفاقاً حدودياً مع إسرائيل ويترك «حماس» وحيدة بعد أن تتراجع قدراتها وتصبح في حاجة ماسة إلى المساندة؟ وماذا سيفعل «الحزب» إذا احتلت إسرائيل غزة ودخلت معها «حماس» في حرب شوارع؟ هل سيحافظ على وتيرة «المشاغلة» في الجنوب اللبناني أم يوقفها أم يوسّعها؟ وفي أي حال، إلى أي حد ستكون هذه المساندة فعّالة في خدمة «حماس»؟ وهل ستقبل إسرائيل بهذه الوتيرة من «المشاغلة»، أم ستوسّع إطار الحرب كما يهدد مسؤولوها؟

في الخلاصة، يبقى السؤال الأول: إلى أيّ حد، وإلى أي مدى زمني، وبأي وسائل، وبأي كلفة قرر «حزب الله» رفض عروض وقف النار والتسويات، والمضي في أسلوب «المشاغلة» دعماً لـ«حماس»؟ ففي الجواب يتّضِح مصير الجنوب، ولبنان ككل.

وبغض النظر عن دقّة ما نقل، والمبالغات التي اعتاد عليها البعض، إلاّ أنّ من الثابت أنّ الموفد الأميركي ما كان ليقوم بزيارته لولا وجود تطور جديد ألا وهو رهان الادارة الأميركية على نجاحها في تحقيق هدنة الأسابيع الستة. لكن الخلاف العاصف والشرس مع حكومة بنيامين نتنياهو حول «اليوم التالي» يجعل الأوضاع غير مضمونة.

فالادارة الأميركية قد تكون تراهن على أنّ فترة 5 أشهر من القتال المدمّر لا بدّ أن تجعل الجميع في حاجة ماسّة لفسحة زمنية لالتقاط الأنفاس. ولأنّ مطامع اليمين الإسرائيلي تكون عادةً من دون حدود، فلا بدّ من السعي لإنهاكه من الداخل إن من خلال زعزعة ركائز الحكومة (زيارة بيني غانتس الى واشنطن)، أو من خلال تشجيع التحرّكات الشعبية لأهالي الأسرى.

وفي دلالة إلى صعوبة إقناع الإدارة الأميركية للحكومة الإسرائيلية، كان لافتاً التبدّل اللفظي لدى واشنطن. فبعدما كانت تدعو الى إرساء هدنة شهر رمضان، تدرّجت دعوتها في اتجاه الدعوة الى وقف موقت لإطلاق النار. وما بين الهدنة ووقف موقت لإطلاق النار فارق أساسي، مفاده في الموقف الجديد، الإقرار باستئناف القتال حال انتهاء المدة المحدّدة.

وبسبب الضبابية التي تحوط بقرار وقف النار في غزة، جاءت الرسائل التي حملها هوكشتاين ضبابية وغير حاسمة، وهذا ما دفع بالموفد الأميركي الى الإعلان بوضوح أنّه في حال إقرار وقف النار فهو سيعود حاملاً معه تصوراً كاملاً للوضع.

لكن الرسالة اللغز التي أثارت انتباه الجميع، هو ما ردّده حول أنّ وقف النار في غزة لن ينسحب بالضرورة على الجبهة اللبنانية. وهو كلام حمل كثيراً من التأويل حول معناه الحقيقي والمقصود الفعلي منه.

ad

الأوساط الديبلوماسية الأميركية حاولت إضفاء تفسيرات يغلب عليها الطابع الإيجابي. فهي وصفت جولة هوكشتاين بالإيجابية، خصوصاً أنّه استمع الى مختلف الآراء لدى المسؤولين اللبنانيين. وأضافت هذه الأوساط، أنّ واشنطن الحريصة على عدم توسّع القتال في لبنان وعلى استعادة الهدوء على الجبهة اللبنانية، لمست أيضاً من خلال الجولة الأخيرة لهوكشتاين، عدم وجود رغبة بتوسيع دائرة الحرب وتمسّك لبنان بالتزام تطبيق القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1701. والواضح أنّ هذا الكلام نقله هوكشتاين بعد لقائه برئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي اعتبر أنّه كان المحطة الأساسية لجولته الأخيرة.

في الواقع، لم يتردّد الموفد الأميركي في القول امام المسؤولين اللبنانيين، إنّ البيت الأبيض يراهن على تحقيق وقف موقت لإطلاق النار في غزة قبل نهاية الأسبوع الجاري، وأنّ واشنطن تكثّف من ضغوطها لهذه الغاية. ولكنه يعود ويستطرد فوراً قائلًا: «أما إذا لم يحصل ذلك فسنذهب في اتجاه أيام أكثر صعوبة وهولاً». وعلى الرغم من حرصه على إبداء تفاؤل حذر إلّا أنّه لم يخفِ الاحتمالات المقلقة.

وهنا يصبح السؤال أكثر إلحاحاً حول الخلفية الحقيقية لكلامه الذي تلاه عبر ورقة مكتوبة وتمّ إعدادها مسبقاً حول عدم إلزامية سريان وقف النار في غزة على الجبهة اللبنانية.

ففي الفترة الأخيرة، وسّعت إسرائيل من دائرة استهدافها الجوي لتصل الى بعلبك والجانب السوري من الحدود مع لبنان. واندفع الجيش الاسرائيلي أكثر فأكثر في تدمير المنازل والوحدات السكنية، ما يوحي أنّ ما يقوم به لا علاقة له بمجريات المواجهات العسكرية الحاصلة، بل هو بات أقرب الى السعي لتدمير منطقة لبنانية محدّدة موجودة بموازاة الحدود بما يشبه ما يحصل في غزة.

الأوساط الديبلوماسية الأميركية تقول إنّ الأولوية القصوى التي سيعمل على أساسها الموفد الأميركي هي لوقف العمليات الحربية، على أن تشكّل مدخلاً للشروع في تطبيق القرار 1701، كون الوضع خطير جدًا على حدّ وصفها، ولا أحد يضمن ضبطها في إطار محدّد طالما أنّ الأرض مشتعلة.

وهنا لا بدّ من التوقف أمام عبارة أن لا عودة الى الوضع الذي كان سائداً قبل السابع من تشرين. أي أنّ ترتيبات كبيرة لا بدّ أن تحصل على الأرض لتشكّل ضماناً ثابتاً للمرحلة المقبلة. وهنالك من يخشى أنّه في حال الذهاب الى مفاوضات بعد تحقيق وقف النار في جنوب لبنان، أن لا يندفع أي طرف في إغراق المفاوضات بالتفاصيل وبالتالي الإلتفاف على العناوين الجاري طرحها الآن.

ad

لذلك، هنالك من يعتقد بوجود تصور شامل للمرحلة المقبلة لن يكشف عنه الموفد الرئاسي الأميركي إلاّ بعد التثبت من مسائل عدة، أبرزها وقف إطلاق النار. ولذلك تطرّق هوكشتاين ولو بنحو عرضي وسريع الى وجوب إنجاز الإستحقاق الرئاسي. والمقصود هنا أنّ هذا الملف يخضع لبرنامج زمني من ضمن خريطة الطريق الموضوعة، وليس أبداً أنّه موضوع ليشكّل مقايضة كما يعتقد البعض أو يراهن.

الواضح أنّ المرحلة هي مرحلة تحوّلات كبرى، وهي عادة ما تكون دقيقة وخطيرة.

صحيحٌ أنّ مخاطر الحرب المفتوحة في لبنان ليست كبيرة، بدليل أنّ اسرائيل باشرت منذ نحو أسبوعين استخراج الغاز من حقل كاريش ونقله الى سفينة «إينرجان باور» ما يؤشر الى أنّها لن تخاطر بحرب مفتوحة، إلاّ أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ حرب الاستنزاف لن تستمر، لا بل احتمال أن ترتفع سخونتها ولو تحت سقف محدّد، وهنا باب القلق.فهل هذا ما عنى به الموفد الأميركي باحتمال عدم انسحاب وقف النار في غزة على جنوب لبنان؟

Exit mobile version