ما الذي يدفع بالنوّاب المسيحيين الى التوافق على إسم الرئيس في خلوة حريصا؟

Share to:

الديار – دوللي بشعلاني

لا تزال المساعي جارية لكي يخرج «يوم الرياضة الروحية والصلاة» في بيت عنيا- حريصا الذي سيُلبّيه النوّاب المسيحيون بدعوة من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يوم أربعاء أيّوب في 2 نيسان المقبل، بتوافق مسيحي على إسم رئيس الجمهورية المقبل لعرضه على الفريق الآخر في البلد. غير أنّ أي إتفاق مسيحي لم يحصل حتى الساعة، لا سيما بين أكبر كتلتين مسيحيتين في مجلس النوّاب أي تكتّل «لبنان القوي» وكتلة «الجمهورية القويّة». ولكن يبدو أنّ البعض يُعوّل على حصول تقارب ما بين «التيّار الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» أيضاً في خلوة حريصا المرتقبة، خصوصاً بعدما جرى أخيراً في جلسة اللجان المشتركة من شتائم جاءت على ألسنة بعض النوّاب الشيعة والمسيحيين، ما أعاد الى الأذهان لغة التحريض الطائفي والحرب والإنقسام على أساس مسيحي ومسلم، على غرار ما حصل أخيراً من خلال الإختلاف على موضوع «الساعة» والتوقيت.

تقول مصادر سياسية عليمة، بأنّ ما شهده لبنان من انحدار في المستوى اللفظي في مجلس النوّاب، أظهر أنّ التعصّب الطائفي لا يزال معشّشاً في نفوس النوّاب مع الأسف، وهو لم يتطهّر منها رغم مرور سنوات عدّة على انتهاء الحرب اللبنانية، وذلك بسبب عدم المصارحة والمصالحة الفعلية بين جميع الطوائف. وإذ تمكّن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي كعادته، من احتواء المشكلة، ومرّر القطوع على خير، غير أنّ أحداً لا يضمن عدم تكرار مثل هذا الأمر على الساحة الداخلية، ما يُنذر بحدوث فتنة أو مواجهة طائفية، لبنان بغنى عنها اليوم.

ولأنّ ربّ ضارّة نافعة، على ما عقّبت المصادر، فيبدو أنّ مثل هذه المواقف من شأنها تعزيز التضامن بين الكتل المسيحية، ليُصار بعده الى التوافق مع الفريق الآخر. ولعلّ أفضل فرصة أمامهم في هذه المرحلة للتكاتف فيما بينهم تتمثّل بـ «يوم الرياضة الروحية والصلاة» التي دعا اليها البطريرك الراعي، وسيلبّونها بغالبيتهم يوم الأربعاء المقبل. ولهذا تأمل المصادر أن يؤدّي هذا اليوم الذي سيجمع النوّاب المسيحيين في بيت عنيا في حريصا، الى تقارب في وجهات النظر، لم تظهر مؤشّراته على أرض الواقع حتى الساعة.

وفي غربلة لبعض المواقف، أوضحت المصادر نفسها أنّ ما هو ثابت حتى الآن، هو التقاء «التيّار» و»القوّات» على رفض التصويت لمرشح «الثنائي الشيعي»، أي رئيس «تيّار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية، ولعدم ترشيح مدير المخابرات السابق العميد جورج خوري، رغم أنّ لكلّ من الحزبين أسبابه المختلفة. فيما يتمايزان في مسألة التصويت لقائد الجيش العماد جوزاف عون، فالتيّار غير متحمّس لانتخابه، و»القوّات» قد تنتخبه إذا كان المرشّح التسووي الوحيد. أمّا ما يُفرّقهما بشكل واضح فهي أسماء المرشّحين الوسطيين أو التوافقيين المدرجة على لائحة بكركي، التي تضمّ 11 إسماً حتى الساعة. فوزير المالية السابق جهاد أزعور الذي يؤيّده «التيّار»، على سبيل المثال، ترفضه «القوّات» من دون أسباب تُذكر. فيما وزير الدولة السابق روجيه ديب المحسوب على «القّوات» يؤيّده «التيّار» وترفضه هذه الأخيرة. ويبدو أنّ العكس صحيح فيما يتعلّق بإسم سفير لبنان لدى الفاتيكان النائب السابق فريد الياس الخازن المحسوب على «التيّار»، والذي لا يدعمه هذا الأخير، فيما تؤيّده «القوّات».

أمّا رئيس «مشروع وطن الإنسان» النائب نعمة افرام، الذي كان ضمن تكتّل «لبنان القوي» وانفصل عنه ليلتحق بصفوف المعارضة بعد انتفاضة 17 تشرين الأول من العام 2019، (على غرار ما فعل رئيس «حركة الإستقلال» النائب ميشال معوّض)، فأكّدت المصادر أنّ «التيّار» و»القوّات» يُجمعان أيضاً على عدم انتخابه رئيساً للجمهورية، فيما يؤيّد حزب «الكتائب» وصوله الى سدّة الرئاسة. أمّا معوّض فهو مرشّح «القوّات» و»الكتائب» كما هو معلوم، ولهذا يرفضه «التيّار» بسبب انشقاقه عنه بالدرجة الأولى. فيما إسم النائب ابراهيم كنعان مرفوض قطعاً من قبل «القوّات»، رغم علاقته الشخصية الجيّدة مع النائب ملحم رياشي ونوّاب قوّاتيين آخرين، كما لا يؤيّده نوّاب «الكتائب» و»المردة» كونه يُمثّل «التيّار». في المقابل، لا يُبدي «التيّار» أي حماس لتأييد وصول كنعان الى قصر بعبدا، لأنّ مرشّحه في حال كان سيخوض المعركة الرئاسية، فسيكون رئيس «التيّار» النائب جبران باسيل بلا منازع.

يبقى إسم وزير الداخلية السابق زياد بارود المحبوب من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين وتؤيّد وصوله الى قصر الرئاسة لو كان لها حقّ الإنتخاب، على ما أشارت المصادر عينها، إلّا أنّه لم يحصل خلال جلسات الإنتخاب الـ 11 السابقة في مجلس النوّاب على أكثر من صوتين، كون اسمه لم يُطرح بشكل جدّي بعد، ويؤيّده «التيّار» دون «القوّات». أمّا إسم النائب السابق صلاح حنين فهو من الأسماء الأربعة التي سمّاها النوّاب «التغييريون» الى جانب إسم وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي وبارود والأزعور، وأضاف بعضهم اليها أخيراً إسم الأكاديمي الدكتور عصام خليفة، وتوافق «القوّات» على حنين، لكن «التيّار» لا يؤيّده لسبب أو لآخر.

وبرأي المصادر، أنّ المواقف المُعلنة بالنسبة لترشيح البعض أو التصويت للبعض الآخر، قد تكون تكتيكية لجسّ نبض المكوّنات المسيحية الأخرى، أو خوفاً من حرق بعض الأسماء في حال تأييدها أو دعمها. فكما يُلاحظ إنّ أي مرشّح يؤيّده «التيّار» ترفضه «القوّات» من دون أسباب وجيهة ربما، والعكس صحيح بالنسبة لـ «القوّات». من هنا، فإنّ غربلة أسماء المرشّحين ستحصل في خلوة حريصا مع البطريرك الراعي بشكل أوضح، بعيداً عن التكتيكات السياسية والضمنية، ما قد يوصل الى التوافق على إسم مرشّح المسيحيين للرئاسة، الذي قد يكون الإسم الـ 12 الذي سيتمّ إسقاطه ضمن اللائحة، أو أحد الأسماء الـ 11 المدرجة عليها.

وشدّدت المصادر على أنّ التوافق المسيحي على إسم المرشّح الأبرز لرئاسة الجمهورية لا يكفي، لأنّه حتى وإن وافق عليه الفريق الآخر ووصل الى القصر الرئاسي، إلّا أنّنا سنصطدم بعد ذلك بأشهر تعطيلية أخرى للمؤسسات العامّة، تتعلّق بمسألة تكليف رئيس الحكومة وبتشكيله لحكومته. فقد اعتدنا في لبنان على أن يتطلّب أمر تأليف الحكومة أشهراً، حتى ولو أتت لفترة قصيرة الأمد ولتأدية مهمّة محدّدة. لهذا لا بدّ من حصول تسوية داخلية على «سلّة متكاملة»، تبدأ باتفاق المسيحيين فيما بينهم على إسم رئيس الجمهورية المقبل، وعلى إسم رئيس الحكومة المكلّف الذي بإمكانه العمل والتعاون والتنسيق مع الرئيس الجديد للبلاد. فالعماد ميشال عون قبل انتخابه كان لديه كتلة مسيحية وازنة والأكبر في البرلمان، ولكن بقينا آنذاك نسمع الرفض من قبل «القوّات» و»تيّار المستقبل» لفترة طويلة، الى أن جرت التسوية وأتت به رئيساً للجمهورية.

Exit mobile version