يجري الحديث عن تحرّك إقليمي ودولي من أجل عقد اجتماع رباعي أو أكثر في باريس في بداية هذا العام الجديد (على الأرجح في منتصف كانون الثاني الحالي)، يضمّ الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الداعي والراعي له، ممثلّين عن كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر للبحث في الملف اللبناني، من الشغور الرئاسي، الى الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية والإستشفائية، وصولاً الى ضرورة تحقيق الإصلاحات المطلوبة وما الى ذلك. فالرئيس الفرنسي يواصل جهوده من أجل التوصّل الى عقد هذا الاجتماع، لا سيما بعد محادثاته الأخيرة في قطر والأردن، لإيجاد خارطة طريق للوضع اللبناني في المرحلة المقبلة.. ولكن هل يُمكن التعويل على مثل هذا الإجتماع، لحلحلة الأزمة السياسية الداخلية التي تتمثّل بعدم توافق الأطراف الداخلية حتى الآن على مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية ولا على اسم أي مرشّح يجري التصويت له في مجلس النوّاب، أو لا تزال تحتفظ به بعض الكتل النيابية بحجّة عدم حرقه، فضلاً عن تلافي الفوضى الأمنية المرشّح حصولها في حال بقاء الجمود السياسي على ما هو عليه؟!
مصادر سياسية مطّلعة تحدّثت عن أي اجتماع بشأن الملف اللبناني يُساهم بطريقة ما في تحريك الجمود السياسي الحاصل منذ الشغور الرئاسي في 31 تشرين الأول المنصرم، وإن كان لا يُقدّم حلّاً جاهزاً الى المسؤولين اللبنانيين، أو حلّاً معلباً عليهم تنفيذه. غير أنّه حتى الآن لا شيء واضح في ما يتعلّق بنوع وحجم المشاركة في هذا الإجتماع، وإذا ما كان سيقتصر على الدول الأربع التي جرى الحديث عن التواصل فيما بينها، أم سيتمّ توسيع مروحته ليشمل دولاً مؤثّرة أخرى. فالتوافق الداخلي لن يحصل إذا ما اتفقت 4 دول خارجية فقط على مسار حلّ الأزمة اللبنانية، لا سيما في ظلّ غياب كلّ الدول التي لديها حلفاء في لبنان، مثل إيران، وإن كان يُتكل على قطر بالتعاطي مع طهران للاطلاع على موقفها من الملف اللبناني ورؤيتها لوضعه في المرحلة المقبلة.
وإذ يعتقد البعض أنّ الاجتماع سيخرج، في حال عُقد في موعده ولم يتمّ تأجيله لسببٍ ما، ببيان ختامي يتضمّن توصيات على المسؤولين تنفيذها، أي أنّه سيُشكّل مخرجاً للحلّ، لفتت المصادر الى أنّ ثمّة من يشترط عدم الخوض في الملف اللبناني السياسي، إنّما البحث فقط في دعم الملف الإنساني، أي أن يكون على غرار المؤتمرات الدولية السابقة التي رعتها فرنسا من أجل دعم لبنان مالياً وعينياً. علماً بأنّ هذه الأخيرة ضمّت حينها أكثر من 40 دولة ومنظمة، ولم يحصل لبنان على ما جرى الوعد أو التبرّع به خلالها من قبل هذه الدول المانحة. من هنا، لا يمكن التعويل على ما سينجم عن هذا الإجتماع، في حال بقي موقف أحد الأطراف الأربعة على حاله، من الآن وحتى انعقاد الإجتماع، ولم تجرِ إعادة العلاقات التجارية والإقتصادية مع السعودية الى ما كانت عليها قبل القطيعة الأخيرة.
ولكن في حال جرت الموافقة من المشاركين بالإجماع على البحث الجدّي في الأزمة اللبنانية الراهنة، على ما أضافت المصادر نفسها، فإنّ مناقشة الاستحقاق الرئاسي، وتشكيل الحكومة الجديدة بعد انتخاب الرئيس سيكونان الطبق الرئيس على الطاولة. كما سيتمّ طرح أسماء المرشّحين المتداولة، وموقف كلّ دولة من كلّ إسم، وقد يجري طرح أسماء جديدة لم يسبق أن جرى طرحها من قبل أي فريق أو أي كتلة نيابية، كما يُحكى عن أنّ الإجتماع قد يبحث في إمكان عقد طاولة حوار تضمّ القوى اللبنانية في قطر للتفاهم على المرحلة المقبلة، على غرار ما حصل في “اتفاق الدوحة” في العام 2008 والذي أفضى آنذاك الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.
لهذا، تتجه الأنظار الى نتائج اجتماع باريس إذ لا يمكن منذ الآن، على ما تابعت المصادر، تكهّن ما قد يحمله من مفاجآت أو أمور غير متوقّعة. مع أنّ السؤال الأساسي يبقى حول كيفية ترجمة آلية الحلّ المقترح على الساحة اللبنانية في حال لم تلتزم الأطراف الداخلية بنتائج هذا الإجتماع. علماً بأنّ كلّ دولة خارجية يُمكنها ممارسة الضغط على حلفائها في الداخل لتغيير موقفهم. هذا إذا كانت تريد فعلاً إيجاد الحلّ السريع للأزمة اللبنانية.
غير أنّ الأمر يتطلّب وقتاً طويلاً، على ما رأت المصادر عينها، حتى وإن التقت بعض الدول الخارجية مع الأطراف الداخلية على مواقف معيّنة، لأنّ المطلوب التوافق فيما بين القوى الداخلية لكي يتمكّن مجلس النوّاب من انتخاب الرئيس. وهذا الأمر يبدو أنّه لن يحصل قبل أشهر عديدة من الآن.
وتقول المصادر انّ لبنان يتحمّل كرة نار فشل الحكومات الأخيرة التي أوصلت البلد الى الإنهيار الحاصل اليوم، ولهذا فالمطلوب العمل أو الضغط من أجل انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن، لا أن يتطلّب الأمر سنتين أو أكثر، على ما حصل قبل انتخاب الرئيس العماد ميشال عون. ومن ثمّ تشكيل حكومة جديدة قادرة على فكفكة الأزمات وإيجاد حلول ناجعة لكلّ منها، الواحدة تلو الأخرى. مع الإشارة الى أنّ هذين الأمرين سيُبحثان معاً من قبل أي دولة، أو أي طرف يُوافق على الحوار، أي أنّه ستتمّ تسمية أو التوافق على اسمي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجديدة معاً.
من هنا، فإنّه سيكون على العهد الجديد والحكومة الجديدة تحقيق ما فشلت فيه الحكومات المتعاقبة، من وضع موازنة لا تكبّد المواطنين المزيد من الأعباء المالية، وخطّة مالية وإقتصادية شاملة، وإنجاز الكابيتل كونترول، ومعالجة قطاع الكهرباء واستكمال عملية استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن، أو استبدالها بحلّ آخر. ومن ثمّ توقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي في حال كان هذا الإتفاق لا يزال يشكّل فعلاً حلّاً للأزمة الإقتصادية، ولا يزيد من تعقيداتها، بهدف استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
في الوقت نفسه، لا بدّ من انتظار تحسّن بعض العلاقات الدولية شبه المقطوعة، على ما شدّدت المصادر، لكي تنعكس إيجاباً على لبنان، فتوافق الدول المجتمعة في باريس لا يفيد من دون التحدّث مع إيران حول الملف اللبناني وملفات المنطقة، التي يبدو أنّها مرتبطة ببعضها بعضا، ولا يمكن فصل أي منها عن الآخر. وهذا الأمر يحصل بشكل عام، حتى وإن كان لبنان يطالب بتحييده عن صراعات المنطقة وعن التدخّل بالشؤون الداخلية لدول المنطقة.