مغارة علي بابا» هو التوصيف الأدق لبلديّة بيروت التي «يتفنّن» بعض موظفيها في «اختراع» مداخيل «برانية». فيما المسؤولون عن سلطة الرقابة والمُحاسبة في البلدية يُجيبون بأنّه «ليس في اليد حيلة» في مكافحة الفساد المستشري داخل المبنى وخارجه، متذرّعين بـ«الغطاء السياسي» الذي يتلطّى خلفه الموظفون.«مزرعة البلديّة» بلا حسيبٍ أو رقيب. هذا ما يبدو واضحاً في كلّ الملفّات التي طرحتها «الأخبار» على مدى الأشهر السابقة من دون أن يُحرّك المسؤولون ساكناً، حتّى تجاوز بعض الموظفين قبض الرشاوى إلى فرض «الخوّات»!
هذا ما يحصل في دائرة النّظافة التابعة للبلديّة، إذ تؤكد مصادر في البلدية أنّ أحد المكلفين بمهام دائرة النظافة نسج علاقات مع مسؤولين في شركة «رامكو» التي تتولى كنس نفايات العاصمة ورفعها ونقلها، بما مكّنه من «فتح» مزراب فساد، إذ ينص دفتر الشروط، الذي وقّعت البلديّة على أساسه عقداً مع «رامكو»، بوجوب وضع 1500 مستوعب في أزقّة العاصمة، موزّعة بحسب حاجات كلّ شارع وكثافته السكانيّة، ولكي لا يتم إرهاق أي منطقة بالمستوعبات أو الضغط عليها في جمع النفايات. ورغم أن الهدف من المستوعبات تجميع النفايات وعدم رميها على جوانب الطّرقات، يسعى البعض، خصوصاً من أصحاب المطاعم والمقاهي والمحالّ، إلى إبعاد هذه المستوعبات عن محالّهم. لذلك، وضع بعض مسؤولي دائرة النظافة في البلديّة تسعيرة تراوح بين 1000 و2000 دولار لإعادة توزيع المستوعبات (ضمن الشّارع نفسه بدلاً من وضعها في مكان واحد)، في حين ترتفع هذه التسعيرة إلى نحو 5 آلاف دولار، تشترك في دفعها المحالّ التجاريّة في المنطقة، في حال كان الطلب إزالة المستوعبات كُلياً، علماً أنّ أي إعادة توزيع أو إلغاء لهذه المستوعبات تحتاج إلى موافقة الاستشاري المُكلّف بمتابعة ملف النفايات.
كذلك توسّعت «شبكة العلاقات» لتطاول المستشفيات والمجمّعات التجاريّة، وفرض «الخوات» عليها، بذريعة جمع النفايات من داخلها، إذ إنّ العقد الموقّع بين البلديّة و«رامكو» يفرض بحسب دفتر الشروط جمع نفايات المستشفيات والمجمّعات من دون مقابل. غير أن بعض موظفي دائرة النظافة توصلوا إلى اتفاقات جانبية مع إدارات المستشفيات وبعض موظفي «رامكو» تقضي بجمع النفايات من الدّاخل بدل إخراجها إلى المستوعبات!
إذاً، هي «مافيا» أُخرى من «المافيات» داخل البلديّة، والتي يعرف المسؤولون فيها حجم فسادها من دون أن يكون بإمكانهم وضع حد لها بحجّة أنّ «هؤلاء هم الموظفون الموجودون، فمِن أين نأتي بآخرين لتسيير المعاملات والأعمال؟». في المقابل، يبدو الاستشاري المتعاقد مع البلدية لمتابعة ملف النفايات غير قادر هو الآخر على «كبح جماح» الفساد، بل ينفّذ ما يُطلب منه، باعتبار أن أي عرقلة في الملفّات تعني حتماً وقف التصديق على الفواتير، وبالتالي على أتعابه الاستشارية. أما الذين دفعوا «الرشاوى» مقابل هذه «الخدمات»، فمهدّدون في حال «كترة الحكي» بإعادة المستوعبات إلى أمكنتها ومن دون إعادة المبالغ المدفوعة. فهل تتحرك النيابة العامّة المالية أم ستدفن رأسها في الرمال، كعادتها؟