صلاح سلام-اللواء
تصريح رئيس الجمهورية جوزاف عون حول ضرورة التفاوض مع إسرائيل لم يكن مجرد جملة عابرة في خطاب رئاسي، بل أشبه بزلزال سياسي هزّ المشهد اللبناني بكل تناقضاته. فبين من رآه خطوة جريئة نحو كسر الجمود التاريخي، ومن اعتبره انزلاقاً خطيراً نحو التطبيع، انقسمت الآراء واشتعلت السجالات. فلبنان، الذي يعيش على وقع الأزمات والانهيارات، وجد نفسه فجأة أمام طرح يلامس أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في تاريخه: العلاقة مع العدو الإسرائيلي.
اللافت أن هذا الطرح لم يأتِ من مجلس الوزراء ولا من أي هيئة دستورية، بل من رأس الدولة مباشرة، ما جعله يبدو وكأنه صرخة في وجه المألوف، أو ربما محاولة لفتح نافذة في جدار العزلة الذي يطوّق لبنان. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: هل نحن أمام بداية تحوّل استراتيجي في مقاربة الدولة اللبنانية للصراع مع إسرائيل، أم أمام مناورة سياسية لالتقاط الأنفاس وسط العواصف الداخلية والخارجية؟
الواقع أن المنطقة تتغيّر بسرعة مذهلة. دول كانت تُعدّ في الصفوف الأمامية للمواجهة مع إسرائيل باتت اليوم توقع اتفاقيات سلام وتفتح سفارات. العالم يعيد رسم خرائطه، ولبنان ما زال غارقاً في جدل السلاح والولاءات الطائفية والانقسامات السياسية. فهل نبقى متفرجين على قطار السلام يمرّ من حولنا، بينما نحن نغرق أكثر في أزماتنا، أم نملك الجرأة لطرح سؤال المستقبل: ماذا نريد فعلاً للبنان؟
الحديث عن التفاوض لا يعني بالضرورة التنازل، بل قد يكون مدخلاً لاستعادة الحقوق وترسيم الحدود البحرية والبرية وحماية الثروات النفطية التي ينتظرها اللبنانيون كخشبة خلاص. لكن ذلك يتطلب جبهة داخلية متراصة، ودولة موحدة القرار، قادرة على التحدث باسم جميع أبنائها، لا دولة تتنازعها القوى الحزبية والهيمنات الشخصية وتشلّها الحسابات الضيقة.
كما أن المجتمع الدولي يربط أي دعم اقتصادي أو سياسي للبنان بقدرة الدولة على فرض سلطتها الكاملة، بما في ذلك حصرية السلاح ووقف التوترات مع إسرائيل عبر استئناف الوساطة الأميركية.إن ما قاله الرئيس عون يجب ألا يُقرأ كحدث عابر، بل كجرس إنذار. فإما أن نتحرك بعقلانية وشجاعة لنرسم لأنفسنا دوراً في الشرق الأوسط الجديد، أو نستمر في الدوران في حلقة التردد والانتظار. لبنان اليوم أمام لحظة مصيرية: إما أن يختار طريق المبادرة والمستقبل، أو أن يبقى أسير الإنقسامات والشلل، والعجز عن التغيير!