ليس بغريب ان يخرج رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بما اعلنه من مواقف. فما قاله يأتي في السياق “التصاعدي” منذ مؤتمره الاول ما بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، عقب انتفاضة ١٧ تشرين، الذي فتح فيه باباً مشرعاً على كثير من الاحتمالات عندما قال يومها ما معناه، لا يمكن العودة الى حكومة مشروعها الاقليمي كما سابقاتها. مسار استمر حتى بلغ حدوده القصوى هذه الايام، ما وضع “باسيل – المشروع” في خطر الالغاء السياسي.
قد تصح النظرية القائلة بإعادة تلك المواقف، ببعدها الحالي، إلى الريبة مما يجري تحت الطاولة من مفاوضات رئاسية، والتي يبدو ان هناك “قبة باط” لحصول توافق ثلاثي بين “الثنائي الشيعي” – رئيس الحكومة – المختارة، من خلال التسويات والتمريرات على طاولة حكومة تصريف الاعمال، ما يعني عمليا “عزل” المسيحيين، وهو ما لا يمكن القبول او التسليم به لارتباطه باستعادة الحقوق المسيحية، التي وصل العونيون على حصانها إلى بعبدا، وفقا لمصادر مقربة من الثامن من آذار.
وتشير المصادر، إلى أن مواقف الرابية والبياضة ليست غريبة ولا مفاجئة، ذلك أن تيار العام ٢٠٠٩ والتسونامي الذي حققه مسيحيا، سمح للجنرال باعتماد خطاب وطني مسندا إلى أغلبية السبعين في المئة من الشارع المسيحي، اما اليوم وفي ظل تراجع حصة التيار إلى حدود الـ ٢١٪ من الكعكة الشعبية، فان ميرنا الشالوحي باتت حكما ملزمة بترداد جو الشارع، في ظل الصراع مع قوى اليمين، وهو اساسا لم “يبلع” يوما اتفاق “مار مخايل”.
في هذا الإطار، تقرأ المصادر نهج الصهر السياسي مع حزب المقاومة القائم على استراتيجية “ضربة عالحافر ضربة على المسمار” التي يبرع فيها، وان كان موقفه اكثر تقدماً في مسألة السلاح واستعماله، وموافقته بأن ذلك بات مشكلة، من هنا طرحه التفاوض بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك، لتعديل وثيقة التفاهم في مسائل اساسية وجوهرية ومهمة، كقيام دولة قوية ومحاربة الفساد.
من جهتها، تشير اوساط “التيار الوطني الحر” الى ان الحزب ارتكب اكثر من “مخالفة” في قضايا لا يمكن للتيار المساومة عليها، وان كان “ساير” طوال ست سنوات حول امور كانت في صلب برنامجه للحكم، الا ان ما حصل بعد خروج الرئيس عون من قصر بعبدا، يمس قضايا جوهرية تتعلق بالحقوق وبالصلاحيات.
لذلك كان دق ناقوس الخطر أكثر من مرة، فما لم يأخذوه زمن كان الجنرال في بعبدا، لن يحصلوا عليه اليوم في رهانهم على لعبة الوقت والفراغ، وما تم تحصيله من حقوق هدرت سابقا، لن يسمح بضياعها من جديد.ورأت الاوساط ان مقاربة التيار للانتخابات الرئاسية تختلف تماما عن مقاربات الآخرين، وهي تنطلق من الورقة التي اعدها وعرضها مع غالبية القوى السياسية، اذ تم تحديد مواصفات ومزايا يجب توافرها في الرئيس العتيد، من هنا “عدم الموافقة” على كل الاسماء التي لا تتطابق مع المواصفات.
واعتبرت المصادر ان من حق حارة حريك اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة في ما خص الاستحقاق الرئاسي، الا انه لن يكون مقبولا تجاهل الكتلتين المسيحيتين الكبريين، ذلك ان القاعدة الحاكمة حتى الساعة لا تسمح بتجاهل المكونين المعنيين.
وختمت الاوساط بالتأكيد على ان ما يجري يدفع الى ضرورة عقد لقاء مسيحي، لبحث هذا الملف الرئاسي والاتفاق بالحد الادنى على مواصفات، لذلك فان التيار يمد يده للجميع، تحت عباءة بكركي، وان المطلوب اليوم امام المستجدات والتطورات ما هو ابعد من اتفاق معراب، مبدية اعتقادها بأن اعادة تموضع التيار ستفرض عليه استراتيجية جديدة في التعامل.
في كل الاحوال، بات واضحاً في تحليل بسيط لوسائل التواصل الاجتماعي، ان القواعد البرتقالية باتت اكثر نقمة على حزب الله، نتيجة ما تعتبره من دور له في وصول الامور الى ما وصلت اليه. وعليه بات لزاما، في ظل التغييرات التي تشهدها المنطقة، على التيار الوطني الحر اعادة تموضعه ورسم حدود فاصلة بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك، تتقاطع خيوطها “عالقطعة”، بعدما تحمل البرتقاليون عبء المواجهة عن الاصفر، وعدوا الضربات عنه دون مردود او إفادة.
فعلى ما تراهن حارة حريك؟ وما هي دوافع اطمئنانها الى ان الانفجار مع ميرنا الشالوحي لن يحصل؟ وما هي ضماناتها؟ لا شيء واضح سوى ان المقربين من الحزب يجزمون ان الاخير لن يضحي بخسارة الحزب مهما كانت الظروف. فهل “يبلع الصهر الموس”؟ وهل تشفع له مواقفه المستجدة لدى واشنطن، التي تريد افعالا لا اقوالا، بات اصعب على الوزير باسيل ان يقدمها؟
وبعد كلّ ما تقدّم، هل انكسرت الجرة مع حزب الله؟ أم أن ما قيل، معطوفاً على ما سيُقال، هو المدخل لوثيقة جديدة تراعي مصالح الطرفين؟ خصوصاً أن كبر الحجر، فعل فعله لأيامٍ عبر تحليلات وتقديرات وخيالٍ واسع، قلب المعادلات وغيّر التوازنات. ايا يكن فإن الموقف الاميركي اكثر من جدي، ومن اليوم حتى كانون الثاني موعد عودة الجمهوريين، في حال خسارة الديموقراطيين للبيت الابيض، ما يكفي من الوقت لانجاز الكثير مما يلزم لادارة الخلف ايا كانت هويتها.