جاء في “الأنباء” الكويتية: 3 تفسيرات أعطيت للقرار المشترك الذي صدر عن قيادتي ««أمل» و ««حزب الله» بالعودة إلى جلسات الحكومة. هذا التراجع من جانب الثنائي الشيعي فاجأ الأوساط السياسية التي انطلقت في البحث عن الأسباب والدوافع، تماما مثلما شكل التراجع المثير في سعر صرف الدولار مفاجأة وحدثا موازيا.
– التفسير الأول، وهو أول ما يتبادر إلى الأذهان في بلد تحكمه التسويات والصفقات، أن يكون هذا التراجع السياسي حصل نتيجة تسوية خفية تتعلق بالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وبأن يكون الثنائي الشيعي حصل على تعهد بإيجاد حل لهذه القضية ويتراوح بين حدين: تصويب مسار التحقيق وضبطه وتنحية المحقق العدلي.. وبأن تكون التسوية التي عمل عليها الشهر الماضي في مجلس النواب وسقطت نتيجة سوء تنسيق وتفاهم، سيعاد إنتاجها من جديد بطريقة ما.
– التفسير الثاني، وضع الإفراج عن الحكومة وهذا التطور الداخلي الإيجابي في سياق تطورات إيجابية خارجية تنطلق من العودة القريبة الى الاتفاق النووي، وفي مهلة لا تتجاوز الأسابيع المعدودة، وهو ما انعكس أيضا على ملف العلاقات الإيرانية – السعودية، وحيث يحكى عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. ويتوقف أصحاب هذا الرأي عند التزامن الحاصل بين عودة الوزراء الشيعة وعودة الحكومة الى الانعقاد وإعطاء الضوء الأخضر الأميركي لمد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية، وعودة رئيس الوفد الأميركي المفاوض لترسيم الحدود البحرية أموس هوكشتاين، وهذا التزامن لم يكن من باب المصادفة وحصل نتيجة مسار عام في المنطقة.
– التفسير الثالث والأقرب إلى الواقع، هو أن القرار الذي اتخذته القوى الشيعية جاء نتيجة مراجعة معمقة للوضع أظهرت خطأ وخطورة الاستمرار في مقاطعة الحكومة، وخلصت الى الاستنتاجات والقناعات التالية:
– مسألة القاضي البيطار «تصويبا» أو «قبعا»، وصلت إلى طريق مسدود والبت بها صار صعبا، في ضوء تجارب ومحاولات باءت بالفشل، واستخدام سلاح التعطيل الحكومي لم يعد مجديا فيها.
– لا يمكن لحركة «أمل» و«حزب الله» تحمل تهمة التعطيل وتبعاتها. فالثنائي بات يتحمل بسبب التعطيل وزر الأزمة الاقتصادية وفلتان الدولار وتفلت الشارع وضغوط الرأي العام والقواعد الشعبية، وبات يواجه أيضا ضغوط المجتمع الدولي الذي يتهمه باستخدام السلاح لتعطيل خطة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبالسعي الى «تطيير الانتخابات»، وهذا أخطر اتهام سياسي يوجه الى الثنائي في هذه المرحلة.
– العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصلت الى نقطة حساسة ودقيقة، مع إقدام عون على توجيه اتهام صريح للثنائي الشيعي بأنه يقف وراء تعطيل الحكومة، وبأنه يسيء إلى العهد ويتسبب بشل قدراته وضرب معنوياته وإفشال خططه. ولما كان الرئيس عون بادر الى التوقيع على مرسوم فتح دورة استثنائية كإشارة حسن نية، فلا يعود أمام الثنائي الشيعي، وتحديدا الرئيس نبيه بري، إلا مبادلة الإيجابية بالمثل وإيجاد توازن داخل المؤسسات، إذ لا يعقل أن يجري فتح البرلمان وتفعيله مقابل استمرار إغلاق الحكومة وتعطيلها.
– الرئيس نجيب ميقاتي الذي أظهر في التعاطي مع أزمة تعطيل الحكومة حنكة وطول أناة وتفهما للموقف الشيعي وعدم رغبة الاصطدام به، كان اقترب من نقطة أخذ قرار حاسم مع اقتراب موعد انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي لا يمكن أن تبدأ إلا بإقرار الموازنة وخطة التعافي، وهذا يحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء ولا تكفيه الموافقات الاستثنائية، خصوصا أن الرئيس عون كان بدأ يمارس «التقنين الشديد» في هذه «الموافقات»، ولوح بالتوقف عن توقيع المراسيم طالما أن هناك حكومة موجودة وكاملة الصلاحية.
لكل لهذه الأسباب مجتمعة وغيرها، «اضطر» الثنائي الشيعي إلى أخذ القرار الصعب والجريء بالعودة الى طاولة مجلس الوزراء، مع ما يعنيه هذا القرار من تراجع وإقرار ضمني بأن التعطيل كان قرارا خاطئا وينتمي إلى حقبة سابقة ولت، وأن الاستمرار به سيكون مكلفا بعد تكدس السلبيات والخسائر وانتفاء الأرباح والإيجابيات. والنتيجة أن الثنائي الشيعي خسر جولة الحكومة التي أظهرت وجود خلل في سياسته وأدائه.. ولا يخفف من وقع الخسارة عودته المشروطة بتحديد جدول أعمال الجلسات ببندي الموازنة وخطة التعافي الاقتصادية. هذه العودة المشروطة قوبلت باعتراض واستهجان بسبب تحديد جدول أعمال مجلس الوزراء سلفا من قبل جهات حزبية، فيما الأمر هو من صلاحيات رئيس الحكومة بعد إطلاع رئيس الجمهورية عليه. ولكن سيتبين لاحقا أنها عودة دائمة و«فضفاضة» ربطا بالعبارة «المطاطة» التي وردت في بيان «أمل» وحزب الله عن المشاركة في اجتماعات الحكومة «حول كل ما يرتبط بتحسن الوضع المعيشي والحياتي».
وفي هذا السياق اعتبر المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية، النائب السابق عماد الحوت، عبر “الأنباء” الإلكترونية أن العودة المشروطة من قِبل الثنائي الشيعي إلى الحكومة تؤكّد أنّ القوى السياسية المشارِكة في السلطة تتعامل مع الحكم بعيداً عن الدولة، والقانون، والدستور، فتحاول أن تكرّس عرفاً جديداً بأنّ مَن يملك القدرة على التعطيل هو مَن يضع جدول أعمال مجلس الوزراء، وأن يضمّنه، بالإضافة إلى الموازنة، مجموعة قرارات هامة لتأمين صمود المواطنين في هذه الأزمة المعيشية، لذا يجب الحذر والمراقبة لنرى ما هو الثمن الحقيقي لهذه العودة، وهل هي فعلاً مجرد استجابة لضغط الخوف من الانفجار الاجتماعي؟ أم أنّ هناك صفقة متعددة العناصر مرتبطة بالانتخابات ومصالح المواطنين، وهو ما يجب أن يكون، ومفروض أن تتم مواجهته.