ليس تفصيلاً أن يقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موقف المدافع عن القطاع المصرفي، القطاع الذي استولى على أموال المودعين عنوة، ومارس منذ عامين ونصف العام شتى أنواع المخالفات بحق عملائه، هرّب الأموال إلى الخارج وأقفل حسابات مصرفية لكمّ أفواه المودعين، فرض “هيركات” على الودائع واحتجز الرواتب وقام بتجاوزات تطول قائمتها.. فرئيس الحكومة مصرفي أولاً وأخيراً. فكيف لا يدافع عن زملائه من أصحاب المصالح.
بعد عامين ونصف العام، ثم منذ تولي ميقاتي رئاسة الحكومة وحتى اليوم، لم تلتفت الحكومة إلى حال المودعين ولم تستمع إلى معاناتهم مع المصارف، حتى أنها استبعدت موقفهم من نقاشاتها وتفاوضها مع صندوق النقد الدولي، ولم تلتفت إلى المودعين سوى اليوم، حين أوفدت نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، للجلوس مع ممثلين عن المودعين على طاولة نقاش للاستماع إليهم، حسب تعبير أحد المتابعين للقاء.
إنما حقيقة الأمر، هو أن الحكومة تحبس أنفاسها في أكثر مراحل مفاوضاتها مع صندوق النقد دقة. فقد بدأ العدّ العكسي لتقديم الحكومة خطّتها إلى صندوق النقد بصياغة جديدة، تأخذ بالاعتبار عدداً من ملاحظات الصندوق، من بينها عرض موقف أصحاب الحقوق في ملف المصارف الذي يستحوذ على الحيّز الأكبر من الأزمة. وبالتالي، ليس لقاء الحكومة ممثلة بنائب رئيسها سعادة الشامي اليوم سوى إجراء شكلي لبلوغ هدفين. الأول، يتمثل باستيفاء أحد شروط صندوق النقد المرتبط بالشق المصرفي، والثاني، لتبرير انحياز الحكومة إلى صف المصارف بوجه المودعين ومعهم القضاء.
لا لتبرئة موقف الحكومة
يتحدث موفد من لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت اليوم باسم كافة المودعين، في اللقاء مع ممثل الحكومة سعادة الشامي، غير أن واقع الأمر أن هناك تحفظات وتساؤلات من رابطة المودعين التي تضم عشرات الآلاف منهم، وتتابع آلاف الدعاوى في داخل لبنان وخارجه بوجه المصارف. فالموفد الذي يمثل المودعين اليوم باللقاء مع موفد الحكومة لا يحمل بين يديه أي خطة علمية أو دراسة يُفترض أن يُبنى عليها التفاوض. وفي المقابل، لم تكشف الحكومة أوراقها لجهة السيناريو الذي ستعرضه على صندوق النقد لجهة آلية وكيفية حل أزمة المصارف، وكيفية توزيع الخسائر. بمعنى آخر، تدور علامات استفهام حول جدوى اللقاء “السري” الذي جمع جانب من ممثلي المودعين مع موفد الحكومة.
من هنا يعبّر أحد أعضاء رابطة المودعين نزار غانم عن رفض رابطة المودعين التمرير للحكومة، وهي اجتمعت خصيصاً لمحاربة القضاء الذي أنصف المودعين. ويقول في حديث إلى “المدن”: لن ننسى أن مجلس الوزراء اجتمع بحالة طارئة ليتدخل بشكل فاضح بالقضاء في وجه المودعين. من هنا لا يمكن تمرير محاولة الحكومة تطهير سمعتها بالتعامل في ملف المودعين وللإيحاء لصندوق النقد بموضوعية معالجتها الأمر. وكذلك لتنفيس غضب الشارع الذي شهد على موقف الحكومة المنحاز تماماً للمصارف”.
تعبّر رابطة المودعين صراحة على لسان غانم بأنها ضد اللقاء مع موفد الحكومة في هذه المرحلة بالذات. فالرابطة، حسب غانم، ومن حيث المبدأ، ليست ضد اللقاء بشكل عام، لكن لا بد من وجود برنامج واضح للاجتماع، وهو غير موجود حالياً. كما أن الحكومة لم تعكس جديتها أبداً بالتعامل مع هذا ملف المودعين، “من هنا نرى أن اللقاء غير مفيد. وحقيقة الأمر أن الحكومة ليست على الحياد بل هي تساند المصارف في عملية إخضاع المودعين”، يقول غانم.
مطالب المودعين
بعيداً عن موقف الحكومة الملتبس من قضية المودعين، ماذا يريد ممثلو المودعين؟ يوضح غانم أن المطلوب اليوم من الحكومة التعامل بشفافية لجهة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتوضيح ماهية البرنامج الذي تتفاوض حوله. ويرى أن على الحكومة أن تطالب بخطة لازارد المعدلة، وهي الخطة الوحيدة حتى اليوم التي من الممكن ان تحمي المودعين، وتقوم على وضع مبادئ عامة للحل المالي. وهي مبادئ دولية “وإن لم تعد الحكومة إلى خطة لازارد المعدلة فلتوضح ما هي خطتها لحل أزمة الودائع”.
مطالب المودعين واضحة. وهي خطة لازارد، التي سبق لمجلس النواب أن فخخها. ولإثبات الجدّية بالتفاوض مع الحكومة، يجب أن يكون هناك خريطة طريق للتفاوض “فلن نجلس مع موفد الحكومة على طريقة تركيب طرابيش وإطلاق الشعوذات الإعلامة أو التمثيل أمام الإعلام”، على ما يقول غانم.
يبدو جلياً أن الأزمة ستطول. فلا مصلحة للطبقة السياسية والمصارف بحل حقيقي في الوقت الراهن، “وهم يحاولون تذويب الودائع، وبالتالي نحن مستمرون بالضغط عبر القضاء في الداخل والخارج، إن في بريطانيا أو فرنسا أو سويسرا، ولا سيما في البرلمان الأوروبي”. ويختم غانم “نحن نعدهم في حال محاولة الهروب أننا لن نسكت”، ولن نتردّد من مراسلة صندوق النقد.