كتبت صحيفة “الجمهورية”: لم تتوقف أمس الخروقات الإسرائيلية للاتفاق على وقف اطلاق النار، على رغم من الاتصالات التي كانت تسارعت مساء أمس الاول للجم التصعيد الاسرائيلي الذي كاد يهدّد هذا الاتفاق بالانهيار. وقد اكتمل أمس عقد لجنة الإشراف عليه وعلى تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701. وعلمت “الجمهورية” انّ اللجنة ستجتمع غداً مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على أن تعقد اول اجتماعاتها العملية والميدانية بعد غدٍ الجمعة في مقر قيادة القوات الدولية في الناقورة.
وأكّد مصدر وزاري مطلع لـ”الجمهورية”، انّ اتفاق وقف إطلاق النار سيصمد ولن ينهار على رغم من كل الاهتزازات التي يتعرّض لها منذ الاعلان عنه. ولفت المصدر إلى انّ شيئا لم يتغيّر، منذ تاريخ التوصل إلى الاتفاق، على مستوى الوقائع السياسية والميدانية التي أدّت إلى ولادته، وبالتالي ليست هناك مسوغات يمكن أن تبرّر التراجع عنه.
واعتبر المصدر انّ الاتفاق لم يحصل حتى يسقط بعد أيام قليلة، مشيراً إلى انّ الخروقات الإسرائيلية هي رسائل موجّهة بالدرجة الأولى إلى المستوطنين النازحين في داخل الكيان، لمحاولة اقناعهم بأنّ حكومتهم حازمة في منع “حزب الله” من خرق الاتفاق واستعادة قدراته، وذلك سعياً الى طمأنتهم وتحفيزهم على العودة إلى الشمال.
ورجح المصدر ان تتمكن لجنة الإشراف الخماسية من احتواء الخروقات الإسرائيلية عند انطلاق نشاطها، خصوصاً انّ جنرالاً اميركياً يترأسها، لافتاً الى انّه يُفترض ان ليست لواشنطن مصلحة في أن تفشل اللجنة برئاستها منذ البداية.
المحك الحقيقي
وإلى ذلك، وفيما فتح الجيش اللبناني باب التطوع لزيادة عديده، وبدأ حراكاً حثيثاً لترسيخ خطواته العملانية الرامية إلى الانتشار في الجنوب، واصل الجيش الإسرائيلي استفزازاته التي أوقعت أمس شهيداً في مزارع شبعا، توازياً مع تنفيذه غارة على طريق دمشق استهدفت منسق “حزب الله” لدى الجيش السوري سلمان نمر جمعة، ما أدّى إلى استشهاده.
وقالت مصادر مواكبة لـ”الجمهورية”، إنّ المحك الحقيقي لمدى التزام إسرائيل باتفاق وقف النار سيكون يوم بعد غد، إذ من المقرّر أن تعقد لجنة المراقبة اجتماعها الأول، برئاستها الأميركية، وبعد اكتمال نصابها بتسمية ممثل الجيش قائد قطاع جنوب الليطاني العميد ادغار لاوندس، ووصول ممثل الجانب الفرنسي الجنرال غيوم بونشان اليوم.
واضافت المصادر، أنّ بدء اللجنة بممارسة مهماتها سيكشف ما إذا كان صحيحاً وجود تغطية، أو غض نظر، من الجانب الأميركي إزاء ما تقوم به إسرائيل في الجنوب منذ أن تمّ إعلان الاتفاق، أي ما إذا كانت هناك إرادة ضمنية أميركية بمنح إسرائيل ضوءاً أخضر لتنفيذ ضربات في الداخل اللبناني، كلما ارتأت أنّ ذلك يناسبها. لكن معلومات تردّدت أمس عن أنّ الأميركيين هم الذين منعوا إسرائيل من تنفيذ التهديدات التي وجّهتها إلى “حزب الله” قبل يومين، وقيل إنّها كانت ستُترجم بضربة في قلب العاصمة بيروت.
إكتمال اللجنة
وكان عَقدْ اللجنة قد اكتمل امس بعد تسمية لبنان وفرنسا ممثليهما فيها إلى جانب رئيسها الجنرال الاميركي جاسبير جيفيرز، ويُتوقع وصول الممثل الفرنسي اليوم، وقد يكون في عداد الوفد المرافق لوزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو خلال زيارته المرتقبة للبنان بعد انتهاء زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمملكة العربية السعودية.
وقالت المصادر المعنية بالتحضيرات الجارية لأعمال اللجنة، انّ اول اجتماع لها سيُعقد بعد غد الجمعة في مقرّ قيادة قوات الامم المتحدة المعززة “اليونيفيل” في الناقورة التي سينتقل اليها الجميع، بعدما اتخذ الجنرال جيفيرز مقراً ثابتاً له في السفارة الاميركية في عوكر، حيث تمركز في إحدى مبانيها معاونوه من الضباط الاثني عشر الذين يساعدونه في مهمّته التي كلّفته اياها القيادة الوسطى للجيش الأميركي.
وفي المعلومات، انّ جيفيرز زار أمس مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة وعرض للتحضيرات الجارية للاجتماع الأول للجنة الخماسية مع المعنيين بالاستعدادات لبدء عملها، وهو ما يراهن عليه اللبنانيون لتحديد موقفها من الاعتداءات والخروقات الاسرائيلية المتمادية منذ التوصل الى وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي، والتي شملت مناطق عدة من الجنوب وبعلبك وقرى عدة في قضاء جزين واقليم التفاح، كما على المعابر الحدودية الشمالية ـ الشرقية مع سوريا، والتي استمرت حتى ليل أمس، عندما كرّرت اسرائيل غاراتها على بلدة محيبيب في قضاء مرجعيون بعد ردّ “حزب الله” تحذيرياً بصاروخين في اتجاه مزارع شبعا وصاروخ ثالث في اتجاه الجليل الاعلى .
الجيش ينتشر في صور
وفي خطوة إضافية، انتشرت وحدات من الجيش في أحياء مدينة صور وشوارعها ومحيطها للحفاظ على الأمن، إيذاناً بالبدء في إعادة انتشاره في الجنوب، وخصوصاً في القرى الحدودية التي ما زالت خارج نطاق الاحتلال الاسرائيلي إنتظاراً للخطة التي ستضعها لجنة الإشراف توصلاً الى إخلاء قوات الاحتلال مواقعها وتسليمها للجيش اللبناني على طول النقاط الحدودية وصولاً الى القطاع الشرقي بعمق يتراوح بين 4 و8 كيلومترات من الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة منذ العام 1923.
ما طلبه بري وميقاتي
وفي هذه الاجواء، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين سياسيين لبنانيين، أنّ الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي طلبا من واشنطن وباريس الضغط على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار، وذلك بعدما شنّت عشرات الهجمات على الأراضي اللبنانية. وإنّهما تحدثا إلى مسؤولين في البيت الأبيض والاليزيه في وقت متأخّر من مساء أول أمس، معبّرين عن قلقهما العميق في شأن الوضع الراهن لوقف إطلاق النار.
وأطلعا المسؤولين لدى العاصمتين على حجم الخروقات الإسرائيلية للإتفاق المستمرة بشتى الأنواع والوسائل، إن كان عبر الغارات أو القصف المدفعي، أو التمشيط في بعض المناطق، ناهيك عن تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق لبنان.
وأكّد ميقاتي أمام زواره أمس “أنّ الاتصالات الديبلوماسية مستمرة وتكثفت في الأمس (الاثنين) لوقف الخروقات الاسرائيلية لقرار وقف اطلاق النار والانسحاب من البلدات اللبنانية الحدودية”. وقال: “لقد شدّدنا في خلال هذه الاتصالات على اولوية استتباب الاوضاع لعودة النازحين الى بلداتهم ومناطقهم، وتوسعة انتشار الجيش في الجنوب”. واضاف: “إنّ اعلان قيادة الجيش الحاجة إلى تطويع جنود متمرنين في الوحدات المقاتلة في الجيش، يندرج في سياق تنفيذ قرار مجلس الوزراء بزيادة عديد الجيش لتعزيز انتشاره في مختلف مناطق الجنوب”.
بو حبيب وبلاسخارت
وقبيل انعقاد أول اجتماع للجنة الإشراف بعد غد الجمعة، قالت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة جينين هينيس- بلاسخارت بعد لقائها مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب وعشية زيارتهما لعين التينة اليوم: “نأمل في أن تتيح جميع الأطراف الفرصة لنجاح اتفاق وقف إطلاق النار”، مؤكّدة “على دعم الأمم المتحدة الكامل للجيش اللبناني لتعزيز مواقعه في الجنوب”.
الموقف الاميركي
وعلى صعيد الموقف الأميركي، أعلن البنتاغون أنّ وقف إطلاق النار في لبنان لا يزال صامدًا، مؤكّدًا التزام الأطراف بالهدنة حتى الآن.
واشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إلى “أنّ الجيش اللبناني سيكون مسؤولًا عن حماية الجنوب بعد انسحاب مسلحي “حزب الله” من المناطق المتأثرة بالاشتباكات الأخيرة”. فيما اعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن “لا تعليق على الخروقات المزعومة لوقف إطلاق النار في لبنان”. واكّدت انّها “تحيل المسألة إلى آلية التحقق ومعالجة الشكاوى”.
.. والموقف الإسرائيلي
وفي أول تعليق له بعد التصعيد الإسرائيلي أمس الاول في جنوب لبنان، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو: “نحن في حالة وقف إطلاق نار مع “حزب الله” وليس نهاية الحرب”. وأضاف: “نُنفّذ وقف إطلاق النار بقبضة من حديد، ونتحرّك ضدّ أي انتهاك سواء كان بسيطاً أو جسيماً”.
وفي سياق منفصل، شكر نتنياهو الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب على “تصريحه القوي في شأن الرهائن”، بحسب ما وصفه.
الى ذلك هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس امس من أنّه “إذا انهار وقف إطلاق النار مع “حزب الله”، فلن يفرّق جيشه بين لبنان والجماعة”، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
وحضّ كاتس خلال زيارة للحدود الشمالية الحكومة اللبنانية على “تفويض الجيش اللبناني للقيام بدوره، وإبعاد “حزب الله” عن الليطاني وتفكيك بنيته التحتية بكاملها”.
وأضاف :”إذا انهار وقف إطلاق النار، فلن يكون هناك أي استثناء للدولة اللبنانية. سننفّذ الاتفاق بأقصى قدر من التأثير وعدم التسامح. إذا كنا حتى الآن نفرّق بين لبنان و”حزب الله”، فلن يظل الوضع هكذا”.
وكان الجيش الاسرائيلي استمر في خرق اتفاق وقف النار، واستهدفت غارة من مسيّرة بلدة بيت ليف، قضاء بنت جبيل. فيما استشهد الراعي جمال محمد صعب في شبعا جراء صاروخ أطلقته مسيّرة إسرائيلية.
ونفّذ الجيش الإسرائيلي تفجيرات كبيرة في المنطقة الواقعة بين بلدة محيبيب ووادي السلوقي. كذلك سُمع دوي تفجيرات داخل قرى المنطقة الحدودية نتيجة تفخيخ وتفجير منازل في يارون بين بنت جبيل ورميش ومحيبيب بين مركبا وميس الجبل.
وفي سياق متصل، أشارت القناة 12 الإسرائيلية نقلاً عن مصادر مطلعة إلى انّ الضغوط الأميركية منعت إسرائيل من مهاجمة بيروت أمس الاول.
من جهة أخرى، وجّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إنذارًا عاجلًا إلى سكان لبنان، وقال عبر منصة “إكس”: “أذكركم انّه حتى إشعار آخر يحظّر عليكم الانتقال جنوبًا إلى خط القرى التالية ومحيطها: شبعا، الهبارية، مرجعيون، أرنون، يحمر، القنطرة، شقرا، برعشيت، ياطر، المنصوري”. وأضاف: “جيش الدفاع لا ينوي استهدافكم، ولذلك يحظّر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوبًا حتى إشعار آخر”. وقال: “كل من ينتقل جنوب هذا الخط – يعرّض نفسه للخطر، وكذلك يُرجى عدم العودة الى القرى التالية: الضهيرة، الطيبة، الطيري، الناقورة، أبو شاش، ابل السقي، البياضة، الجبين، الخريبة، الخيام، خربة، مطمورة، الماري، العديسة، القليعة، ام توته، صليب، ارنون، بنت جبيل، بيت ليف، بليدا، بني حيان، البستان، عين عرب مرجعيون، دبين، دبعال، دير ميماس، دير سريان، حولا، حلتا، حانين، طير حرفا، يحمر، يارون، يارين، كفر حمام، كفر كلا، كفر شوبا، الزلوطية، محيبيب، ميس الجبل، ميسات، مرجعيون، مروحين، مارون الراس، مركبا، عدشيت القصير، عين ابل، عيناتا، عيتا الشعب، عيترون، علما الشعب، عرب اللويزة، القوزح، رب ثلاثين، رامية، رميش، راشيا الفخار، شبعا، شيحين، شمع، طلوسة”.
نواب المعارضة
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، وفيما يُنتظر ان يبدأ رئيس مجلس النواب نبيه بري قريباً سلسلة من المشاورات تحضيراً لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقرّرة في 9 كانون الثاني المقبل، عقدت كتل ونواب قوى المعارضة اجتماعها الدوري في معراب امس في حضور رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وقالوا في بيان اصدروه “إنّ تاريخ 9 كانون الثاني يجب ان يكون التاريخ الحاسم لإتمام الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية ملتزم بتطبيق الدستور وتنفيذ البنود الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار، وقيادة الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة المؤسساتية، المالية والاقتصادية والشروع في بناء دولة القانون والمؤسسات واستعادة سيادتها على كامل أراضيها. ولهذا الهدف، سنكثف الجهود والاتصالات مع كافة الكتل النيابية في محاولة للتفاهم حول مرشح يحظى بتأييد واسع مع التمسك بالمواصفات المطلوبة لمرحلة بناء الدولة التي نؤمن بها”. واضافوا: “في سائر الأحوال، نصرّ على ان تكون جلسة 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس للجمهورية، مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس بحسب الدستور”.
وشدّدوا على “ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار من خلال: استعجال تطبيق الآليات والخطوات العملية التي وافقت عليها الحكومة في جلستها المنعقدة في 27 تشرين الثاني الماضي خصوصاً لجهة تطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، 1701 والبنود ذات الصلة في اتفاق الطائف، والتعاطي الحازم مع الخروقات، ضبط السلاح وحصره مع الجيش اللبناني، وانتشار الجيش اللبناني على كافة الحدود والأراضي اللبنانية، وذلك سعياً للوصول الى دولة فعلية يبسط الجيش اللبناني سيادة الدولة على كافة أراضيها وحماية حدودها وضبط كل معابرها تمهيداً للانطلاق بمرحلة جديدة من تاريخ لبنان تكون نقيض المرحلة السابقة التي لم تأت على اللبنانيين إلاّ بالمآسي والانهيارات والنكبات والحروب”.