لبنان يُسلّم ورقة الملاحظات على العرض الخطّي الى هوكشتاين… واليوم تأكيد رسمي على أن “لا شراكة ولا دفع لأيّ تعويضات”

ترسيم الحدود

Share to:

الديار – دوللي بشعلاني

تساؤلات على المسؤولين الإجابة عمّا إذا أدرجت في التعديلات وضرورة وقف اعتماد السريّة في ملف يعني اللبنانيين والأجيال المقبلة

نال لبنان “مبدئياً” ما يريده من اتفاقية ترسيم الحدود الجنوبية البحرية من خلال العرض الخطّي الذي تسلّمه من الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة للترسيم آموس هوكشتاين عن طريق السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا، السبت الفائت. وكانت أول ردّة فعل عليه من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، بعد تسلّمه نسخة من العرض المقترح من شيا، إذ وصفه بالقمحة، وذكر أن لبنان أُعطي “مبدئياً” ما طالب به خلال التفاوض… غير أنّ العرض الذي يقع في عشر صفحات، ومكتوب بطبيعة الحال باللغة الإنكليزية، التي هي لغة الوسيط الأميركي، ويستطيع الجانبان فهمها، يتضمّن بنوداً كثيرة الى جانب تلك التي تسرّبت الى وسائل الإعلام، والتي لم تذكر سوى ما حقّقه لبنان من هذه الإتفاقية. فيما تناولت البنود الأخرى ما تمّ منحه الى العدو الإسرائيلي، الى حدّ ذهب رئيس الحكومة “الإسرائيلية” يائير لابيد الى القول انّ “المقترح يحافظ بشكل “كامل” على المصالح الأمنية السياسية والإقتصادية لإسرائيل”.

تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة لعملية ترسيم الحدود البحرية، انّه صحيح أنّ لبنان “يريد أكل العنب وليس قتل الناطور، غير أنّ بعض ما تسرّب من مضمون الإتفاقية يطرح أسئلة عدّة على المسؤولين اللبنانيين. وكان الجانب الرسمي اللبناني قد درس العرض يوم الاثنين في اجتماعين منفصلين في قصر بعبدا: الأول اجتماع اللجنة الفنية المختصّة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وضع ملاحظات أساسية وتقنية عدّة وجرى رفع ورقة الملاحظات هذه الى الإجتماع الرئاسي الثلاثي الذي عُقد بين الرئيس عون ورئيسي البرلمان نبيه برّي وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي خرج بموقف واحد منها، على ما أعلن ميقاتي. وقد جرى توحيد الملاحظات، على ما ذكر نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، “على أن تُجمع بتقرير نهائي يتضمّن جميع التعديلات والملاحظات لرفعه الى الوسيط الأميركي اليوم الثلاثاء، على أبعد تقدير. على أن يعرضها هوكشتاين على الفريق الآخر، ونأمل أخذ الجواب النهائي منه قبل نهاية هذا الأسبوع”.

ورشح عن الموقف الرسمي اللبناني الموحّد التأكيد على حصول لبنان على حقوقه كاملة، أي على الخط 23 كخط حدوده البحرية، وعلى الإستثمار بشكل كامل في حقل “قانا”، وعلى أنّ المنطقة الأمنية عند الـ B1 ستكون تحت سيطرة القوّات البحرية في “اليونيفيل”، فهي التي ستتولّى الحفاظ على أمنها. كما جرى التشديد على أن لا شراكة بين لبنان وبين العدو، لا في الحقول النفطية، ولا حتى في التوقيع على الاتفاقية الذي سيكون منفصلاً، يحصل من كل جانب على نسخة على حدة مع توقيع هوكشتاين، وعلى أنّه لن يدفع أي تعويضات للعدوالاسرائيلي.

ومن بين هذه الأسئلة، على ما أضافت الاوساط، “إذا كانت الإتفاقية، أو مسودة الإتفاقية غير النهائية والقابلة لإدخال بعض التعديلات عليها، قد أعطت لبنان الخط 23 وحقل قانا “كاملين”، فما الجدوى من بند أو عبارة “إنّ لبنان غير معني بالتعويض الذي ستحصل عليه “إسرائيل”، مقابل ما تسمّيه حقّها في القسم الجنوبي من حقل “قانا” والذي تصل مساحته الى نحو 80 كلم2، قبل استكشاف هذا الحقل، وقبل معرفة مقدار كميات الغاز التي يحتويها والتي يقال إنّها ضخمة. وهل إذا كان “لبنان غير معني”، تُلغى شراكته في هذا الحقل مع العدو، مع إعادة تأكيد لبنان الرسمي على رفضه أي شراكة وأنّ الاتفاقية لا تتضمن أي بند ينصّ على وجودها، في الوقت الذي سيحصل فيها “الإسرائيلي” على تعويضات مالية ممّا يعتبره حقّاً له فيه ؟ والأهمّ من ذلك، أنّه إذا كان غير معني، فهذا الأمر قد يزيد في الطين بلّة، إذ يعني أيضاً أنّ القرار الآحادي قد أُعطي للشركة المنقّبة، بموافقة لبنان، والتي هي “توتال” الفرنسية حتى الساعة، فهي المعنية الوحيدة بالتعويض للعدو مالياً مقابل تخلّيه عن الجزء الجنوبي من “قانا”، بما يناسبها ويناسبه من عائدات مالية، وليس على لبنان أن يتدخّل حتى لو قرّرت منحه أكثر ممّا يجب. فعدم ذكر أي حصّة، أو أي نسبة يحقّ “للإسرائيلي” الحصول على تعويض مالي عنها في الاتفاقية، مثل 5 أو 10 %، على سبيل المثال، من عائدات هذا الحقل، يجعل ما ستقرّره الشركة من دون الرجوع الى لبنان “الذي يملك هذا الحقل “كاملاً” وحقّ الإستثمار فيه على ما يُفترض، أمراً حتمياً، وقد لا يكون منصفاً وعادلاً بحقّ لبنان. ما يعني أنّ لبنان يعطي “شيكاً على بياض” للشركة المنقّبة لتصرفه لمصلحة العدو الإسرائيلي.

وأوضحت الأوساط نفسها أنّه لكيلا يكون هناك أي شراكة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، استنبط هوكشتاين هذه العبارة بأنّ لبنان “غير معني”، في محاولة لتحييده عن أي نوع من التطبيع معه، ولكن في الواقع، مع موافقة لبنان على هذا الأمر من دون أي تعديل، يكون قد وقع في فخّ “أميركي- إسرائيلي- فرنسي” قد يعطي العدو أكثر ممّا يستحقّه بكثير من العائدات المالية لهذا الحقل الواعد، فيما تُروّج بعض وسائله بأنّه “حقل وهمي وصغير”، بهدف التقليل من أهمية العائدات التي سيحصل عليها. الأمر الذي من شأنه إدخال لبنان في “شراكة مقنعة” قد يستخدمها “الإسرائيلي” متى يشاء. وكان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر قد أكّد أخيراً أنّ “لإسرائيل حقوقاً مالية في حقل قانا” الذي لا يزال يعتبره الأميركي و”الإسرائيلي” حقلاً محتملا” ولا تتمّ تسميته بإسمه. فيما ذكر لابيد أنّ “لبنان سيحصل على حقل نفطي إضافي”، إلّا أنّه أضاف “لا بأس في ذلك، ويمكننا أن نحصل في المقابل على رسوم مالية”.

ويعيد هذا الأمر الى الأذهان، إدعاء “إسرائيل” في وقت سابق بأنّ البلوك 9 هو ملك لها، بهدف الاستيلاء على حقل قانا كاملاً، ولهذا تخشى من أن تكون قد حصلت عليه في خفايا بنود الإتفاقية المعروضة على لبنان، والتي أعطى لابيد الموافقة المبدئية عليها قبل اجتماع الخميس للكابينيت لمناقشته ودراسة تفاصيله، وتلاسن مع رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو حول أنّه “لم يستطع الوصول الى مثل هذه الصفقة لأكثر من عشر سنوات”، فيما انتقد نتنياهو جدوى هذه الاتفاقية ووعد بنسفها فور عودته الى رئاسة الحكومة.

وتابعت الأوساط الديبلوماسية: “لقد تنازل لبنان عن الخط 29 مقابل الإعتراف له بالخط 23 وبحقل قانا كاملاً، ولهذا اقترح أن يكون لهذا الخط جيب لضمّ القسم الجنوبي من “قانا” لكي لا يكون هناك أي شراكة، أو أي حقل مشترك مع العدو لأنّه لا يريد ثغرة تستخدمها “إسرائيل” لاحقاً، على غرار ما تفعل عادة. وقد تخلَّى بذلك عن الجزء الشمالي من حقل “كاريش” الذي يقع أكثر من نصفه ضمن الخط 29. مقابل ماذا؟ لا شيء. لماذا لم يُطالب بعد إعطائه “كاريش” كاملاً “للإسرائيلي” بتعويضات أو بعائدات مالية في حقّه بأكثر من نصفه، مقابل التراجع الى الخط 23 ؟! علماً بأنّ الخط 29 هو الخط القانوني وفقاً لقانون البحار، ولكلّ الدراسات بما فيها التقرير البريطاني الصادر في العام 2013 والذي لم يتمّ نشر مضمونه. والأميركيون و”الإسرائيليون” يعلمون ذلك تماماً. فماذا أُعطي لبنان مقابل التنازل عن حقوقه ضمن الخط 29، ما دامت حدوده البحرية تصل قانونياً، الى جنوب الخط 29؟! وهذا ما تؤكّده خرائط أميركية و”إسرائيلية” سابقة أخفيت، وجرى تجاهلها عن قصد.

كذلك تجد الاوساط بأن يتمّ الإعتراف بحقّ لبنان في التنقيب والاستخراج في بلوكاته البحرية، من دون ذكر مسألة إنتاج وتصدير الغاز، فيطرح بحدّ ذاته، علامة إستفهام حول عدم ديمومة هذه الإتفاقية. وهذا يؤكّد بالتالي أنّ كلّاً من الأميركي و”الإسرائيلي” قد مارسا الضغط من أجل وقف “توتال” عملها في البلوك 4، ما جعلها تعطي ذرائع واهية لمغادرتها لبنان لا تمت الى الحقيقة بصلة. والأمر نفسه ينطبق على بند السماح للبنان باستيراد الطاقة والفيول من أي دولة في العالم، بما فيها إيران (إذا كان هذا البند مدرجاً فعلياً في الإتفاقية)، إذ يعني أيضاً أنّ الأميركي هو الذي يمنع لبنان من قبول المساعدات الإيرانية، وسابقاً الروسية، التي كانت تُعرض على الحكومة. وكان سبب عدم قبول لبنان بها، بأنّه يرفض “الهبات المشروطة”، فيما المساعدات الأميركية التي تُقدّم سنوياً الى المؤسسة العسكرية، والمجتمع اللبناني “ليست مشروطة”.

هذا غيض من فيض الأسئلة، أضافت الأوساط عينها، لأنّه لا يُمكن الوثوق بالعدو الاسرائيلي المعروف بنسف أي إتفاقية ساعة يشاء. وتساءلت: ما هي الضمانات التي ستُعطى للبنان بأنّه سيُنفّذ ما جاء في الإتفاقية، بعد إدخال التعديلات على المسودة من قبل الجانبين؟ وهل سيصدق في السماح لشركة “توتال” بالعودة الى لبنان والبدء بالتنقيب تزامناً مع بدء “إنرجين” عملها في “كاريش”، أموسيتمّ التذرّع بحجج جديدة لمنع “توتال” من العودة؟!

من هنا، شدّدت الاوساط على أنّه على الدولة اللبنانية أن توضح كلّ بنود الإتفاقية، أو أن تنشرها لأنّ ثمّة إختصاصيين وخبراء وقانونيين عدّة في لبنان، مهتمّون بملف الترسيم ولا تتمّ استشارتهم، وبإمكانهم تقديم المساعدة في هذا الملف، للجنة الفنية وللمسؤولين، تلافياً لارتكاب لبنان أي خطأ جديد، على غرار الأخطاء السابقة، تدفع ثمنه الأجيال المقبلة.

كما يتوجّب عليها أيضاً وضع النقاط على الحروف لجهة رفض “الشراكة المقنّعة” مع العدو بشكلٍ قاطع، ودفع التعويضات غير المحدّدة له من قبل الطرف الثالث.

وسألت الأوساط: لماذا يعتمد لبنان السريّة في اتفاقية تخصّ جميع اللبنانيين ويريدونها عادلة ومشرّفة وتحمي حقوقهم في ثروتهم النفطية وحقوق أبنائهم والأجيال المقبلة؟ ولماذا لا يتمّ كشف الأوراق قبل التوقيع على المحضر أو على المرسوم الذي سيكشف فوراً عن مضمونه فور إيداعه الأمم المتحدة؟ وهل تجيب ورقة الملاحظات عن التساؤلات التي يطرحها الخبراء والقانونيين والشعب اللبناني حول الشراكة والتعويض والضمانات؟!

ويبقى القول: هل وصل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي الى المرحلة الحاسمة وستتمّ الموافقة النهائية على الإتفاقية خلال الأسبوع المقبل؟ أم أنّ احتدام الصراع “الإسرائيلي” الداخلي بين لابيد ونتنياهو سينسفها قبل وصولها الى الخطوة الأخيرة المتمثّلة في الموافقة عليها من قبل الجانبين، ومن ثمّ إيداع كلّ طرف نسخة عنها الى الأمم المتحدة؟!

Exit mobile version