لا تدخل إتفاقية ترسيم الحدود البحرية حيّز التنفيذ إلّا في التاريخ الذي تُرسل فيه الولايات المتحدة الأميركية إشعاراً يتضمّن تأكيدات على موافقة كلّ من الطرفين، على الأحكام المنصوص عليها في الإتفاقية النهائية المُرسلة من قبل الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وذلك إستناداً الى النص الوارد فيها. على أنّه عندما “يتمّ الإتفاق حول الترسيم في نهاية المطاف، سيتمّ إيداع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية لدى الأمم المتحدة”. وصحيح أنّ لبنان الرسمي قد وافق على الإتفاقية بعد إعادة الإطلاع على الصيغة النهائية المعدّلة لها من جهة، وكذلك حكومة العدو الإسرائيلي من جهة ثانية، غير أنّ هذه الموافقة لا تزال حتى الساعة شفهية، فيما المطلوب التوقيع النهائي من قبل الطرفين عليها بخط اليدّ، لتتخذ بعدها الأطر المتفق عليها لكي تُصبح نافذة.
أمّا العودة الى طاولة الناقورة فلا تزال تنتظر، على ما تقول أوساط ديبلوماسية عليمة، قيام كلّ طرف بتأمين الجهة المخوّلة التوقيع على الإتفاقية. ويبدو أنّ لبنان سيعمد الى الإكتفاء بتوقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حال تعذَّر اجتماع الحكومة، أو أيضاً بتوقيعها مجتمعة حتى ولو كانت تُصرّف الأعمال، من دون عرض الإتفاقية على مجلس النوّاب لنيل موافقته. علماً بأنّ المادة 52 من الدستور تقتضي موافقة مجلس النوّاب الى جانب موافقة رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء في حال وجود إتفاقية أو معاهدة مالية أو تجارية، الى ما هي الحال عليه في اتفاقية الترسيم البحري، وان كان البعض يوضح أنّها ليست إتفاقية أو معاهدة، بل تدخل في إطار “تبادل الرسائل”، وأنّ لبنان يؤكّد من خلالها ما سبق وأن أودعه لدى الأمم المتحدة في المرسوم 6433 الصادر في 1/10/2011 بموافقة الحكومة عليه آنذاك.
هذا وحددت المحكمة العليا “الاسرائيلية” جلسة في 27 تشرين الأول الجاري للنظر في استئناف ضدّ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المُحتملة مع لبنان، ومنحت ممثّل الإدعاء فرصة لتقديم ردّ الدولة حتى موعد أقصاه التاريخ المذكور، أي قبل أربعة أيّام من انتهاء عهد الرئيس عون، وقبل خمسة أيام من موعد الإنتخابات العامَّة. أمّا الولايات المتحدة الأميركية فتصرّ على توقيع اتفاقية الترسيم بين الجانبين قبل الإنتخابات النيابية النصفية لديها المقرّرة في 8 تشرين الثاني المقبل. ولهذا على لبنان إنهاء الموافقة الرسمية عليها من خلال التواقيع عليها من قبل الجهات المعنيّة.
وتقول الأوساط نفسها بأنّه لا بدّ من التوقيع على اتفاقية الترسيم البحري لوضعها حيّز التنفيذ، إذ أنّ الموافقة العلنية الشفهية عليها لا تكفي لإبرام الإتفاقيات. ولهذا يجب الإسراع في خطوة تشكيل الوفد العسكري والتقني الى الناقورة لتحديد الإحداثيات الجغرافية للخط الحدودي البحري الفاصل على الخرائط، وتبادل الرسائل الهادف الى إقامة حدود بحرية دائمة ودخول الاتفاقية مرحلة التنفيذ بعد التوقيع الرسمي عليها من قبل الطرفين، وبإقرار الولايات المتحدة الأميركية بذلك.
ولكن، في حال طال انتظار التوقيع على الإتفاقية الى ما بعد نظر المحكمة “الإسرائيلية” العليا بها، على ما أضافت الاوساط، أي الى ما بعد 27 تشرين الجاري، فإذا لم يُهَدِّد قرار المحكمة مصير الإتفاقية، فسيكون على الطرفين الإجتماع حول طاولة الناقورة في 28 أو 29 أو 30 الجاري للتوقيع النهائي على الإتفاقية برعاية أممية ووساطة أميركية، وإيداع كلّ طرف رسالته لدى الأمم المتحدة، فضلاً عن رسالة الولايات المتحدة الأميركية التي توكد المصادقة والتوقيع على هذه الاتفاقية من قبل الطرفين كلّ على حدة، قبل انتهاء عهد الرئيس عون في 31 تشرين الجاري.
وأشارت الأوساط عينها، الى أنّه إذا ما قرّرت حكومة يائير لابيد عدم انتظار قرار المحكمة، فبإمكان حكومته التوقيع على الإتفاقية، وإنجاز إبرامها قبل 27 الجاري، شرط أن يكون لبنان الرسمي قد قام أيضاً بالتوقيع على الاتفاقية. ويقوم بعدها كلّ طرف بتقديم رسالة تحتوي على قائمة بالإحداثيات الجغرافية ذات الصِّلة بترسيم الحدود البحرية الى أمين عام الأمم المتحدة في اليوم الذي يتلقَّى فيه رسالة الولايات المتحدة. ويتعيّن على الطرفين إخطار الولايات المتحدة عند تقديم رسالتيهما الى الأمم المتحدة.
ولكن في حال دخول الإتفاقية حيّز التنفيذ قبل موعد الإنتخابات “الإسرائيلية” المرتقبة، هل بإمكان “الإسرائيلي” نسف الإتفاقية فيما بعدها، إذا ما عاد بنيامين نتنياهو الى السلطة؟ إذ توعّد بأنّ الحكومة اليمينية التي ينوي تشكيلها حينها، ستعمل على إلغاء أي اتفاق مع لبنان ولن تكون ملزمة به. تجيب الأوساط بأنّ الولايات المتحدة قد أعطت الضمانة في نصّ الإتفاقية لعدم نسفها، فقد ذكرت أنّه “لا يجوز أن يُقدّم أي من الطرفين مستقبلاً الى الأمم المتحدة أي مذكّرة تتضمّن خرائط أو إحداثيات تتعارض مع هذا الإتفاق، ما لم يتفق الطرفان على مضمون مثل هذه المذكرة (الفقرة د من القسم الأول من نصّ الإتفاقية)، على أنّه “يتفق الطرفان على أنّ هذا الإتفاق يُرسي حلّاً دائماً ومنصفاً للنزاع البحري القائم بينهما” (الفقرة هـ من القسم الأول). وهذا يعني بأنّ حلّ النزاع القائم يصبح منجزاً فور توقيع الإتفاقية. وفي حال أراد نتنياهو نسفها بعد عودته، فسيكون عليه مواجهة الولايات المتحدة الاميركية التي توسّطت للتوصّل الى هذه الإتفاقية التي ترسي حلّاً دائماً وعادلاً بين الجانبين. أمّا أن يدعي بأنّ هذا الإتفاق غير قانوني، فلا يسعه ذلك في حال قطع كلّ المراحل القانونية المطلوبة من الناقورة وصولاً الى الأمم المتحدة..
وأكّدت الأوساط أنّه فور دخول الإتفاقية حيّز التنفيذ، فإنّ شركة “توتال” ستأتي الى لبنان للتنقيب عن الغاز في حقل “قانا”، على أن يتلقَّى “الإسرائيلي” عائدات مالية من حصّة “توتال” فور دخوله مرحلة الإنتاج، وستستأنف شركة “إنرجين” بالموازاة، عملها في إنتاج الغاز من حقل “كاريش” من دون أي مشاكل أمنية عند الحدود البحرية.
وتقول الاوساط بأنّ هذه الإتفاقية إذا أبرمت، تفتح الباب أمام ترسيم الحدود البحرية الشمالية مع سوريا، على ما أعلن الرئيس عون، لكي يتمكّن لبنان من تحديد منطقته الإقتصادية الخالصة، وبدء العمل في بلوكاته كافة بعد إطلاق دورة التراخيص الثانية التي ستدخل فيها حتماً شركات دولية كبيرة، وتبدأ عمليات التنقيب والإستخراج فيها ليصبح لبنان فعلاً بلداً نفطياً في غضون سنوات.