لا ينتظر لبنان الكثير من نتائج القمة العربية الثانية والثلاثين التي عُقدت أمس في السعودية، رغم أنّها قمّة المصالحة والتسويات، وقمّة الحوار والسلام والإزدهار، وقد شكّلت للدول العربية «بارقة أمل»، خصوصاً بعد الإتفاق الإيراني- السعودي الأخير برعاية صينية، كونها عملت وستعمل لاحقاً على «صفر خلافات» فيما بينها وبين دول الجوار لا سيما تركيا وإيران. وتخلّلها مفاجأة تمثّلت بمشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فيها بهدف أن تتوسّط السعودية بين بلاده وروسيا لإيجاد حلّ للحرب الدائرة بينهما.. وإذ نجحت «قمّة جدّة» في إعادة الرئيس السوري بشّار الأسد الى مقعده في الجامعة بعد تعليق عضوية بلاده لنحو 11 عاماً ونصف، وذلك بعد القرار الأخير الذي اتخذه مجلس الجامعة بهذا الشأن، وناقشت ملفّات عدّة في المنطقة من الصراع المتفجّر في السودان، الى القضية الفلسطينية والإعتداءات والإعتقالات الإسرائيلية المستمرة في الضفّة على الفلسطينيين، رغم تطبيع دول عربية عدّة مع العدو الإسرائيلي، مروراً بملفات اليمن وليبيا والصومال وسوريا، ولبنان، إلّا أنّها لم تُقدّم أي جديد بالنسبة للملف اللبناني.
مصادر سياسية مطلعة أكّدت بأنّ لبنان لم يكن يتوقّع أن تؤثّر «قمّة جدّة» بشكل مباشر على حلّ الأزمة الرئاسية، لأنّه يعلم بأنّ الدول الخمس التي اجتمعت في باريس في 6 شباط الفائت، قد ناقشت الملف اللبناني، وهي ستتابع إجتماعاتها ومشاوراتها بشأنه بعد القمّة من أجل حثّ المسؤولين اللبنانيين على انتخاب رئيس الجمهورية. وقد سبق وأن وضعت هذه الدول «خارطة طريق» طرحتها على المسؤولين اللبنانيين تتعلّق بانتخاب الرئيس وتشكيل حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة وعلى توقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتعزّز علاقاتها مع الدول العربية ودول الجوار لإرساء السلام وتحقيق النمو والتطوّر. وتنتظر هذه الدول الخمس اليوم أن يقوم المسؤولون بمبادرة داخلية لحلّ الأزمة السياسية القائمة فيما بين المكوّنات السياسية، لكي تتمكّن بعد ذلك من مدّ يدّ العون للبنان ومن دعمه مالياً وإقتصادياً.
وتقول بأنّ العرب لم يبتكروا أي شيء جديد بالنسبة للبنان، لأنّ الحلّ موجود، وقد جرى طرحه من قبل الدول الخمس (اي أميركا، فرنسا، السعودية، قطر ومصر) ولا مجال لتقديم أي مقترح آخر له. ولكن لا يبدو أنّ هناك نيّة جديّة لدى المسؤولين بالتوافق فيما بينهم على إنقاذ بلادهم من الأزمات التي تتخبّط فيها، كون بعضهم لا يزال ينتظر الضوء الأخضر من الخارج. لهذا تضمّن «إعلان جدّة» فيما يتعلّق ببند لبنان حثّ اللبنانيين على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس الجمهورية لإعادة انتظام المؤسسات الدستورية، وإنجاز الإستحقاقات الأخرى.
غير أنّ الجديد في البيان الختامي للقمّة، على ما أضافت المصادر نفسها، فهو موقف التهدئة الذي اتخذه العرب تجاه «حزب الله» الذي كانت تعتبره بعض الدول في الجامعة «جهة خارجة عن الدولة»، أو «منظمة إرهابية»، إذ أشار الى حقّ لبنان بالمقاومة والدفاع عن أرضه وحدوده، فضلاً عن حقّه في التنقيب عن موارده، مطالباً باستعجال بدء عمليات التنقيب عن النفط. ومن الواضح أنّ العرب قد بدّلوا لغتهم تجاه «حزب الله»، وسوريا خلال «قمّة جدّة». وهذا أمر طبيعي، لا سيما بعد الإتفاق الإيراني- السعودي الأخير برعاية صينية.
وتحدّثت عن دعم عربي وتجاوب مع مطالبة لبنان (وكذلك الأردن)، على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي ترأس الوفد اللبناني اليها، بضرورة حلّ أزمة النزوح السوري من خلال عودة النازحين الى ديارهم. فقد ذكر ميقاتي في كلمته أمام القمّة «أنّ طول أمد الأزمة وتعثّر معالجتها وتزايد أعداد النازحين السوريين بشكل كبير يجعل من أزمة النزوح أكبر من طاقة لبنان على التحمّل»، مشيراً الى أنّ «العودة لا يُمكن أن تتحقّق إذا لم تتضافر الجهود العربية مع مؤازرة من المجتمع الدولي، وبالتواصل والحوار مع الشقيقة سوريا في إطار موقف عربي جامع على مشاريع بناء وإنعاش للمناطق المهدّمة لوضع «خارطة طريق» لعودة الإخوة السوريين الى ديارهم». غير أنّ الأمر يتطلّب إتخاذ قرار سياسي لبناني بالتحاور مع سوريا من أجل تحقيق هذه العودة التي لا بدّ وأن تترافق مع إعادة إعمار سوريا التي ستُساهم فيها دول عدّة في المنطقة. ولهذا دعا مجلس الوزراء الى لقاء تشاوري يوم الإثنين وجلسة الجمعة المقبل للبحث في ملف النازحين وقضايا مختلفة لاتخاذ قرار سياسي بشأنه.
وكان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب قد أعلن من جدّة عن تبلّغ لبنان رسمياً من سوريا الترحيب بعودة النازحين المقيمين في لبنان إستعداداً لتقديم ضمانات لهم لعودة آمنة، بقبول مراقبة الأمم المتحدة للتحقّق من عدم تعرّض أي من العائدين إلى أي ملاحقة. كما حصلت مطالبات بضرورة استكمال الأمم المتحدة تقديمها للمساعدات المالية للنازحين بعد عودتهم الى بلادهم، ريثما يتمكّنوا من استعادة حياتهم الطبيعية. ولكن يبقى على الأمم المتحدة أن تتجاوب مع هذا المطلب، وعلى لبنان متابعة هذا الملف بين الوزراء المعنيين به في لبنان وسوريا، ومع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، من أجل تأمين هذه العودة، لا سيما بعد أن تخطّى عدد النازحين السوريين فيه نصف عدد سكّان لبنان.