لا زال العالم يلملم تبعات الزلزال المدمّر الذي وقع في تركيا وسوريا. أرقام الضحايا ترتفع بشكل مطرد ومقلق، وهي غير نهائية حتى الساعة رغم أنها تجاوزت حافة الـ7500 قتيل، فيما حجم الدمار هائل ولم يتحدّد بعد. ولا بد من الإشارة إلى أن التداعيات لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن العواقب الاجتماعية ستستمر في الظهور، مع تشرّد مئات العائلات.
ورغم كارثية وهول ما حصل، فإن الشعب السوري بدا وحيداً في محنته. وفي هذا السياق، جاءت مناشدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي دعا كل الجهات لمساعدة الشعب السوري المنكوب في محنته، والضغط لفتح ممرات آمنة للجهات الدولية بعيداً عن ابتزاز النظام وأصدقائه، وفق ما جاء في موقف له أمس. وجاءت دعوة جنبلاط بعد دعوات منظمات أممية لمساعدة السوريين بشكل فوري، لأن الوضع الإنساني لا يحتمل أي تأخير، وأرواح تُزهق مع كل تأخير.
إلى ذلك، ومع تأثّر لبنان بهزات ارتدادية ناجمة عن الزلزال، وتصدّع مبانٍ وسقوط جدران، عادت إلى الواجهة قدرة لبنان من عدمها لمواجهة كوارث طبيعية قد تستجد في أي لحظة. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تداعيات أي كارثة تحصل ستكون مضاعفة، نتيجة هشاشة المقومات، خاصة وان كارثة انفجار المرفأ لا تزال ماثلة أمام اللبنانيين. وفي هذا السياق، عادت إلى الواجهة قضية المباني المعرّضة للسقوط بسبب عمرها الكبير وغياب الصيانة.
في هذا الإطار، كشف رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة، باتريك زرق الله، أن عدداً كبيراً من المباني في لبنان مهدّد بالسقوط عند أي كارثة طبيعية، أو ظروف مناخية قاسية، وعددها في بيروت وحدها يتخطّى الـ12 ألفاً، بالإضافة إلى أعداد أخرى في طرابلس، البقاع وصيدا.
وفي اتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت رزق الله إلى أن “الإسمنت يحتاج إلى صيانة ضرورية عندما يبلغ عمره الـ60 عاماً حسب تقديرات المهندسين، وثمّة عدد كبير من الأبنية في لبنان يعود تاريخ بنائها لستنيات وسبعينات القرن الماضي، وبالتالي كلها تحتاج إلى الصيانة، دون أن ننسى التصدعات التي أحدثها انفجار المرفأ”.
لكن الصيانة بعيدة المنال، وهذا الأمر يزيد من خطر انهيار الأبنية، وبحسب رزق الله، فإن “مالكي المباني غير قادرين على إجراء الصيانة بسبب عدم تطبيق قانون الإيجارات الجديد، نسبةً لتوقف عمل اللجان القضائية التي من المفترض أن تبت في طلبات التمكين والاستفادة من الصندوق المخصص لدعم مالكي الأبينة، لإجراء عمليات الترميم المطلوبة”.
وطالب في ختام حديثه تفعيل عمل اللجان القضائية، من خلال ضغط مجلس القضاء الأعلى عليهم، بالإضافة إلى ضغط الرؤساء الأوائل في المحاكم أيضاً، مشدّداً على ألا حل إلّا من خلال تمكين مالكي الأبنية.
على خطٍ آخر، تتفاعل قضية تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، مع إرجاء المحقق العدلي القاضي طارق البيطار جلسات الاستماع إلى مستدعى عليهم، لأن الضابطة العدلية لم تأتمر منه، بل بقيت في صف النيابة العامة التمييزية، فلم تنفّذ طلبات التحقيق العدلي.
وفي هذا الإطار، كان من المفترض أن يُعقد اجتماع لمجلس القضاء الأعلى لنزع صاعق تفجير “العدلية” والبحث في الملف بطلب من وزير العدل هنري خوري، لكن فقدان النصاب أرجأ الجلسة من جديد، فلم يُطرح الملف.
مصادر متابعة للشأن شدّدت على وجوب تدخّل مجلس القضاء الأعلى لحسم الملف، دون أن يكون طرفاً في النزاع، بل حكماً، لأن الانقسام الحاصل في العدلية خطير على صعيد الحياة القضائية ومن غير المفترض أن يستمر، لأنّه يضرب هيبة القضاء من جهة، ويطيّر التحقيقات في الملف من جهة أخرى.
ولفتت المصادر عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “البيطار أرجأ جلساته، لكنه لم يتراجع عنها، ما يعني أنّه مصمم على الاستمرار بقرار مواصلة عمله رغم قرار النيابة العامة التمييزية اعتبار خطوة البيطار غير موجودة، والاشتباك القضائي سيعود في حال لم يُحسم الملف”.
وتخوّفت المصادر من حدوث إشكال بين الأجهزة الأمنية نفسها، في حال قرر النائب العام التمييزي استدعاء البيطار للاستماع إليه بعدما ادعى عليه، وبالتحديد جهاز أمن الدولة المولج تنفيذ قرارات النيابة العامة التمييزية، والجيش المولج حماية البيطار، وأشارت إلى أن هذه النقطة إضافية تستدعي حل الإشكال القضائي بأسرع وقت.
ختاماً، وكما من المطلوب عودة القضاء إلى رشده لانتظام عمله، فإن عودة السياسيين إلى ضميرهم ومسؤولياتهم أيضاً مطلوبة لانتظام العمل العام، لأن الدولة لا يُمكن أن تستمر في ظل الفراغ والشلل التام.