كان من المفترض أن يستعيد الواقع الداخلي اللبناني بعضاً من أولوية افتقدها وخسرها طوال الأشهر الماضية تحت وطأة المواجهات الميدانية الجارية في الجنوب منذ 11 شهراً، وذلك مع عودة الكلام عن إحياء جهود المجموعة الخماسية في ملف أزمة الفراغ الرئاسي كما مع تأهب الحكومة لخوض استحقاق موازنة 2025 واستنفار المتقاعدين العسكريين وموظفي الإدارة العامة لمنع انعقاد جلسة مجلس الوزراء غداً لهذه الغاية. لكن مجريات التصعيد الميداني العنيف التي تعاقبت في الساعات الـ72 الأخيرة بدت كأنها نذير إعادة الوضع اللبناني برمته إلى مرحلة قد تكون أشد حرجاً واثارة للقلق من تلك التي سبقت مرور يوم 25 آب (أغسطس) الماضي.
إذ أن التطورات الميدانية رسمت خطاً بيانياً مثيراً للقلق والمخاوف من أن تكون جريمة الاغتيال الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في بلدة فرون واستشهد فيها ثلاثة من مسعفي الدفاع المدني وأصيب اثنان آخران بجروح خطيرة، مؤشراً إلى موجة عنف ميداني متفلت يطبع بقوة عمليات الإغارات الإسرائيلية على البلدات الحدودية ويتسع تباعاً إلى أبعد من جنوب الليطاني، فيما يتزامن ذلك مع دفع حرب التهديدات والتهويل بالتحول إلى مرحلة الهجوم الإسرائيلي على لبنان إلى سقوف تصعيدية جديدة.
ومن غير المستبعد في نظر أوساط ديبلوماسية معنية أن تكون إسرائيل في صدد اطلاق رسائل تصعيدية ميدانياً وديبلوماسياً ودعائياً كما اتضح في الساعات الأخيرة، من منطلق الايضاح لأعدائها بأنها شرعت في توظيف “المرحلة القاتلة” التي تتشكل من الشهرين المقبلين الفاصلين عن الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي يعتقد بأن إسرائيل تستشعر فيها بتفلت كل القيود والضغوط الأميركية للمضي بتوسيع خططها الهجومية على جبهتي غزة وجنوب لبنان. ولذا تحذر هذه الأوساط من أنه حتى لو انطوى التهويل الإسرائيلي بهجمات على لبنان على افراط في المنحى الدعائي، فإن ذلك لا يسقط خطورة إهمال الهامش الكبير لحسابات التصعيد وتفلّت الميدان الحارّ جنوباً بما يبقي لبنان في عين العاصفة.
ذلك أنه بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنه يستعد للتحرك هجومياً في الداخل اللبناني إذا استدعت الحاجة، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس، تهديدات جديدة إذ أكد في بيان أمس أنه “أصدر تعليمات للجيش بتغيير الوضع في الشمال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان”. وأضاف “أن #حزب الله هو الذراع القوية لإيران”، مشدداً على “استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه في الشمال” وكرر “التزام حكومته إعادة جميع سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”.
وفي هذا السياق، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله إن “الأوضاع بين إسرائيل و”حزب الله” تقترب من نقطة الانفجار”، وأضاف:” الحملة العسكرية في لبنان تقترب رغم أن توقيتها لم يحدد بعد”. وقال: “أمامنا خياران إما التوصل لاتفاق في غزة أو انهيار المفاوضات وحرب ضد حزب الله”.
أتت تلك التصريحات بعدما كشف وزير الخارجية والمغتربين اللبناني عبدالله بو حبيب أن إسرائيل نقلت إلى لبنان “رسالة عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار في لبنان حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة”.
ومن المقرر أن يجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ظهر اليوم مع سفراء الدول الغربية والمنظمات الدولية لكي يثير معهم ما حصل في الجنوب والاعتداء الاسرائيلي الذي حصل على الدفاع المدني.
المصدر – النهار