تنتشر منذ ايام دعوات للنزول الى الشارع، وإقفال الطرقات وإعلان العصيان المدني، على وقع تحليق مخيف لسعر صرف الدولار، الذي تخطى الثمانين الف ليرة، فحلقّت معه كل الاسعار من المحروقات الى السلع الغذائية وكل المواد الاستهلاكية والى ما هنالك، بالتزامن مع الانهيارات الاقتصادية والمالية والمعيشية التي يعيشها لبنان واللبنانيون، إضافة الى السياسية التي قطعت كل الطرق، امام التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية مقبول من اكثرية الاطراف، علّه يفتح ثغرة او بصيص أمل للبدء في إنعاش البلد، الذي يكاد يُمحى عن الخارطة، بسبب الضربات التي يتلقاها يومياً.
وقد عادت التقارير الامنية التي تحذر من مرحلة صعبة في لبنان، ستمتد حتى شهرين هما الاخطر الى حين ولادة التسوية والحل، وهذه التقارير الخارجية تتلاقى مع مخاوف داخلية، من حدوث شيء ما هو قيد التحضير، قد يحدث تغيّيراً مرتقباً، لذا تنتشر المخاوف من بلبلة وتحرّكات في الشارع، تحمل الطابعين الطائفي والمذهبي، لإحداث تصعيد قد يتطوّر الى ما هو اكبر من ذلك، أي فوضى عارمة على وقع اشتعال الشارع بالتظاهرات والاعتصامات، وقيام بعض الاحزاب الفاعلة بالمشاركة.
وما جرى في الامس من مشاهد في منطقة بدارو بصورة خاصة، من حرق وتكسير لبعض المصارف، مرجّح ان ينقل مشاهد مماثلة في مناطق اخرى اعتباراً من اليوم، وفق ما أفاد عدد كبير من المودعين، لانّ انتفاضتهم مستمرة ولن يوقفها احد، الى حين ظهور حلول في ما يخص ودائعهم.
كما انّ الاوضاع المعيشية لم تعد تحتمل، بالتزامن مع عمليات السرقة والنهب المستمرة في مختلف المناطق اللبنانية، بسبب العوز الذي يعاني منه اغلبية اللبنانيين، واللافت انّ الابداع في السرقة تخطى المعقول، بحيث سجّلت خلال اليومين الماضيين عمليات سرقة للاسلاك الكهربائية، الامر الذي أعاق التغذية بالتزامن مع العجز الدائم لشركة كهرباء لبنان عن تأمين ما سُرق.
الى ذلك، لا ينفي وزير سابق على علاقة بمسؤولين امنيين كل هذه التحذيرات، مؤكداً صحة ما يُردّد منذ ايام عن إمكان حدوث “خربطة” امنية، لافتاً الى انّ مؤشرات الحراك الشعبي الذي عاد لينطلق في عدد من المناطق اللبنانية، مع إقفال للطرقات خصوصاً في طرابلس وبيروت وانطلياس وصيدا، بسبب الجوع والفقر وارتفاع اسعار السلع بشكل جنوني، ووضع تسعيرة المواد الغذائية بالدولار، فكل هذا ادى الى طفح كيل الشعب، واشار الى انّ التقارير المحذرة نقلت معها لوماً كبيراً الى المسؤولين اللبنانيين، بسبب ما وصفته بسياسة “الترقيع” التي لا يعرفون غيرها، حيث ينطبق عليهم شعار” لزوم ما لا يلزم”، فيُدبّر المسؤولون أمور المواطنين وفق مقولة ” بالموجود جود”، فيما تتفاقم الأزمات اليومية مع العتمة وغلاء البنزين والمازوت وفقدان الأدوية، وانهيار القطاع الطبي والاستشفائي، وتعطيل كل مقومات الدولة ومؤسساتها، وما يتبع ذلك من تداعيات سلبية على قطاعات العمل، من دون أن يكترث المسؤولون المتناحرون لأي من تلك الازمات.
ويرى الوزير السابق أنّ النهايات المؤلمة لوطن تحمّل شعبه كل المآسي والانهيارات، بسبب فساد مسؤوليه، تتطلب ضرورة إحياء ثورة حقيقية قادرة على توحيد اللبنانيين، تحت عنوان الجوع والحصول على المطالب المحقة، وإنهاء حقبة من الفساد أوصلت لبنان الى هذا الدرك الخطر، مع ضرورة تنظيمها وتوحيد مواقفها وليس تشتّتها، وتطبيق شعار ” في الجمع قوة لا يستهان بها “، فالوجع يطوقهم من كل حدب وصوب، والآتي أعظم، في ظل معلومات أنّ الثورة الحقيقية تتحضّر مع عصيان مدني، والمطلوب مواكبتها من قبل المواطنين في كل المناطق اللبنانية، مع تناسي الطائفية والمناطقية والولاء المطلق للزعيم، وإبعاد الطابور الخامس المُرسل من قبل البعض لـ “خربطة” الثورة وإلغائها، والتنسيق الدائم والوعي والتيقظ الى أبعد الحدود، ضد المترّبصين بهم لإنجاح ثورة الشعب، وإسقاط الفاسدين في الشارع، وإلا ستكون نهاية لبنان وشيكة، فالتضامن مطلوب بقوة، وليس اعتصام عدد قليل من المواطنين، وإقفال بعض الطرقات لساعات كما يحصل كل ليلة، لانّ مشاركة كل فئات الشعب بطوائفهم ومذاهبهم، هي التي ستحقق ما يصبو اليه اللبنانيون.