لبنانيون يخشون حرمانهم من “البطاقة التمويلية”.. “انتخابية.. وبلا تمويل” (الحرة)

Share to:

الحرة – أسرار شبارو

ارتفعت الصرخات في لبنان مع إغلاق باب التسجيل على “البطاقة التمويلية”، وذلك بعد اصطدام عدد من اللبنانيين بعقبة عدم تمكنهم من الاستحصال على كامل المستندات المطلوبة لا سيما بطاقة الهوية. 

في وقت يغرق فيه لبنان في دوامة انهيار اقتصادي منذ صيف 2019، صدر القانون رقم “230” المتعلق بالبطاقة الإلكترونية التمويلية تحت راية مشروع “دعم” في يوليو الماضي، وذلك بالتزامن مع رفع الدعم تدريجياً عن مواد أساسية منها المحروقات والأدوية والمواد الغذائية.

 أطلق مشروع البطاقة التمويلية من السراي الحكومي مع فتح باب التسجيل أمام المواطنين عبر بوابة إلكترونية أنشئت لهذه الغاية، في الأول من ديسمبر الماضي، مع إعطاء صلاحية رقابة حُسْن تنفيذ المشروع للتفتيش المركزي.

سبق أن وصف البنك الدولي أزمة لبنان بأنها “الأكثر حدة وقساوة في العالم”، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر، حيث فقدت العملة اللبنانية حوالي 90  في المئة من قيمتها مقابل الدولار، وتفاقم الفقر ليطال بحسب تقرير لـ”الإسكوا” “74 في المئة تقريباً من مجموع السكان، وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد إلى 82 في المئة”.

المشرف السابق على خطة لبنان للاستجابة للأزمة الذي عمل على وضع معايير البطاقة التمويلية، الدكتور عاصم أبي علي، شرح لموقع “الحرة” أن “برنامج الدعم ينقسم إلى جزأين، الأول يتعلق ببرنامج ‘شبكة أمان الاجتماعية’ الممول بقرض من البنك الدولي وقيمته 246 مليون دولار”.

يعنى المشروع بحسب أبي علي “بتأمين شبكة أمان اجتماعي للأسر الرازحة تحت خط الفقر المدقع وذلك من خلال تقديمات مالية، إضافة إلى مساعدة 87 ألف تلميذ في المدارس والمعاهد الرسمية بدفع بعض الرسوم المتوجبة عليهم، والجزء الثالث من هذه المساعدة يقوم على الدعم النفسي الاجتماعي والإرشاد الأسري في مراكز الخدمات الانمائية المنتشرة في لبنان”.

أما القسم الثاني من برنامج “الدعم” فيتعلق كما قال أبي علي بالبطاقة التمويلية مؤكداً أنها تستهدف الأسر المتواضعة “إذ ليس بالضرورة أن تكون رازحة تحت خط الفقر المدقع، بل يتطلب أن تكون بحاجة للدعم المادي في ظل رفع الدعم عن المنتجات والسلع الأساسية، من هذا المنطلق تم اعتماد منصة موحدة للشبكتين، حيث يتم فرز المواطنين إلكترونياً، بين المستحق للبطاقة التمويلية وبين المستحق لبطاقة الأسر الأكثر فقراً”.

بطاقة “انتخابية لا تمويلية”

يقدم برنامج التغطية الواسعة للمساعدات النقدية المعروف بالبطاقة التمويلية، بحسب ما ورد على موقع شبكة “دعم” للحماية الاجتماعية، “لكل فرد من أفراد الأسرة اللبنانية مبلغاً شهرياً قدره 25 دولارا أميركيا، بالإضافة إلى مبلغ 15 دولارا أميركيا لكل شخص في الأسرة يتجاوز عمره 64 عاماً، على ألّا يتعدى المبلغ الأقصى للأسرة الواحدة 126 دولارا أميركيا، أو ما يعادله بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف على منصة صيرفة”.

في حين يقدّم برنامج شبكة الأمان الاجتماعية، أو “أمان”، مبلغاً شهرياً قدره 20 دولارا أميركيا لكل فرد من أفراد الأسرة، على أن يكون الحد الأقصى للأفراد المستفدين ستة أفراد، بالإضافة إلى مبلغ ثابت بقيمة 25 دولارا أميركيا للأسرة الواحدة.

في 31 من الشهر الماضي، انتهت مهلة التسجيل على منصة “دعم”، حيث كشف وزير الشؤون الاجتماعية، هيكتور حجار، خلال مؤتمر صحفي أنه: “خلال شهرين، تسجل 582،825 استمارة، وليس أسرة، لأن هذا الرقم يتضمن أيضاً هامشاً من الخطأ، لأن بعض الأسر تسجلت مرتين أو ثلاث وبعض الأفراد وهم يحاولون التسجيل أنشؤوا حسابا أو اثنين ولم يكملوا تعبئة الاستمارة مثلا”. 

وبحسب البيانات المفتوحة الموجودة على موقع “Impact”، فإن المناطق التي فيها العدد الأكبر من الأسر المسجلة وفقا لحجار “هي بعبدا وعكار وبعلبك وطرابلس وزحلة وعدد الأفراد الذين تسجلوا على المنصة ضمن الأسر هو 1,426,147”.

المستندات التي طلبت لتقديم طلب الاستفادة من برنامج الدعم الذي يغطي سنة واحدة، حددت على الشكل الآتي: الهوية اللبنانية لكل فرد من أفراد الأسرة، جواز السفر لكل فرد من أفراد الأسرة (إن وجد)، معلومات عن دفاتر تسجيل السيارات (إن وجدت)، معلومات عن الحسابات المصرفية (IBAN) لكل فرد بالغ في الأسرة (إن وجد)، رقم التعريف الضريبي اللبناني (إن وجد).

استنكر المختار، زاهر الكسار، ما اعتبره حرمان قسم كبير من العائلات اللبنانية والتي تعيش فعلياً تحت خط الفقر من الاستفادة من البطاقة التمويلية بسبب عدم حيازتها على بطاقة هوية، وقال متسائلا: “أي منطق هذا، والدولة عاجزة عن تأمين هويات لمواطنيها، فلا أوراق خاصة بطلب التقديم للحصول عليها، كما أن الآلة المخصصة لذلك في دائرة النفوس دائماً معطلة، وفوق هذا لا طوابع وإن وجدت ففي السوق السوداء”.

منذ أن علم المختار بإمكانية حرمان لبنانيين من الاستفادة من البطاقة التمويلية سارع للقاء الوزير حجار طارحاً أمامه القضية، وقال: “أطلعته أن إخراج القيد أهم من بطاقة الهوية فلماذا يلغى دوره، وإن كان يمكن تقديم جواز سفر فإن أيا من العائلات الفقيرة ليس لديها هذا المستند، فمن استحصل عليه ويمكنه السفر لن يكون من ضمن العائلات الأكثر فقراً، ومع هذا تفاجأنا بالإصرار على بطاقة الهوية كشرط لقبول التسجيل، ما يعني حرمان عدد كبير من المواطنين من دخْل أملوا بأن ينتشلهم، ولو قليلاً، من براثن الفقر”.

الكسّار أطلق صرخة عبر موقع “الحرة” قائلاً: “يكفي إذلالاّ للمواطنين، للأسف أصبح اللبنانيون متسولين، ولتقم الدولة بواجبها وتؤمن بطاقات الهوية بدلاً من التحجج بعدم قبول أي طلب من دونها، فهذه مسؤوليتها، وإن لم يحلّ الأمر سنتحرك، فلن نسكت عن هذه الاستنسابية، لا سيما وأن لدينا شكوكاً بأن هذه البطاقة انتخابية لا تمويلية”.

ديب عبد الواحد، صياد سمك، كان عند المختار للحصول على عبوة حليب لطفله، حيث يقوم الأخير بتوزيعها على المحتاجين، قال بغصة: “لا يوجد أكثر من هذا الذل الذي نعيشه، فحتى حليب وحفاضات لا يمكنني تأمينها لطفلي، وزوجتي مستقيمة، قدمت على البطاقة التمويلية وإذ يطلب منا بطاقة هوية، في وقت الدولة لا يمكنها تأمينها ولا أملك المال لدفع رسومها”.

وتساءل عبد الواحد: “لماذا كل هذا التعقيد، لماذا لا يقتصر الأمر على إخراجات القيد، أم أن دولتنا اعتادت تعذيبنا؟”

استنكار وتوضيح

أشارت “اليونسيف” في تقرير صدر في شهر يوليو الماضي، إلى أن “أكثر من 30 في المئة من ​أطفال​ ​لبنان​ ينامون ببطون خاوية، لعدم حصولهم على عدد كاف من وجبات الطعام، في حين لا تملك 77 في المئة من الأسر ما يكفي من غذاء أو مال لشراء الغذاء”.

وكشف مسح أجرته المنظمة أن “60 في المئة من الأسر تضطر إلى شراء الطعام عبر مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو من خلال الاقتراض والاستدانة، 40 في المئة من الأطفال ينتمون إلى أسر لا يعمل فيها أحد، 77 في المئة من تلك الأسر لا تتلقى مساعدة اجتماعية من أي جهة ، 30 في المئة من الأطفال في لبنان لا يتلقون الرعاية الصحية الأولية التي يحتاجون إليها، كما أن واحداً من كل عشرة أطفال في لبنان جرى إرساله إلى العمل”.

بعد أن توقعت ليال مصطفى أن تدعمها البطاقة التمويلية في مصروف البيت في ظل الوضع المعيشي الذي وصفته بـ”الزفت”، تخشى الآن كما قالت لموقع “الحرة” من حرمان عائلتها من بصيص الأمل البسيط  المتمثل بالمبلغ الذي بنت آمالها عليه. 

وتوضح: “قبل رفع الدعم وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، كنا نواجه الفقر وعدم القدرة على تأمين حاجياتنا الأساسية فكيف الآن، زوجي عامل في أي شيء يطلب منه فلا وظيفة أو مهنة محددة لديه”.

لدى ابنة عكار ولدان (5 و9 سنوات)، عائلتها مهددة بالطرد من المنزل بسبب عدم قدرتها على دفع بدل الإيجار البالغ 350 ألف ليرة “في وقت يطلب المالك رفع المبلغ”، مضيفة “الظروف تضطرنا إلى تخفيف وجبات الطعام، فكيف لنا أن نتحمل كل الأعباء، حتى ولو كانت بطاقات الهوية متوفرة لا نملك المال لدفع رسومها التي تعادل نحو 50 ألف ليرة في الأوقات العادية”.

كما ليال، تأمل فاطمة ألا تُحرم عائلتها من الاستفادة من البطاقة التمويلية، وقالت: “بعد أن أوصلتنا الدولة إلى الاستدانة كي نؤمن الطعام لأطفالنا، وعدتنا ببطاقة تمويلية تسد ولو جزءاً من حاجتنا، وعندما قدمنا الطلب اصطدمنا بعقبة بطاقة الهوية، فعلى الرغم من أننا لبنانيون ونملك إخراجات قيد، لا تقبل الدولة بهذا المستند، تريد تعجيزنا كي لا نستفيد من مبلغ لا يسمِن من جوع”.

وأضافت “لم أتوقع يوماً أن تصل بنا الظروف الاقتصادية إلى هذا الحد، زوجي عامل بناء، أحياناً كثيرة يبقى من دون عمل، وفي ظل انهيار العملة الوطنية أصبحنا عاجزين عن تأمين أبسط متطلبات العيش الكريم لطفلينا، فكيف بدفع مصاريف إضافية كإصدار بطاقات هوية لنا نحن الأربعة”.

 وفيما يتعلق بضرورة حيازة مقدم الطلب على البطاقة التمويلية، على بطاقة هوية واعتبارها شرطاً أساسياً لإتمام التسجيل، قال رئيس التفتيش المركزي، القاضي جورج عطية، لموقع “الحرة”: “كونها تحمل رقماً موحداً، فحتى  جواز السفر لا يمكنه أن يحل مكانها حيث يتغير رقمه عند كل تجديد له”.

أما أبي علي فقال: “عندما كنا في صدد وضع أسس البطاقة التمويلية، أخذنا بعين الاعتبار أن تقوم وزارة الداخلية والبلديات بتسهيل الحصول عليها، وفي المبدأ يجب ألا تلغى مساعدة المواطن وإن تأخر في تقديم الأوراق الثبوتية الضرورية، على أن يستفيد من التقديمات بمفعول رجعي”.

القاضي عطية أشار إلى أن “اللجنة الوزارية المعنية قد حددت عملية التسجيل في برنامج دعم إلكترونياً خلال شهرين ابتداء من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2021 حتى 31 كانون الثاني (يناير) 2022 بالإضافة إلى تمديد فترة تحديث الطلب وإرفاقه بالهويات فور إنجازها حتى أواخر شهر آذار”.

بطاقة تمويلية من دون تمويل!

لا يوجد تمويل حتى الآن للبرنامج الخاص بالبطاقة التمويلية، وكما قال القاضي عطية: “هذا الأمر من مسؤولية الحكومة، لكن هناك تمويل لبرنامج العائلات الأكثر فقراً من الاتحاد الأوروبي، ولبرنامج ‘أمان’ الممول من البنك الدولي”. 

وشدد القاضي على أنه “يحق للمواطن الاستفادة من برنامج واحد فقط”، آملاً من أن يكون “حسن تنفيذ المشروعَين الأولين بضوابط ومسؤولية ورقابة، بادرة خير لتحفيز الجهات المانحة لتغطية حاجات البطاقة التمويلية”.

كما أكد أبي علي أن “لا تمويل للبطاقة التمويلية حتى الآن، وذلك على عكس برنامج الأسر الأكثر فقراً الذي يشمل 75 ألف عائلة  والمغطى بمنح من الاتحاد الأوروبي، وبرنامج أمان الذي يغطي 180 ألف عائلة والممول بقرض من  البنك الدولي، في حين أن عدد الأسر المحتاجة يصل إلى 500 ألف عائلة، ما يشكل تحديا كبيرا للحكومة في المرحلة القادمة”.

الأمر لا يقتصر كما قال أبي علي “على استهداف اللبنانيين المستحقين بل كيفية تأمين المال لهم، ولا يمكن تأمين المال لقسم من المواطنين دون البقية، فأي معايير ستحكم ذلك، وكيف سيوضح المعنيون الأمر للرأي العام؟”

بعد إغلاق باب تقديم الطلبات ستبدأ خلال أسبوعين كما قال القاضي عطية “الزيارات المنزلية كي يتم التأكد والتحقق من البيانات التي جرى إدخالها في بيانات التسجيل وعلى ضوئها سيتم توزيع المبالغ المناسبة”.

Exit mobile version